تمثل الهجرة أحد أقدم الظواهر التي عرفتها المجتمعات الإنسانية. بل كان المهاجرون أحد محركات التقدم الإنساني على مدى التاريخ كلّه، هذا ما يشرحه مؤلفو كتاب:
"بشر استثنائيون" الذين يحاولون فيه تبيان الأسباب العميقة التي تجعل من الهجرات أحد العوامل الحاسمة في تحديد المستقبل الإنساني برمّته، هذا بعد أن كانت قد ساهمت في صياغة صورة العالم الذي نعيش فيه. وتتردد في تحليلات الكتاب فكرة مفادها أن حركة المهاجرين، ساهمت إلى حدٍ كبير، في مختلف أشكال التجديد وفي انتشار الأفكار.
وبالمحصلة ساهمت في إرساء أسس اقتصاد عالمي. ويشير المؤلفون الى أنه في عالم تتداخل فيه العلاقات والصلات بين البشر أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الإنساني كله، تتعاظم فيه أعداد أولئك الذين تغريهم الهجرة، والذين يملكون إمكانات القيام بها. والمساهمون في هذا العمل يدرسون بالتحديد "ميزات الميول العميقة" للهجرة، بالنسبة للبلدان المعنيّة بها، كما بالنسبة للمهاجرين أنفسهم، على صعيد العالم أجمع.
ويتمثل أحد المحاور الأساسية في هذا الكتاب، في دراسة الآثار الإيجابية الكبرى لحركات المهاجرين، عبر المحيطات والقارّات. ومثل هذه الآثار تبدو بوضوح على صعيد القارة الأوروبية التي قدم إليها أبناء القارة الإفريقية في افواج كبيرة ومتعددة، خاصة في فترة ما بعد الاستعمار. ولايزال المهاجرون اليوم يلعبون دورا حاسما على صعيد القيام بمجموعة كبيرة من الأعمال في البلدان المتقدمة، ويزيدون بالوقت نفسه من التنوّع الثقافي في المجتمعات المعنية.
وتتم في العديد من صفحات هذا الكتاب، مناقشة السياسات الراهنة التي تنتهجها البلدان المتقدمة حيال مسألة الهجرة. كما ان السمة الغالبة التي يتم التأكيد عليها بالنسبة لهذه السياسات، أنها تقوم على أساس "أفكار خاطئة"، مثل تلك التي تتكرر غالبا بخصوص الخشية من التأثيرات السلبية للهجرة على الديناميات الاجتماعية، بل والقول أحيانا، انه يمكن للهجرة أن تكون عامل خلل بالنسبة للهوية الوطنية.
ويدعو المؤلفون في هذا الإطار، إلى ضرورة أن تعمل الحكومات الغربية، على إيجاد نوع من الهيئة لتنظيم أمور الهجرة وحركة المهاجرين. ذلك على غرار الهيئات الدولية المكلّفة بتنظيم المال والحركة الاقتصادية. يحاول المساهمون في الكتاب، القيام بعملية تقييم موضوعي لكلفة وامتيازات الهجرات العالمية، كما يتم تحديد القول.
ويصلون عامة عبر دراسة الظاهرة بكل وجوهها، من زاوية البلدان التي تستقبل المهاجرين، والبلدان التي ترسلهم، وأيضا من زاوية المهاجرين أنفسهم، إلى نتيجة مفادها، أن الجميع يعرفون حالة من الازدهار، عندما تتم حركة الهجرة دون إعاقة عبر الحدود، ودون صرخات الاحتجاج الصادرة عن مناهضي الهجرة والمهاجرين.
وبهذا المعنى يشكّل مضمون كتاب "بشر استثنائيون"، نوعا من المرافعة لصالح حرية انتقال الأشخاص، وكل من يوافقون على هذا الرأي يجدون فيه الكثير من الحجج التي تدعم توجههم. ولعلّ البعد التاريخي لظاهرة الهجرة، يشكل أحد نقاط القوة في هذا الكتاب.
ولكن، لا شك أن الهجرة تؤدي إلى رابحين وخاسرين فيها. ويؤكد المؤلفون أنه لو قبلت البلدان الغنية المهاجرين من البلدان الفقيرة، بحيث يسهمون بنسبة 3 في المئة فقط من قوة عملها، ستكون النتيجة زيادة الثروة العالمية بقيمة 356 مليارا سنويا. بهذا المعنى تشكل الهجرة السلاح الأكثر فعالية ضد الفقر العالمي.
والعامل نفسه الذي ينتقل من اليمن مثلا إلى الولايات المتحدة، سيربح 15 ضعفا أكثر. ثم إن الفوارق في الأجور بين البلدان الغنية ونظيرتها الفقيرة، أكبر بكثير اليوم، مما كانت عليه قبل 100 سنة، أثناء موجات الهجرة الكبرى من أوروبا نحو أميركا. ثم إن الثمن العاطفي لترك المنزل والأهل، كبير دائما. لكن للميدالية وجهها الآخر، ذلك أن البلدان الفقيرة تخسر نسبة كبيرة من أدمغتها.
وتقول إحدى الإحصائيات الواردة في الكتاب، ان 43 في المئة من أطباء بلد فقير، مثل ليبيريا، يعملون اليوم في الولايات المتحدة الأميركية. ومع ذلك لا تنظر واشنطن اليوم وغيرها من الدول الأوروبية المتقدمة، بعين الرضا الى المهاجرين. ذلك أنها لا تفهم قيمتهم بالنسبة لها اليوم.. وغدا أكثر.
الكتاب: بشر استثنائيون
تأليف: ايان غولدين، جيوفراي كاميرون وميرا بالاراجان
الناشر: جامعة برنستون2011
الصفحات: 352 صفحة
القطع: المتوسط
Exceptional peopleIan Goldin andةPrinceton University Press - 2011
352 p.
