يعرض كتاب «طه حسين ومعاركه الأدبية» .. الشاعر المنسي والوزير المستجدي"، لمؤلفه الأديب الراحل الدكتور طه حسين، لحياة وابداع الشاعر الراحل اسماعيل صبري.
ويشير الكتاب إلى انه لابد من تعريف القارئ في البداية بالشاعر المنسي صبري. ويبين ان الشاعر الذي وصفه بالمنسي امتدت أعماله على مدى قرنين من الزمان، سبقا القرن الـ20. وكان بدأ يقرض الشعر وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر.
وكان ذلك قبل قرنين.. فقد كان مولده في القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1854.. وكانت وفاته قبل اكتمال الربع الأول من القرن العشرين، وتحديداً في عام 1923. ويشير الدكتور طه حسين في الكتاب الى ان صبري كان شيخاً للشعراء، كما كان يلقبه معاصروه، وذلك لأنه كان مثالاً يحتذى، وعلماً يهتدى، كما وصفه طه حسين. إذ برز كشاعر مرموق ملء السمع والبصر في زمانه. ولكن طه حسين يتساءل هنا: لماذا أصبح بعد ذلك منسياً؟
ويشير المؤلف هنا الى حادثة مهمة، إذ أرادت الدولة المصرية في إحدى المرات، أن تكرم أعلامها من الأدباء والشعراء على طوابع بريدها. فكان لابد من اصدار طابعين يحملان صورتي أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. ولكن نسيت تكريم الشاعر صبري وكذا محمود سامى البارودي، واللذين يعدان، برأي طه حسين، أستاذي شوقي وإبراهيم.
ويؤكد عميد الأدب العربي، ان إسماعيل صبري، طالما مثّل، مرجعاً لحافظ وشوقي، وهما استمرا في استشارته وأخذ رأيه في شعرهما قبل نشره. ويبين طه حسين، انه، ومن منطلق تجاهل مختلف الجهات لصبري، تعرض إلى ظلم كبير، خاصة من الدولة.
كما سبق أن تعرض إلى ظلم الذين يؤرخون للأدب. وإن كان هذا الشاعر، حسب تقدير طه حسين، مسؤولاً بعض الشيء عن إهمال الناس له، وغفلتهم عنه وتقصيرهم بحقه، إذ لم يهتم، بحديث الناس عنه، ولا يحفل باقبالهم عليه أو نفورهم منه.
ولم يكن يقول شعره ليشيد به الناس، وانما استجابة لطبعه، وإرضاء لنفسه قبل كل شيء. وأيضاً لم يكن يثبت الشعر إذا قاله، ولم يحاول أن يجمعه في ديوان، ولم يحاول أن يجمعه لنفسه، وإنما كان يقول الشعر ثم ينساه، أو يسلمه إلى الضياع، ويقيده على الأوراق الطائرة دون أن يجمعها أو يرتبها ويحفظها في مكان بعينه.
ويتتبع طه حسين في رصد حياة وابداع الراحل صبري، كافة المحطات والمراحل، ومن ثم يعرفنا انه توفي في 21 مارس عام 1923، دون أن يكون قد حفظ لنفسه وللدارسين في تاريخ الأدب، ما أنجزه على امتداد سنوات عمره، من شعر لقي حفاوة الناس في عصره.
وظل الأمر هكذا طيلة خمسة عشر عاماً، وبقيت صفحته في سجل الشعر والشعراء، خالية، الى أن صدر ديوانه في عام 1938، بعد أن أخذت أسرته على عاتقها القيام بالأمر، فبذلت جهداً كبيراً وتكلفت عناء كثيراً في جمع ما بقي من شعره، ملتقطة كافة القصائد التي قالها، من عدة جهات ومطارح. كما جرى تتبع الذين كان إسماعيل صبري يلقاهم وينشدهم شعره أو يكتب إليهم به.. ولو لم تفعل الأسرة ذلك لضاع شعره كله مع ما يضيع من نفائس الشعر، على مر الأيام وتعاقب الأعوام !
وأما عن المقصود من الوزير المستجدي في الكتاب، فهو، كما يوضح طه حسين، وزير خارجية فرنسا، انذاك، كريستيان بينو. ويبين طه حسين سبب تسميته : المستجدي، كون الأمر قد تغير في فرنسا، وصارت تستجدي أصوات الدول، طلباً لمؤازرتها ضد الحق والمنطق، وضد حقوق الإنسان وكرامته، وضد حق الشعوب في نيل حريتها والحصول على استقلالها..
وهكذا خرج وزير خارجيتها يطوف بدول أميركا الجنوبية، طلباً لأصواتها في الأمم المتحدة، عندما تعرض قضية الجزائر عليها، يريدها أن تبقي على استعمارها للجزائر، وأن تساندها هذه الدول فيما هي ممعنة فيه من إهدار لحق شعب في أن يحيا كباقي الشعوب، دون أن تتسلط عليه قوة أخرى تستعمره وتستذله، وتسرق خيراته، وتدعي أنه جزء من من وطنها.
. فهكذا كانت فرنسا تدعي أن الجزائر جزء منها. وكانت تريد أن تقسمها بين مواطنيها الفرنسيين الذين استوطنوا ذلك البلد العربي الشقيق، وبين أصحاب البلد الحقيقيين، وأن يحكم كل منهم نفسه.. وتكون هي حكماً بين الجميع، ذلك في أرض ليست أرضها، ولكنها تدعي أنها امتداد فرنسا. وهكذا طاف وزير الخارجية "المستجدي"، واخذ يستجدي المساندة فيما لا طائل من ورائه، إلا المعاندة والمكابرة، لأن حكم التاريخ لا يلبث إلا أن يأخذ مجراه.
الكتاب: طه حسين ومعاركه الأدبية
تأليف: صلاح عطية
الناشر: دار الجمهورية للطباعة والصحافة والنشر القاهرة 2011
الصفحات: 178 صفحة
القطع: المتوسط
