عياش يحياوي شاعر وإعلامي جزائري أصدر عدة كتب: عاشق الأرض والسنبلة (شعر) انشطارات الذي عاش سهواً (شعر) سيرة المكان(دراسة) الماجدي بن ظاهر شاعر الماء والقلق (دراسة). كتاب «العلامة والتحولات» هو دراسات في مجتمع الإمارات وحركة الكتابة فيها، صدر بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لقيام الاتحاد، يكرم به رجالات الدولة، ويقدس تربتها الطاهرة.
في مقدمته للكتاب يستعرض الكاتب علاقته بالإمارات أرضاً وروحاً وعلاقة حياة جدلية اعتباراً من وصوله للإمارات والتعرف إلى كبار مؤلفيها وشعرائها وكتابها، وفي مقدمتهم الماجدي بن ظاهر، ويبدو أن اهتمامات يحياوي هي أرث أخذة من أبيه يحياوي الأب الذي ترك جامع الزيتونة في تونس لينخرط في الثورة الجزائرية وكذلك فعل عمه، وجده الحاج سليمان يحياوي الذي عشق وزار العتبات المقدسة والحرم المكي، وهو يعتبر هؤلاء هم القواسم التي ترتبط بدولة الإمارات، وفي مقدمته أيضاً نتعرف إلى جانب آخر من حياة الكاتب متنقلاً في غربته متعرفاً إلى المكان.
لم يقسم يحياوي كتابه إلى فصول أو أبواب، وإنما هي مقالات ترتبط ببعد ثقافي مكاني واحد. حيث يمكن قراءتها على الشكل التالي : المقيظ مقاربة سوسيولوجية، ويطرح في هذه المقالة بعض عادات أهل الخليج المرتبطة بالمناخ القاسي صيفاً حيث يهجر السكان المدن إلى سواحل البحر وإلى واحات النخيل أو ما يسمى المقيظ، وهو يربط بين العادات الاجتماعية القديمة والانفتاح المعاصر بعد قيام دولة الاتحاد، ويقدم لنا وظائف المقيظ الموسمية، والأنساق الاجتماعية، وانساق ثقافية.
ثم نقرأ صورة المرأة في كتاب الأغاني، حيث ينتقل يحياوي ما بين المرأة والكتابة، والطلاسم وأنوثة المرأة في ما يفعله السحر عبر همطوش وعلموش، وكيف توظف المرأة المقدسات وصولاً للعلاج بالزار، وليصل في نهاية المقال إلى سؤال هام جداً : هل تموت الخرافة أم تتحول «إن الخرافة ما تزال لعبة الرجل المفضلة، خرجت من كهوف الجن، وسكنت العمارات والفلل الفخمة، ولن يخفت صوت الخرافة في المجتمع العربي إلا إذا أعاد المجتمع نفسه، عن طريق مؤسساته المعنية- قراءة ذاته بعقل نقدي متجاوز لقناعاته الموروثة».
وينتقل يحياوي إلى ثقافة السحر والخرافة الشعبية وهو يعتبرها خطاباً معرفياً قديما في ثقافة الإنسان وكذلك في حياة الإنسان العربي فالعرب يملكون تراثاً كبيراً من الخرافة، وقد أثرت في نشأة المرأة العربية، وهو أيضاً يعطينا نماذج لهذه الخراريف في مضمونها وبنيتها وسردها الفني، وكما كون سؤاله في المقالة السابقة يتساءل يحياوي في نهاية هذه المقالة أيضاً فيقول «هل ترمي الخرافة في البحر» .
ومثلما يضع سؤاله يجيب عليه أيضاً «كان من غير الحصافة أن نرمي بالخرافة الموروثة شفاهياً في البحر، بدعوى أننا نعيش زمن الثقافة والتكنولوجيا، أن الهدف هنا هو تحويل أو إعادة صناعة وصياغة الموروث الخرافي لتوظيفه في المسار الإبداعي والوظيفي للمجتمع، وذلك أنه يمكن أن تنهار الروح وتذبل أوراقها وعلاقتها بالمكان وذاكرته في الوقت الذي تنتشر العافية والخير في الجسد».
يعود عياش يحياوي في مقال لاحق للحديث عن الموقف من فن السرد الشفاهي، وكذلك عن غياب الفكر التأويلي وكيف يمكن فصل المسرود عن السارد، وعن هوية العلاقة في هذا السرد مع المجتمع. ثم يتحدث الكاتب عن ظاهرة العنوسة ويحاول أن يحللها ثقافياً، ويبدأ من علاقتها اللغوية ثم في أدبيات العرب خاصة الشعر، والمتغيرات الاجتماعية ثم العمل على القضاء على العنوسة .
وهو يقول «ان العناسة وسيلة بحث مفاهيمي ذات موقف من حركة التاريخ والمجتمع والأفكار، لذلك فهي نتيجة إلى قراءة النص والظاهرة من حيث موقفها من الثبات والتطور ومن حيث الفاعلية الدرامية المؤسسة على القلق الناتج عن نزوح نحو التغيير الإيجابي المخالف مع الفكر المتشبث بحرية الإنسان في صناعة غده».
يفرد الكاتب مقالة كاملة لأغنيات الأم والأطفال، وهو باب تعرفه كل الشعوب العربية على السواء، وفي كل جزء من الوطن العربي له أغاني خاصة للمهد والطفولة وهو باب ممتع، تربينا جميعاً عليه من خلال أصوات الأمهات ذات جرس الحنية والأمومة.
ثم نقرأ له عن الإبل في حفريات الآثار في الإمارات وعلاقة الإبل بقوافل الحج، وشهادات من بعض مربي الإبل، ثم ينتقل إلى عنوان «البوش تفهم أوردو» بعد أن خيم الهنود على تربية الإبل بدلاً من بدو المنطقة «لقد حاصرت الحداثة التكنولوجية مراعي الإبل، وطردتها من مواقع كانت فضاءها العريق في البر.
لكن الإبل تنظر إلى ما يحدث من تغييرات في البيئة بصمت، لأنها تدرك أنها إذا استعجمت ذاكرتها واستعجمت بيئتها فإن الخاسر الأول هو الإنسان، أبن الأرض واللغة، ولأنها تدرك أن الصحراء العربية إذا استبدلت دلالة الإبل بحقول البترول وأعمدة الكهرباء، تفقد وجهها الحضاري العريق، وتتحول إلى ماكينة في الجهاز الأكبر للعولمة الاقتصادية».
في مقالة أخرى عن التراث وعلاقته بالفكر وهو يقدم هذه المقالة بعلاقتها بجملة من الثوابت التراثية المتعلقة بفكر الإنسان في الإمارات، ويعتبر الدكتورة موزة غباش نموذجاً متميزاً لطرح الفكر التراثي خاصة في دراساتها عن مجتمع الإمارات وكذلك الدكتورة هند عبد العزيز القاسمي وكتابها «الثابت والمتغير في ثقافة المرأة في الإمارات».
ولعل ما يميز هذه المقالات تنوعها، حيث يطرح لاحقاً مقالة تحليلية عن شعر راشد الخصر إضافة على نشرة لنص القصيدة كاملة. ثنائيات في الإبداع الأدبي والتشكيلي عنوان المقالة التالية وهو يربط من خلالها بما أنجز في تاريخ العرب الحضاري وصولاً إلى واقع الساحة الإبداعية في الإمارات من خلال طرحه لأعلام الإمارات من الأدباء وعلاقتهم بالمكان والبيئة.
وقد أختار من بين هذه الإعلام، محمد المر، وعلي أبو الريش، وعبد الرحيم سالم، وعبد العزيز جاسم، وكذلك أحمد راشد آل ثاني، وناصر الظاهري. في أزمة النص، يبحر عياش يحياوي في كتابة نقدية عن النصوص في الإمارات، وهو يعتبر ذلك مشروعية الكتابة في مشروعية النقد، طالما المطلوب هو المنافسة على مستوى التاريخ المحلي.
إنما على مستوى المنتج العربي، وهو يدعو أيضاً إلى تأسيس وعي كتابي جديد في حين يذهب بعيداً في العلاقة بين الماضي والحاضر فيما يطرح من نصوص لأي جنس من أجناس الأدب دون أن يهمل قصيدة النبط كواحدة من فنون النص المطروح في ساحة الإنتاج الأدبي.
ثم يواصل الإبحار في الكتابة عن النصوص، ونقرأ له انعطاف الدلالة في «مشهد في رئتي» يطوف بنا عبر عناوين فرعية فيما ينتج من نصوص. وينهي قراءته النصية بالقول «إن هذه القراءة تتجاوز سقف كونها اقتراحاً وهي قراءة تشير إلى النص ولا تدرسه، لأن ذلك من مهام الناقد المتفرغ وليس من مهام القراءة الثقافية الإعلامية، التي من بين مهامها التنبيه إلى الظواهر الثقافية الجديدة.
ويفرد يحياوي مقالة عن مصادر تاريخية وأدبية مفقودة، محاولا تتبع هوامش الأبحاث بحثاً عن تلك المصادر التي ما عادات والدعوة التي تحمل المسؤولية في البحث، ويطرح سؤالاً مهماً عن أسباب فقدان مثل هذه المصادر. ودون أن يبتعد عن الثقافة والأدب، وفي ربط بقضايا الوطن المصيرية بالشعر نجده يطرح مقالة عن «قضية الجزر محوراً شعرياً» وهو يبحر بنا متنقلاً بين مبدع وآخر، ليقدم لنا انعكاس هذا الهم الوطني والقومي وانعكاسه على المنتوج الأدبي شعراً ونثراً.
وإن كان الباحث يرى أن الإسهامات غير كافية، وأن الانعكاس لم يكن شاملاً، إنما يشير إلى تجربة مسرح رأس الخيمة الوطني في مسرحية «الرسالة وجزر الإسلام» الذي أشرف عليه علي أبو الريش، وكذلك ما أنتجه شعراً الشاعر عبدالله حسن الهدية، وعبدالعزيز جاسم، وجمعة الفيروز وعبدالله محمد السبب، وغيرهم، ناقلاً لنا مختارات من هذه القصائد.
ويختتم يحياوي كتابه بالمرأة في بنية اللغة والبيئة عند العرب، مبحراً بنا في البحث عن المرأة في المجتمع الخليجي التقليدي، ثم موقف المتصوفة من المرأة، وبعض ما كتبه طه حسين عن ضعف خيال العربي الجاهلي تجاه المرأة وكذلك المرأة والبيئة، وآدابها تجاه المجتمع الذكوري.
عبدالإله عبدالقادر
*الكتاب:العلامة والتحولات
دراسات في المجتمع والكتابة في الإمارات
*الناشر:خاص ـ دبي 2007
*الصفحات: 292 صفحة من القطع المتوسط
