مقاربات في الأدب العربي القديم خطاب الجنس

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر مؤلف الكتاب، هيثم سرحان، أن بدايات الخطاب الجنسي العربي تشكلت لتطويق الأنشطة الجنسية الجديدة التي ظهرت وشاعت بشكل لافت في أواخر القرن الثاني للهجرة، حيث اتخذ الخطاب، في تلك المرحلة، صفة الوصف والرصد، دون أن يثبت ويسجل مفاهيم نقدية تُذكر، باستثناء ما قدمه الجاحظ من رؤى وأفكار نقدية مهمة في سائر أعماله، وخاصة في رسالتيه الموسومتين بـ«مفاخرة الجواري والغلمان»، و«القيان»، لكن رغم ريادة الجاحظ في حقل الجنسانية، إلا أنه حجب جزءاً كبيراً من الأرشيف الجنسي، ولم يحول مدخراته في هذا الحقل إلى خطاب كاشف ذي دلالة. وعلى المستوى المنهجي، يجري التمييز ما بين مفهوم الجنس ومفهوم الجنسانية ومفهوم الخطاب الجنسي، حيث يحيل الجنس على العملية الحيوية التي تؤلف جزءاً من رتابة الكائنات الحية العضوية، وهي عند الإنسان الممارسة الحيوية، والسلوك البيولوجي اللذان يضمنان له تحقيق رغباته في المتعة واللذة والتوالد. في حين أن الجنسانية تشتمل على مجمل التقنيات والآليات التي تدارُ بها الحياة الجنسية بمعناها الواسع والشامل؛ وتضم الجنسانية الخصائص البيولوجية في الذكر والأنثى، والخصائص الاجتماعية المميزة بين الرجل والمرأة، والهوية الجنسية، والهوية النوعية، والتوجه الجنسي، والإيروسيّة، والإنجاب. وأما الخطاب الجنسي فيجسد الموقف من تعامله مع الجنسانية التي تتحدد طبيعتها وفقاً لعوامل ومكونات متعددة؛ ذلك أن ارتباط الخطاب الجنسي بثلاثة مفعولات مترابطة، هي: السلطة، المعرفة، والجنس، يجعله عُرضة البحث المتواصل والكشف المستمر اللامتناهي؛ فالسلطة تمارس ضرباً من السيطرة والتحكم في تداول الجنس في المجتمع والثقافة، وتوفر له سبلاً من البوح والاعتراف أو المنع والمصادرة والقمع، في حين أن أخبار الجنس وممارسته ترتبط بأنماط الإنتاج وعلاقاته وقواه المتعددة. كما أن منح تاريخ الجنس رعايةً واهتماماً أو إقصاءً وإهمالاً يكشف عن هيمنة السلطة على مفاعيل السيطرة والتحكم.

ويرى المؤلف أن الحضارة التي تمنح أفرادها القدرة على الكلام عن تجاربها الجنسية تتمتع بفعالية معرفية عميقة؛ نظراً لأن خطاب الجنس يسهم في كشف الحقيقة، علاوة على أنه، ومن خلال تفاعله مع الخطابات الأخرى، يقدم رؤى وتصورات شاملة عن حركة المجتمعات وفاعليتها ومواقفها من الإنسان والدين، والسلطة، والمعرفة، وعن الآليات التي تتحكم في صياغة النظم الفكرية المعرفية، والبرامج التي تعمل على إخضاع إرادة الأفراد وسلوكهم وممارساتهم لمنظومات قيميّة متعالية. وفي الجهة المقابلة فإن الحديث عن مصادرة خطاب الجنس ومنعه يكف عن آليات عمل السلطة وأنظمة فعلها في الحقوق والخطابات كلها. وقد تمكنت الثقافة العربية من إنتاج منظومتي قواعد في إدارة الجنس، هما: منظومة الزواج، منظومة الرغبات التي تتجاوز مؤسسة الزواج. ولكنها لم تفصل بينهما؛ حيث مُنح مجتمع الذكور الحق في المزاوجة بين النظامين. وتندرج المسألة الجنسية في الإسلام في ثنائية دينية وكونية؛ حيث يبارك الإسلام الجنس في إطار النكاح لتحقيق الأمن الاجتماعي وأنتجت المؤسسة الفقهية خطاباً أكثر تشدداً من النصوص القرآنية، واعتمدت أحياناً على الأسطورة التوراتية حول تأثيم المرأة ووصفها بكونها أصل الشرور، أو متاعاً، أو إحدى ملكيات الرجل.

وساهمت السلطة السياسية في إحداث هذا التضاد والتعارض بينهما. وكان المتكلمون أكثر رحابةً في التعاطي مع المسألة الجنسانية، في حين أنّ الفقهاء اتسموا بالتشدد والتضييق. ويكشف ضمور مفاهيم الجنس وخطابات الجنسانية وتراجعها، في الثقافة العربية المعاصرة، عن اختلالات بنيوية حادة في البنيات العقلية على امتداد حقب تاريخية كاملة، إذ قامت سلطة الفقه والفقهاء بإقصاء المكون الجنسي من مجمل الفعاليات الإنسانية المعرفية والوجودية، وعملت على تقنينه وإقصائه وخنقه بالمحظورات، وسوء تأويل النصوص.

الكتاب: خطاب الجنس مقاربات في الأدب العربي القديم

تأليف: هيثم سرحان

الناشر: المركز الثقافي لعربي بيروت ‬2010

الصفحات: ‬254 صفحة

القطع: المتوسط

Email