«طرابلسوود» عنوان كتاب صدر قبل فترة في فرنسا، وهو يحيل قارئه مباشرة إلى هوليوود. والمقصود هو بالتحديد مدينة طرابلس الليبية. أما موضوع الكتاب فهو حصيلة المهمّة الصحفية التي قامت بها الصحافية الفرنسية إلى طرابلس، العاصمة الليبية، في شهر فبراير من عام 2011.
كانت الصحافية، كما تروي، من بين الصحافيين القلائل الذين قبلت السلطات الليبية في طرابلس آنذاك، السماح لهم بالقدوم إلى البلاد، بينما كان الصحافيون الآخرون يتوجهون غالباً إلى الشرق الليبي، بعد أن تمّ تحرير مدينة بنغازي.
وتسرد المؤلفة في البداية، تفاصيل وصولها إلى طرابلس، مع مجموعة من الصحافيين المعتمدين، حيث حددت السلطات إقامتهم في فندق «ريكسوس» ذي النجوم الخمس، في قلب العاصمة. لقد كانوا، كما تقول، تحت الرقابة الدائمة لعدسات تصوير ــ كاميرات ــ السلطات الرسمية الليبية. وكان خروجهم من الفندق خاضعاً بصورة صارمة للمخططات التي يقررها النظام. كان الرسميون الليبيون يبينون لها، ولزملائها الحقيقة من منظورهم، أي «حقيقتهم»، كما تقول الكاتبة.
كانت رحلة سريالية، كما تصفها المؤلفة. لكنها كانت مناسبة فريدة لرصد الكثير مما كان يجري في داخل ليبيا خلال تلك الفترة العصيبة. وتبدأ المؤلفة الحديث عن رحلتها ببعض الأسئلة من نوع: أين ذهب ضحايا القمع؟ ولماذا اختفى الجرحى من المستشفيات؟ ولماذا كانت قبور «ضحايا» قصف الحلف الأطلسي فارغة في المقابر؟ وهل كان الصحافيون بصدد أن يصبحوا دروعاً بشرية؟ م
ن كان يتصوّر أن ذلك الحصار الليبي سيستمر أسابيع طويلة؟إن دلفين مينوي تصف في كتابها دقائق ما سمته بـ«السيرك الليبي الكبير»، قبل سقوط العاصمة طرابلس بيد الثوار. وتشير الى أنها كانت مخفورة في أغلب الوقت من قبل عائشة القذافي أو الناطق باسم الحكومة الليبية آنذاك، موسى إبراهيم:
«صوت معلمه»، كما تصفه. لكنها استطاعت، كما تقول، أن تخرج قليلاً وحدها بعيداً عن أية رقابة من فندق ريكسوس. كذلك أجرت الصحافية عدة مقابلات شملت العقيد القذافي نفسه، وابنه سيف الإسلام والعديد من الليبيات والليبيين العاديين الذين تحدثوا لها عن حقيقة ما كانوا يعانون منه.
وتقول دلفين مينوي إن إقامتها لفترة من الزمن ستة أسابيع - في طرابلس، خلال الفترة التي سبقت سقوط القذافي، كانت مناسبة لها كي تكون شاهدة على الحقيقة الدامية التي كانت تخفيها السلطات الليبية، عبر ترديد: «كل شيء على ما يرام». وكانت المؤلفة قد وصلت إلى طرابلس قبل أيام معدودة، من بداية الانتفاضة الشعبية التي فاجأت القذافي، كما تقول.
وتضيف: «لقد كان وفيّاً لطريقته في التعامل، حيث بدأ أولاً بالقتل خلف الأبواب الموصدة». ومما ترويه دلفين مينوي، أنها عاشت الكثير من اللحظات الصعبة والدقيقة، والتي عرفت مثلها وهي تعبر «الشارع بين فندق كورنتينا ووسط المدينة»، بعد أن نجحت في إقناع أحد مرافقيها أن يتركها تذهب وحدها. وكانت مغامرة اللقاء بالليبيين العاديين والحديث إليهم ستكلّفها غالياً، وربما تكلّفها حياتها.
وعن المقابلة التي أجرتها المؤلفة مع القذافي، يوم 16 مارس 2011، حيث كانت أحد آخر الصحفيين الغربيين الذين قابلوه، تقول إنه كان من الصعب عليها أن تتوقع له مثل تلك النهاية، خاصة أنه كان قد أعد لنفسه عدداً كبيراً من المخابئ، وأحبط العديد من محاولات اغتياله. بكل الحالات ترى أنه رحل و«رحلت معه كمية كبيرة من الأسرار».
وتروي أنها قابلته في خيمته بباب العزيزية. وتؤكد أنه لم يخترها مصادفة، فهو «كان داهية ومراوغاً أكثر مما هو مجنون». وتؤكد أنه لم يخلع أبداً نظاراته الشمسية.
ولكنه كان واعياً تماماً بكل ما يجري حوله. وتشير الى أنها عندما تطرقت معه لمسألة المتظاهرين، لاحظت للمرة الأولى، ما تسميه «هشاشة شخصيته خلف واجهة الإثارة الموجهة للغربيين». وأصرّ القذافي على عناده، إذ كانت جميع سبل التقهقر إلى الوراء مسدودة أمامه، كما تشرح المؤلفة. واستمر في تكرار القول، مثلما فعل ابنه سيف الإسلام «أن الأمر يتعلق بمؤامرة غربية إمبريالية».
في المحصلة هذا كتاب بصيغة تحقيق طويل عن «المهمة الصحافية» التي قامت بها المؤلفة الصحافية دلفين مينوي في طرابلس ما بين 18 فبراير وحتى 9 ابريل 2011. في كل الحالات يتبادر لذهن القارئ أنه أمام «رواية في الجاسوسية» أو «شهادة عن الحرب».
الكتاب: طرابلسوود
تأليف: دلفين مينوي
الناشر: غراسيه باريس 2011
الصفحات: 206 صفحات
القطع: المتوسط
Tripoliwood
Delphine MinouiGrasset - Paris- 2011
206 p.
