يوضح كتاب "البعث السوري"، لمؤلفه الباحث والكاتب اللبناني حازم صاغية، أن بداية "البعث" في سوريا، كانت مقدِّماتها قد ظهرت في (الإحياء العربي) ذاك العنوان الذي يستعيد عصر النهضة وعناوينه، والذي في ظلِّه، اطلق ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ومدحت البيطار، دعوتهم أوَّلا، قبل أن ينشطوا تبشيرياً.

لكنَّه وفي أجواء مشابهة كان هناك أستاذٌ آخر قد درس أيضاً في باريس، يدعى زكي الأرسوزي، يبشِّر بـ"البعث العربي"، والأخير وهو علوي المذهب، لم يكن دمشقياً، بل جاء لاجئاً من أنطاكية في لواء الاسكندرون بعد استيلاء الأتراك عليه في 1938 بموجب اتفاق بينهم وبين الفرنسيين. والثلاثة ربطتهم صلة متفاوتة بتجربة سابقة هي "عصبة العمل القومي" التي أسَّسها في 1933 اللبناني علي ناصر الدين، ومعه بعض شبان سوريين وعراقيين ولبنانيين.

ويشير المؤلف الى ان ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي لم يعرفوا الود المتبادل فيما بينهم. والطباع الشخصية الحادة للأرسوزي كانت على ما يبدو هي ما نفَّر الرفاق الصغار منه، ما دفعهم للارتماء في أحضان الأستاذين الآخرين.

وكان ممَّن ورثهم شبَّان لعبوا لاحقاً أدواراً مهمة في تاريخ البعث، منهم: سامي الجندي، وهيب الغانم، جلال السيد، منصور الأطرش، جمال الأتاسي.

ويتطرق صاغية إلى تحول مهم، فآنذاك وفي مواجهة الديكتاتورية العسكرية، طرأ الامر الأهم حتى 1936، في تاريخ البعث السوري، وهو الاندماج مع حزب جماهيري وفلاحي الطابع أسَّسه السياسي الحموي أكرم الحوراني، وأطلق عليه اسم"الحزب العربي الاشتراكي".

وعن الاندماج هذا نشأ "حزب البعث العربي الاشتراكي". لكن الحوراني الذي انضمَّ في شبابه إلى السوريين القوميين، حزب أنطون سعادة، اختلف اختلافاً بيِّناً عن عفلق والبيطار، لاسيما عن الأوَّل.

ويتابع المؤلف حازم صاغية روايته لتاريخ حزب البعث السوري، ويذكّرِنا أنَّه وفي شباط 1945 عندما أطيح بأديب الشيشكلي بانقلاب عسكري، فإنَّ الضباط البعثيين قد لعبوا فيه دوراً مهماً ومحورياً، لاسيما الحمويين الأقرب إلى الحوراني.

وحين توجَّه وفدٌ من كبار الضباط السوريين إلى القاهرة، لمطالبة جمال عبدالناصر بالوحدة الاندماجية والفورية، رفع الرئيس المصري في وجوههم شرطين اثنين كان كل منهما يمسُّ حزب البعث ويطال مصيره على نحو مباشر: ألاَّ يتدخَّل الجيش السوري بتاتاً في الحياة السياسية لدولة الوحدة وأن يتعهَّد ضباطه ذلك تالياً، وأن تُحل الأحزاب السياسية السورية جميعها.

غير أنَّ هذه الوحدة التي أُعلنت رسمياً في 22 شباط 1958، لم تعمِّر طويلاً. ففي 28 أيلول 1961 انقضَّ عليها كبار الضباط الدمشقيين، فتمَّ الانفصال الذي بدوره لم يطل، إذ قامت مجموعة من الضباط وبمشاركة ضباط بعثيين في انقلاب عسكري آخر، فولد معهم في 8 آذار 1963 عهدٌ سيكون أحد أطول العهود السلطوية في التاريخ العربي الحديث، كما سيكون واحداً من أقساها، كما يرى حازم صاغية.

تكليف صلاح الدين البيطار بتشكيل حكومة أغلبها من البعثيين، ومن الذين ضمتهم أمين الحافظ الذي تولى وزارة الداخلية، ثمَّ تبوَّأ بعد أشهرٍ أرفع المناصب في دولة البعث الوليدة الذي صبغ وجه سوريا الجديدة بالدم، ساعده في ذلك الإنجاز الأكبر والأطول عمراً لثورة 8 آذار حالة الطوارئ والحكم العرفي، وتمَّ التخلص من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، وإبعاد محمد عمران إلى اسبانيا سفير.

وجيءَ بمنيف الرزاز من الأردن ليتولى الأمانة العامة للحزب، ثمَّ وفي 23 شباط 1966 استولى ضباط اللجنة العسكرية على السلطة بعد هجوم شنُّوه على منزل أمين الحافظ وتمَّ تسمية حافظ الأسد وزيراً للدفاع، على أن يتولى صلاح جديد الإمساك بالمنظمات الحزبية وقيادتها، وجيء بالأطباء نورالدين الأتاسي ويوسف زعين وإبراهيم باخوس. وتمَّ تسليمهم على التوالي: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية. ولكن هذا النظام البعثي الذي تميَّز وقوي ما بين 1966و1970، شهد بروز وانقلاب حافظ الأسد فيه على رفاقه.

 

 

 

الكتاب: البعث السوري - تاريخ موجز

الكاتب: حازم صاغية

الناشر: دار الساقي ــ بيروت لبنان 2012

الصفحات: 176

القطع: المتوسط