بدأت الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) في القارة الأوروبية، ولكنها وضعت أوزارها نهائيا في منطقة المحيط الأطلسي- آسيا، عقب إعلان اليابان استسلامها في مطلع شهر أغسطس من عام 1945، وذلك بعد قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالسلاح الذري من قبل الطيران الأميركي.
إن المؤرخ والأستاذ الجامعي دوغلاس فورد يكرّس كتابه الأخير لدراسة" حرب المحيط الهادئ"، كما يقول عنوانه. ويحدد المؤلف موضوعه أكثر من خلال العنوان الفرعي: "صدام الإمبراطوريات في الحرب العالمية الثانية".
يعتمد دوغلاس فورد في دراسته سلوك الإمبراطوريات في الحرب العالمية الثانية، على العديد من الوثائق التي جرى نشرها، اخيرا، في الولايات المتحدة الأميركية وعلى معلومات الأرشيف البريطانية المتوفرة، كما يشير. ولا تقتصر المعلومات التي يقدّمها على توصيف سير المعارك الكبرى في المحيط الهادئ فحسب، ولكن أيضا يتم تقديم منظور للخلفيات التي جعلت القادة العسكريين والحكومات والمواطنين العاديين، في اليابان وغيرها، يتصرفون بالطريقة التي فعلوا.
إن مضمون هذا العمل التاريخي يمثّل عمليا الإجابات التي يقدمها المؤلف على أسئلة يطرحها منذ الصفحات الأولى، مثل: كيف استطاعت اليابان أن تبرز كقوّة كبرى بعد القطيعة مع سياق معاهدة واشنطن 1921-1922 وما هي العوامل التي كمنت وراء الاندفاع العدائي الياباني في القارة الآسيوية خلال سنوات الثلاثينات من القرن الماضي؟ وكذلك ما الظروف التي واكبت وتلت الهجوم الياباني الشهير على ميناء "بيرل هاربر"، حيث كانت تتواجد القاعدة العسكرية الأميركية؟
كانت القوة الصاعدة اليابانية تنظر بكثير من القلق والريبة، كما يشرح المؤلف، إلى ما بدا لها مشروعا توسعيا واضحا للولايات المتحدة، أو ما أسماه الكاتب مارك توين بـ: "لعبة الإمبراطورية"، حسبما ينقل عنه المؤلف. وبدت مظاهر المشروع التوسعي الأميركي بوضوح من خلال "استيلائها على الفليبين، ومناطق حيوية مهمة، في فترة سابقة، ومن ثم تعزيز سيطرتها على جزر هاواي.
ويقارن المؤلف بين القلق الصيني الحالي من الوجود الأميركي في المحيط الهادئ، وخاصة بالقرب من مضائق تايوان، وبين القلق الياباني في بدايات القرن الماضي . ويجد انه في الحالتين بدا الأمر بمثابة التعبير عن أطماع أميركية واضحة في المحيط الهادئ. وأما أصول ذلك المشروع التوسعي فيجدها المؤلف بمثابة أحد الأسباب الرئيسية لنشوب الحرب العالمية الثانية، بمعنى أن جذورها تعود إلى أواسط القرن التاسع عشر، بالتزامن مع صعود الولايات المتحدة كقوة عالمية.
ويرى المؤلف أن واقع سيطرة قوى أوروبية وأيضا الولايات المتحدة، على آسيا، أمر ولّد فجأة، قوى محلية كبيرة تبنّت الطرق الغربية نفسها، فيما يتعلّق بامتلاك القدرات التكنولوجية والكوادر المطلوبة:( التكنوقراط). والمقصود بذلك : إمبراطورية الشمس الساطعة، المتمثلة باليابان.
ويبين المؤلف أنه اعتبارا من عام 1890، بدأ الإستراتيجيون اليابانيون يتحدثون عن خط الدفاع عن السيادة، والذي يشمل بالضرورة اليابان، بالإضافة إلى كوريا والصين، ولكنه يستثني بصورة قاطعة ممانعة جميع القوى الخارجية، وفي طليعتها القوة الأميركية الصاعدة.
وكان واضحا منذ البداية أن اليابان ذات المساحة الصغيرة نسبيا، هذا فضلا عن أنها جزيرة، وكانت بحاجة إلى امتداد لها في آسيا، كي تؤمن لها بعدا إستراتيجيا، كما توفر الموارد الطبيعية التي تفتقر إليها اليابان كثيرا. ومن هنا بالتحديد بدأت المتاعب مع أميركا.
ويذكر المؤلف ان الصين وبريطانيا شجبتا بقوة، التوسع الياباني، وكانتا تنظران بنوع من الازدراء إلى طوكيو. كما كان الروس ينعتون اليابانيين بـ"القرون الصغيرة"، بينما كان الانجليز يرددون، حتى عام 1940، ان اليابان لم تكن أكثر من قوّة من الصف الأول الابتدائي. كما يصف المؤلف في كتابه، جميع المعارك الكبرى التي دارت في المحيط الهادئ، بدءا من معركة بيرل هاربر، ومرورا بمعركة ميدواي.
ومن ثم وصولا إلى اتخاذ قرار قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية. ويحدد القول ان المعضلة الإستراتيجية الكبرى التي واجهتها اليابان تمثّلت في كونها أطلقت حربا على الأرض الصينية عام 1937، إذ إن 80 بالمائة من جنودها، وجدوا أنفسهم محاصرين هناك، بينما كانت بقية الجيش الياباني، وكذلك رجال بحريته ينتظرون، بلا فاعلية حقيقية. وهم يواجهون هجومات الجنرال مارك ارثور.
الكتاب: حرب المحيط الهادئ «الباسفيكي» صدام الإمبراطوريات في الحرب العالمية الثانية
تأليف: دوغلاس فورد
الناشر: هامبليدون كونتينيوم لندن 2011
الصفحات: 276 صفحة
القطع : المتوسط
Pacific wars
Douglas Ford
Hambledon Continuum- London- 2011
276 .p
