قبل ربع قرن من الزمن، صدرت الرواية المصورة بالرسوم المتحركة، التي تحمل عنوان "ماوس" لمؤلفها الفنان ارت سبيغلمان. واستحضر عبر ذلك العمل صفحات من التاريخ الحديث، وبالتحديد فترة الحرب العالمية الثانية عندما قدّم الألمان، النازيين، بصورة هررة تطارد الفئران، أي اليهود.
واليوم بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لصدور ذلك العمل، يعود المؤلف الى الحديث عنه في لقاءات استمرّت طيلة أربع سنوات، أجرتها معه هيلاري شوت، الأستاذة في جامعة شيكاغو. وقد صدرت هذه اللقاءات في كتاب من 300 صفحة.
ويقول آرت سبيغلمان في تصدير هذا الكتاب: "كان من الصعب جدا بالنسبة لي، أن أعود للتنقيب من جديد في الكتاب الذي صنع شهرتي، ولكنه لم يتوقف أبداً منذ صدوره، عن أن يكون حاضرا معي باستمرار. إنه من الصعب علي العودة إلى الحديث عن أشباح أسرتي ورائحة تاريخ الماضي". والتاريخ الذي يقصده المؤلف، هو قبل كل شيء، قصة والده الذي أمضى سنوات طويلة في معسكرات الاعتقال النازية.
ويشير المؤلف الى أن أحاديته الطويلة مع والده عن الحياة في معسكرات الاعتقال والعذابات اليومية التي يعيشها نزلاؤها. كذلك يتحدث عن طفولته الصعبة والقاسية مع ذلك الأب القاسي الذي كان لا يملك الكثير من الحنان ومن المشاعر. ويتجرأ المؤلف على القول إنه يمكن للمرء أن يتجاوز تجربة العيش في معسكرات الاعتقال، ولكنه يمكن أن يكون بالوقت نفسه، خسيسا وعنصريا.
ويذكر المؤلف أنه عند انتحار والدته أنجا، في عام 1968، عاش قطيعة كاملة مع والده، استمرت حتى العام 1972. وكان قد عاد إليه للاستماع إلى شهادته عن فترة معسكر الاعتقال. وكذلك يشير المؤلف إلى تلك الفترة التي أمضاها في سان فرانسيسكو، طيلة أربع سنوات، بعد ذلك، حيث نشر عددا من الرسوم المتحركة "القصيرة"، حول المسائل المتعلقة بالتمييز العنصري في الولايات المتحدة الأميركية، خلال تلك الفترة.
وكانت الحيوانات هي التي تتحدث باسم البشر في تلك الرسوم. ويعيد اهتمامه بمسائل الحقوق المدنية إلى ذهنه "الفوضوي"، ومفاهيمه عن احترام الكائن الإنساني، بمعزل عن تعييناته، من لون ومعتقد.
وأما اختياره للفأر "ماوس" فيفسره، كما ردد آلاف المرات، بالقول ان الفئران تمثل نزع الصفة الإنسانية.
والمفارقة تأتي، برأي المؤلف، من حيث التعاطف مع الهر، في ملاحقته للفئران. إذ إنه تعاطف عفوي. وبكل الحالات يرى المؤلف أنه على القارئ أن يعيد تفسير الإشارات المتضمّنة في القصص التي تقدمها الرسوم.
ويروي آرت سبيغلمان، العديد من الحكايات الصغيرة التي رافقت صدور عمله "ماوس"، أو ترتبت عليه.
تتمثل إحدى النقاط الأساسية التي يركز عليها آرت سبيغلمان، في هذا الكتاب، في محاولته الكشف عن الفترة الجنينية والمسار الإبداعي الذي سبق ورافق صدور عمله الشهير "ماوس". وهو يجد جذور مسيرته نحو إبداع شخوص حيوانية من فئران وكلاب وخنازير وغيرها، في عدة مصادر. والمصدر الأول يحدده في "الفترة الفوضوية" لشبابه.
حيث كان نزيلاً في أحد المستشفيات الاميركية المتخصصة بالعلاج من الامراض النفسية، خلال سنوات الستينيات من القرن الماضي. والمصدر الآخر علاقاته المعقّدة مع والده. وهناك أيضاً اكتشافه لوقائع الحياة في معسكرات الاعتقال النازية، من خلال تجربة والديه.
ويشير آرت سبيغلمان الى أن اختياره للخطوط السود، بعيدا عن الألوان، إنما كان بقصد أن يخلق مشاعر الاضطهاد المستمر. وهو يجد الكثير من مواضيع عمله في الجو المحيط به. وهكذا يعود مثلاً، إلى ذكرى من سنوات الطفولة، عندما كان زملاؤه يسألون والدته عن سرّ الرقم المكتوب على ذراعها. وكانت إجابتها الدائمة، كما ينقل عنها، هي أن الرقم يعني، رقم هاتف لا تريد أن تنساه.
الكتاب: ميتا ماوس
تأليف: آرت سبيغلمان
الناشر: فايكينغ - نيويورك- 2011
الصفحات: 300 صفحة
القطع: المتوسط
Metamus
Art Spiegelman
Viking - New York
- 2011
300 .p
