البحر له سلطته، وإذا غضب يستخدمها ليواجه الإنسان بالتسونامي والعواصف والأمواج العاتية. وسلطة البحر، هي بالتحديد موضوع كتاب أحد أكبر خبراء علم البحار والمحيطات في العالم اليوم، الأستاذ الجامعي بروس باركر.

إن المؤلف يبحث في تعبيرات البحر الغاضبة، التي ليس أقلها التسونامي والعواصف والأمواج، وأيضا يدرس سبل ترقب الكوارث، كما يقول العنوان الفرعي للكتاب، ولكنه يبحث هذه الظواهر كلها، ليس من زاوية تفسيرها علميا او شرح آليات حدوثها الطبيعة، إنما يبحث بالتحديد في الأثر العنيف للبحر على المجتمع الإنساني، مثلما جاء في المقدمة التي تحمل عنوان: "عندما ينقلب البحر ضدنا".

ومن المحاور الأساسية التي يتعرّض المؤلف لها، بحثه في النضال الطويل الذي عرفه البشر، من أجل فهم ظواهر غضب البحر. وهذا تحت عنوان عريض، هو "كيفية النجاة من غضب البحر، بواسطة استقراء مسبق لحدوث مظاهره.

يبدأ المؤلف بشرح ما يسميه "قوى المد البحري"، والدور الذي تلعبه في أحداث التاريخ الكبرى. هكذا يتعرّض للعديد من الظواهر-الأحداث المعروفة في التاريخ القريب، والتي ليس أقلّها الزوابع البحرية التي ضربت الشواطئ الأميركية، أخيرا، مثل إعصار كاترينا الشهير، ووصولا إلى كارثة الزلزال الأرضي في المحيط الهندي في العام 2004، وما تلاها من موجات التسونامي، والذي بلغ عدد ضحاياه أكثر من 000 200 ضحية.

وبالتوازي مع توصيف الكوارث التي كان البحر مصدرها، في العديد من مناطق العالم، خلال العقود الأخيرة المنصرمة، يقدّم المؤلف توصيفا دقيقا لواقع "التقدّم البطيء" الذي تعرفه مسيرة المعارف العلمية الخاصة، بتوقع قدوم الكوارث البحرية المهددة قبل حدوثها.

 يتم التأكيد بقوة في هذا الإطار، على أنه بمقدار ما يكون التعرّف المسبق على حدوثها مبكرا، يكون من الممكن درء أخطارها أكثر، والاستعداد لمواجهتها. وهذه القاعدة تنطبق أيضا، كما يرى المؤلف، على جميع الأخطار التي تهدد الإنسان أو تهدد المجتمعات الإنسانية.

ومن القواعد الأساسية التي يؤكد عليها المؤلف، هو أن الدفاع الرئيسي الذي يمكن للإنسانية أن تقوم فيه بمواجهة عنف البحر، "الخروج من طريقه"، أي بنوع من استراتيجية الهرب. وليس فعل المقاومة. ولكن هذا الخروج الناجح يتطلّب بالضرورة، تجنّب عنصر المفاجأة، والقدرة على الترقب، والإعلام المسبق. وهذا الترقب يشكّل النقطة المركزية في إمكانية تجنّب الكوارث البحرية، كما تؤكّد تحليلات الكتاب.

في هذا الإطار أيضا يعود بروس باركر الى لاعتماد على دروس التاريخ، ليشير إلى التقدم الكبير الذي تم تحقيقه على صعيد ترقب الكوارث البحرية منذ القديم. الأمثلة التاريخية المقدّمة عديدة، حيث نجا الاسكندر الأكبر ونابليون بونابرت، في اللحظة الأخيرة، من مد البحر الذي هددهما، إذ لعبت المعارف بمنظومات البحر وحركاته، دورا في خروجهما من طريقه. وكان نابليون على وشك الهلاك بسبب إعصار بحري هائل، على شواطئ البحر الأحمر.

يتم الحديث في هذا الإطار عن أطروحات نيوتن حول الجاذبية الأرضية، وعلاقتها بعالم البحار والمحيطات. وصولاً إلى الحديث عن تطبيقات المعارف الخاصة بظواهر المد البحري، في معارك الحرب العالمية الثانية.

ويشرح بروس باركر، الكيفية التي استفاد فيها الحلفاء من أجل القيام بعملية الإنزال البحري الأميركي البريطاني- الكندي الكبير، على شواطئ النورماندي الفرنسية، الأمر الذي كان بمثابة خطوة حاسمة، في هزيمة القوات النازية وتحرير فرنسا.

الخط الناظم في تحليلات الكتاب، هو محاولة مؤلفه، المزج بين توصيف الكوارث البحرية التي شهدتها الإنسانية في تاريخها الحديث، والجهود التي قدّمها البشر، وخاصة من ذوي العلم والمعرفة في منظومات "البحار والمحيطات"، من أجل فهم أسباب تلك الكوارث، ثم كيفية تجنّب نتائجها المأساوية على الذين يكونون في خطوط مواجهتها. ويفتح المؤلف قوسين في هذا السياق، للحديث عن ظاهرة التغيّر المناخي المطروحة للنقاش حاليا.

إن الكتاب يغيّر نظرتنا إلى البحر، بعد أن يشرح لنا المؤلف بوضوح كيف ولماذا سيبقى للبحر تأثيره على حياة البشر. ثم إن سلطته تتعاظم اليوم، عبر تغيّر شروط المناخ وزيادة سخونة الأرض... و"حلما أيها البحر".

 

 

الكتاب: سلطة البحر

تأليف: بروس باركر

الناشر: بلغراف مكميلان- نيويورك- 2011

الصفحات: 304 صفحات

القطع: المتوسط

 

The power of the sea

Bruce Parker

Pelgrave MacMillan- New York- 2011

304 .p