يدرس كتاب «نوافذ على تراثنا الأدبي»، لمؤلفه الدكتور عادل الفريجات، جوانب وحقول محددة في الأدب العربي القديم. وتتوزع سياقات البحث في إطار قسمين مستقلين. أولهما، قسم يتناول خمس دراسات في الشعر الجاهلي، تشكل كل منها زاوية للنظر، تتباين عن ما عداها، ولكنها تتماها في تكوين لوحة متكاملة، ورسم تصوّر فريد. واما في القسم الثاني.

والذي يتألف من أربع دراسات، فتنصبّ الأبحاث على مناقشة مضمون تراثنا الأدبي النثري، بتنوّعه وثرائه. كما يخصص الباحث عادل الفريجات، حيزا مهما في كتابه لدراسة جانب تأويل الشعر القديم بين القدماء والمعاصرين، وأيضا يرصد الفرق بين النظرتين في هذا الباب. ومن ثم يتوقف الفريجات، في هذا الخصوص، عند قصيدة جاهلية مشهورة، وهي «لامية العرب» للشنفرى، والتي يقول في مطلعها:

أقيموا بني أمّي صدور مطيكم

فإني إلى قوم سواكم لأَمْيَلُ

وينتقل المؤلف، بعد ذلك، الى التأكيد، في شرحه وتحليله، على ان لامية العرب نصّ منسوج بعناية وتدبر، فالشاعر في الوقت الذي جعل فيه اللغة تبدو في أقوى وظائفها التعبيرية، كان يصنع من خلالها، بنية لغوية محددة ودالّة، تكتنز جملة أنغام وإيقاعات. كما ان القصيدة تقدم بنية فنية وإيقاعية مقنعة ومتماسكة، يتجسد فيها إبداع هذا الشاعر، وتتجلى فيها رؤيته للحياة والناس والمجتمع من حوله.

ويقدم الفريجات، عقب ذلك، مجموعة من النصوص، فيها صورتان للحياة الجاهلية من خلال الشعر، الأولى : اتسمت بالفرح والاستبشار والسعي إلى العب من ملذات الحياة. والثانية : اتصفت بالحزن والأسى اللذين يطغيان على تعابيرها ومعانيها.

ما أطيب العيش لو أن الفتى حجرٌ

تنبُوْ الحوادث عنه وهو ملموم

 

كما يتوقف المؤلف، عند شاعر إشكالي من شعراء الجاهلية، وهو المتلمِّس الطبيعي، الذي يعد من أشهر الشعراء المقلين. وفي القسم الثاني من هذه الدراسة، يتكلّم المؤلف عن الإرث القصصي للعصر الأموي، وهو بحث يؤكد وجود بذور للسرد في تاريخنا المبكر.

كما يؤكد تنوع القصّ ما بين قصّ واقعي، خط الفن فيه القليل، وله بيئاته وأعلامه ومزاياه. وكذلك قصّ ينتمي إلى أفق الفن وعالم الخيال، وهذا له بيئاته وأعلامه ومزاياه. وينطبق هذا الكلام على كتابين مهمّين، وصلا إلينا من العصر الأموي، أولهما:

أخبار عبيد بن شرية الجرهمي، وثانيهما كتاب التيجان وملوك حمير، المنسوب إلى وهب بن منبه، وقد وردت فيه قصص وحكايات، منها مثلاً قصة المغارة وقصة لقمان بن عاد ونسوره السبعة وقصة الصعب ذو القرنين. وواضح هنا أن للخيال نصيباً كبيراً في هذه السرديات. وكذلك هناك كتب تناولت القصص العربية في الجاهلية والإسلام، مثل: قصص العرب.

وقد صنفه البجاوي وصحبه، وأيضا كتاب قصص العرب في العصرين الجاهلي والإسلامي، الذي أعده إبراهيم شمس الدين. ومن مصادر هذا المصنف ايضا: الأغاني، العقد الفريد، مجمع الأمثال، الأذكياء، المستطرف، ثمرات. ويشير المؤلف إلى ان الأصول الهندية للقصص العربية، تبدو ماثلة في معارضات القصاصين العرب لبعض قصص كتاب كليلة ودمنة ذي الأصول الهندية، كما فعل إبان اللاحقي، وكذا سهل بن هارون، في كتابه ثعلة وعفراء.

ويلفت الفريجات الى انه في هذا المجال، يأتينا أدب الخيال العلمي في التراث العربي.

وفي النافذة الأخيرة في الكتاب، يناقش المؤلف كتاب ألف ليلة وليلة، وقد رصد في دراسته عنه بوصفه جسراً للتفاعل بين أدبنا والآداب العالمية، رحلتين له: الأولى في رحلته نحو الصيرورة، والثانية رحلته نحو السيرورة. ويمر المؤلف بأمثلة كثيرة عن تجليه في آداب الإنجليز والفرنسيين والألمان والروس وآداب أميركا اللاتينية.

 

 

 

 

 

 

الكتاب: نوافذ على ترثنا

الأدبي نثراً وشعراً

تأليف: د. عادل

الفريجات

الناشر: وزارة الثقافة

الهيئة العامّة

السورية للكتاب

دمشق 2011

الصفحات: 328 صفحة

القطع: المتوسط