يمثل كتاب" بيبلوجرافيا نجيب محفوظ" لمؤلفه شوقي بدر، أضخم وأهم وأحدث عمل بيبلوجرافي عن الراحل نجيب محفوظ، خلال السنوات الماضية، خصوصاً مع حرص الكاتب تضمينها كل ما يستجد من قضايا وأفكار، حتى 2011م.

 ويرص الكتاب ما حظي به محفوظ، ككاتب، بعدد كبير وهائل من الدراسات النقدية، والبحوث الأكاديمية، والمقالات، والاهتمام الإعلامي، فتربع على قمة الهرم الأدبي الإعلامي، حتى خارج العالم العربي. وتضمن الكتاب، إبداعات محفوظ ، والتي تمثل في الوقت نفسه، ثمرة التفاعل مع هذا العالم الأصيل في كل نتاجاته، وهذه الرؤى المتقاطعة والمتداخلة ما بين السرد الروائي والقصصي والمقالات، وما بين لغة الفن السابع وما تحتويه من عناصر لها خصوصيتها الفنية.

فقد أعدت هذه البانوراما البيبلوجرافية الضخمة (1140صفحة)، لتجسد الرحلة الطويلة من الإبداع، إذ ولد محفوظ في 11ديسمبر1911م، وكان رحيله في الـ 30 من شهر أغسطس عام 2006م، عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عاماً، عاشها نجيب محفوظ، أديباً وكاتباً وروائياً وقاصاً وسينمائياً. ويوضح المؤلف أن الضبط البيبلوجرافي في كتابه، بدأ بالإبداع في مجال الرواية، ثم القصة القصيرة، ثم السينما، ثم المقالة.

وقد روعي في إعدادها استخدام العديد من التقسيمات البيبلوجرافية. ويخصص بدر موضوعة دراسته في الكتاب:(البيبلوجرافيا التحليلية)، لرصد إبداعات محفوظ في مجال الرواية، والقصة القصيرة، بحيث شملت كل الكتابات التي تضمنت الرؤى، والأفكار الخاصة.

والتي طالت عناصر اللغة، والبناء الفني، والمكان، والزمان، والاتجاهات الروائية الحديثة، والتيارات الإحداثية، والشخصيات الرئيسية والثانوية، ودلالات الواقع، ومضامين رواياته، والتيارات التي تندرج تحتها هذه المضامين.

وأما في نسق (البيبلوجرافيا النقدية)، فيجمع المؤلف ما صدر من تقييم لإبداعاته، في مجالي الرواية والقصة القصيرة، على وجه الخصوص، من خلال المقالات والدراسات التي أعدت عنها، سواء في فصول من الكتب، أو على صفحات الدوريات المتخصصة، والجامعة.

ويراعي المؤلف في (البيبلوجرافيا النسقية أو المنهجية)، ضمن الكتاب، أسساً مهمة عند إعداد الحوارات التي تمت مع محفوظ. فقد تم تقسيم هذه الحوارات، إلى ما جرى منها قبل حصوله على جائزة نوبل، وتلك التي تمت معه بعد حصوله على جائزة نوبل، التي انتقل فيها إلى آفاق جديدة لم يكن يعرفها الأدب العربي قبلا. وقد وضح أن طبيعة الحوار فيهما، تبرز الوجه الحقيقي لحالة أدب نجيب محفوظ، بل والأدب العربي الحديث بأكمله، من خلال الأسئلة والإجابات التي تمت عليها.

حيث أصبح هذا الأدب محل أنظار العالم كله. وكذلك أفرد فصل خاص للحديث عن الكتب النقدية التي صدرت عن محفوظ وعالمه، بداية بكتاب "اللامنتمى" لغالي شكري، ووصولاً الى كتاب جورج طرابيشي عن عوالم ابداع نجيب محفوظ.

راعى بدر في هذه البيبلوجرافيا أن لا تكون محتوياتها صماء، بشكل تشتمل معه على جرد لإبداعات محفوظ فحسب، بل ان تكون صورة صادقة لعالم محفوظ الملحمي، فتضمن: نماذج من مقاطع من رواياته أو بعض القصص القصيرة التي تعبر عن المجموعة المرصودة. وهو أمر يختلف عما سبق.

وكان البدء بالإبداع الروائي، وهو الأول في الأهمية، حيث شكلت كل رواية وحدة مستقلة بذاتها، من خلال التحديدات (العنوان وجهة الإصدار ومكان النشر وسنة النشر وما إذا كان سبق نشرها مسلسلة فى إحدى الدوريات)، ثم اقتطاع أي جزء مهم من النص. وغير ذلك.

وتقيد المؤلف في محتويات بحثه بمراعاة التسلسل التاريخي في هذا الضبط البيبلوجرافي، عارضاً كيف انه أصدر نجيب محفوظ أولى رواياته: "عبث الأقدار" عام 1939م، ثم رواية "رادوبيس" 1943م، و"كفاح طيبة" 1944م. ويشير بدر الى ان الغريب أن هذه الروايات الثلاث التي تمثل المرحلة التاريخية.

والتي استمدت من التاريخ الفرعوني، صدرت جميعها أثناء الحرب العالمية الثانية.. وهو أمر يحتاج إلى وقفة تأملية. وينتقل المؤلف بنا، الى مفصل وجانب اخر في هذا السياق، موضحاً كيف انه بدأت المرحلة الاجتماعية عند محفوظ، بصدور "خان الخليلي"- 1945م، ومن ثم "القاهرة الجديدة" 1946م، وبعدها :

"زقاق المدق" 1947م، "السراب" 1948م، الى ان توقف "محفوظ" بعد ذلك حوالي ثماني سنوات، وعاد مع اصدار الجزء الأول من الثلاثية " بين القصرين" 1956م، ثم"السكرية" و"قصر الشوق" معا- 1957م.. ومن ثم تتابعت رحلة محفوظ مع الإبداع الروائي حتى بلغ 34 رواية، بخلاف كتاب "أمام العرش" وكتاب "أصداء السيرة الذاتية" الذي يمثل عملاً شبه سيرة.

وقد طبعت جميع الأعمال في القاهرة، عدا رواية "أولاد حارتنا"، إذ صدرت في بيروت عام 1967م . وكانت قد نشرت مسلسلة في جريدة الأهرام (21 سبتمبر 1959م، حتى 25 ديسمبر). كما نشرت في جريدة الأهالي في 26 أكتوبر 1994م. وكما في الأعمال الروائية، تابع بدر مع مجموعات "القصة القصيرة".

والنقد الذي كتب عنه، وكذلك المقالات والدراسات الأكاديمية، فعالم محفوظ الثري، جعل من الكتاب أضخم بيبلوجرافيا عن محفوظ، تقع في جزأين. وهكذا أضاف الناقد شوقي بدر بحثاً جديداً موثقاً عن نجيب محفوظ، حرص فيه على تجاوز ما جاء قبله من كتابات تبدو متضاربة أحياناً، وليؤكد أن قامة عملاقاً أدبياً، مثل نجيب محفوظ، قابلة لكل جديد.. وأنه لا يزال البحث جارياً!

 

 

 

 

الكتاب: بيبلوغرافيا نجيب محفوظ

تأليف: شوقي بدر

الناشر: مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة القاهرة 2012

الصفحات: 1145صفحة

القطع: المتوسط