تاريخ الظلم العربي

تاريخ الظلم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقدم هذا الكتاب صورة بالغة المأساوية لأوضاعنا في عالمنا العربي وهو ينطلق من فرضية أن الأمة خلال ستين عاما عاشت جحيم ظلم أذاقتها الأنظمة كل نكهة منه. فمن ظلم باسم الحرب على الإرهاب إلى ظلم باسم الحرب على المتشددين إلى ظلم باسم الدفاع عن الدين، وظلم باسم الوحدة وباسم التقدمية وباسم المحافظة وباسم الوطنية وباسم القومية وباسم الاشتراكية.

وحسب المؤلف فإن روح التخوين كانت هي سلاح الأنظمة فمن ينادي بالحرية وحكم القانون يتهم بالعمالة للاستعمار وذهب الاستعمار فصار يتهم بأنه عميل للإمبريالية ولم يعد لهذا الاتهام معنى فصار يتهم بأنه شيوعي وسقطت الشيوعية فصار يتهم بالإرهاب.

وضمن الصورة التي تكشف فداحة الشعور بالظلم وسوء الأوضاع في عالمنا العربي يشير المؤلف إلى أنه في وطننا العربي يقول المظلومون للنظام «كفاية» فيرد كمن نفخ إبليس الاستكبار في أنفه: مش كفاية.

ويقول الناس للنظام «كفانا من الأب ما كفانا» فيرد عليهم أيضا الأب والابن وابن الابن أيضا وبموافقة كل جنين في رحم كل أم أيضا.

ويشير المؤلف إلى أن الأنظمة العربية في ذلك إنما تستدفئ بنار التأييد الأميركية الخامدة ومباركة إداراتها ظلم العرب كل هذه السنين رغم علمها أن جدار الظلم الذي يشبهه المؤلف بجدار برلين مقبل على السقوط.

وعلى ذلك يدعو إلى نوع من الوحدة لإسقاط هذا الجدار، مشيرا إلى أنه لا توجد أمة في التاريخ اتحدت لإسقاط جدار الظلم إلا سقط وأنه قد جاء الآن الدور على جدار هذه الأمة. ويحذر في هذا الصدد من دعاوى إعطاء الأنظمة فرصة أخرى كي تصلح أحوال الأمة ، مؤكدا أن دعاة مثل هذه الفرصة لن يأخذوا منها سوى الريش والمكياج.

ويقول المؤلف: واعلموا أن خلايا السرطان لا تفكر إلا في بقائها الأزلي وإن استكانت لحظة فلا تحسبوها ماتت لأنها ستفيق فجأة وستكبر حتى تخنق الصدر الذي استعمرته. وعلى مدى ثلاثة أجزاء يتناول المؤلف تاريخ الظلم العربي

عادل سعيد البشتاوي مادته متناولا في الجزء الأول الصدمة العربية الكبرى وفي الجزء الثاني أنظمة الظلم العربية وفي الثالث المواجهة بين الغرب والإسلام.

في حديثه عن الصدمة العربية الكبرى يبدأ المؤلف من المرحلة العثمانية والتي يرى أننا ما زلنا نعيش ملامحها بشكل أو بآخر مشيرا إلى أنه لا يمكن لأمة أن تتحمل ما تحملته الأمة العربية على مدى خمسة قرون من ظلم من قبل سلاطين عثمان والذي استمر أربعة قرون ثم تركع أمام ظلم سلاطين بني عثمان العرب.

ويعرج المؤلف في إطار تناوله لهذا الجزء على الكثير من القضايا التي تمثل تحولات في تاريخنا العربي الحديث مثل الحرب العالمية الأولى والخداع الذي تعرض له العرب آنذاك إثر الوقوف إلى جانب الحلفاء والانقلاب على الأتراك وإقدام بريطانيا على منح اليهود وعد بلفور فيما بعد.. ويحرص المؤلف على الإشارة إلى أن هدفه هو استعراض مجموعة من الأحداث التاريخية التي تساعد على فهم خلفية نشوء الظلم في عهد الأنظمة الوطنية وأن التأريخ ليس من أهدافه الأساسية.

ومن الجوانب التي يؤكد حرصه على إبرازها للقارئ الإشارة إلى أن الدول المتقدمة لا تجد غضاضة أو خروجا على المألوف في التحالف مع عدو الأمس لمحاربة عدو اليوم كما حدث في القرن التاسع عشر عندما تحالفت فرنسا مع الإمبراطورية العثمانية لمقاومة أسبانيا المتحدة مع انجلترا.

وفي سياق تناوله في هذا الجزء يشير إلى أن أكبر انتصار حققته بريطانيا على الإسلام نتيجة فوزها في الحرب العالمية الأولى بمساعدة الإسلام هو إلغاء الخلافة الإسلامية التي ساهمت في توحيد كلمة المسلمين والعرب نحو 1400 سنة وتحقق الإلغاء بسبب سوء تصرف الأتراك والعرب على حد سواء وضعفهم.

بعد ذلك وفي سياق استعراضه لأنظمة الظلم العربي يشير المؤلف إلى أن العالم العربي لم يكن بادية كله حتى بعد 400 سنة من الوجود العثماني لكن معظم الأرضيات السياسية والاقتصادية في ممالك الإمبراطورية كان من النوع الذي أكل عليه الدهر وشرب لذا لم يكن قادرا على مسايرة التقدم الذي حققه الغرب خلال المئتي سنة السابقة ولم تكن الأرضيات صالحة لإضافة تلك الطبقة الجديدة من التأثيرات الإيجابية التي حملتها القوى الغربية معها إلى المنطقة أو بناء طبقة تمزجهما معا.

وقد أثار هذا الوضع القائم في بلاد الشام استغراب الدول العظمي وما لبث ان امتد إلى العرب أنفسهم عندما أفاقوا من سباتهم العاطفي إذ كانت الإمبراطورية العثمانية أعلنت في بدايات القرن العشرين عن تطبيق برنامج إصلاح كبير يطال النواحي القانونية.

يتطرق المؤلف بعد ذلك إلى ما يعتبره طبيعة فريدة تسم الأنظمة العربية جعلتها تلد أنظمة على شاكلة حيوان البلاتيبوس الذي يجمع بين البطة والثعبان في جسد واحد.. لقد تم اختراع نظام تم تسميته «النظام الجمهوري الملكي» أو «النظام الجملكي» على حد ما يسميه اختصارا، وهو الاسم الذي اقترح بعض المعلقين السياسيين على الوارث أن يطلقه على ملك الحارث الجملكية العراقية أو الجملكية.. الخ.

وفي عروج على الديكتاتورية التي تسم أنظمة الحكم يقول المؤلف انه باستثناء صدام حسين فإن جميع المستبدين في العالم العربي لا يساوون نصف حجم الجنرال فرانكو، موضحا ان هذا الأخير ظل وهو شيخ الديكتاتوريين، يعتقد حتى اللحظة الأخيرة من نزاعه الأسطوري مع الموت أن شعبه يحبه حبا جما فلم تسمح المخابرات أبدا بإعلامه بأن الاسم الذي يشتهر به عند الناس هو «فرانكو الضفدع».

وعلى طريقة من كل بستان زهرة ينقلنا المؤلف في حديثه عن مشاكل الأنظمة العربية التي يكيل لها كل نقيصة إلى عامل الخوف الذي يراه يحكم علاقة الفرد مستعينا بشهادات محللين آخرين يرون أن أخطر ما يواجه بناء الدولة في مختلف دول العالم العربي هو شخصنة السلطة وتوارثها وأن السلطة تستخدم لتحقيق هذا الهدف الخوف الذي يعد واحدا من أهم أسلحتها..

وهنا فإن الخوف لا يقتصر على الجماعة الشعبية وحدها بل يمتد إلى من يراكمون السلطة طريقا للثروة ثم يراكمون الثروة التي تنتج بدورها سلطة جديدة.

ومن الخوف إلى الحديث عن مأزق الأنظمة يقول ان الأنظمة في مشرق العالم العربي ومغربه وجدت أن الشرعية الدولية التي تسعى إليها رهينة الشرعية المحلية فحجبها الناس عنهم لظلمهم فاختطف النظام الشعب وحبس حريته ومستقبله وقوته وكان الظالم المستبد يخرج إلى الشعب في المناسبات ويسأله الشرعية في مقابل الحياة والخبز لكن الشعب اكتسب الصلابة التي يكتسبها المسجون المظلوم في وحدته في الزنازين فكان يرفع سبابته عاليا في كل مناسبة سنحت ويلوح بها يمينا وشمالا بصمت لئلا يسمعه النظام.

وخلال الستين سنة الماضية قدمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي للأنظمة المعونات وقدمتا لها الدعم في المحافل الدولية وأنزلتا قادتها في أفخم الفنادق وعرضتاهم على شاشات التلفزيون لكنهما لم تستطيعا أن تقدما لهم الشرعية.

وهذه هي المعادلة الأصعب التي لم تستطع الأنظمة حلها فصارت تسترضي الغرب بضرب الشيوعيين وتسترضي الشيوعيين بضرب الديمقراطيين فحارب قسم من الأنظمة بسيف هذا وحارب القسم الآخر بسيف ذاك وانقض الضباط الأحرار على الإخوان المسلمين وانقض البعثيون على الشيوعيين في سوريا والعراق وانقض اليسار على اليمين والتقدمي على الرجعي.

وهنا يرد المؤلف على ما يثيره بعض الغربيين من زعم بأن الإسلام دين الاستبداد مشيرا إلى أنه لا توجد قدسية من أي نوع في الصراع على السلطة ولا مبرر للقدسية عند الحديث عن أطراف الصراع على السلطة ولا علاقة للدين بكل ما فعلوه من أجل الاستفراد بها. مضيفا:

نعرف اليوم ما كان العرب يعرفونه قبل أكثر من 1200 عام بان الدين زج في الصراع ولم يكن أساسه ولذا رأوا آنذاك ما يرونه اليوم من أن الحق والباطل لا يستويان ولا الإيمان والكفر أو العدل والظلم أو الشرعية والاغتصاب حتى لو أدخل الصراع السلطوي نفسه عبر بوابة الدين او الأقليات المظلومة.

وعلى ذلك وفي معرض خلاصة ينتهي إليها من استعراض هذا الجانب بالتفصيل يؤكد عادل بشتاوي على انه مهما كان عمر الحاكم الظالم فإن الشعب أطول منه عمرا ومهما حاول طمس آثار خطواته لاغتصاب السلطة فإنه سيعجز لأنه يستطيع أن يرمي الناس بالمدفعية وأن يدخل إلى كل عقل والى كل ذاكرة وينتزع منها الحقائق التي يعرفها

ولكن لا يمكن نسيان الظلم لأنه لا يمكن نسيان الألم ولذلك لم يفقد أسبان كثيرون الأمل بالعثور على أمهاتهم وآبائهم في بلدة أسبانية نائية أو قرية على رأس جبل بعيد لم يسمع أخبارهن أو أخبارهم منذ سار فرانكو بجيشه وفتك بكل من وقف بطريقه كما فتك الفاتحون الأسبان بالأزتك والمايا في أميركا الجنوبية.

في سياق البحث عن ملاذ يتساءل الكاتب: أين تهرب كل هذه الملايين من ظلم أنظمة الظلم إن لم يكن إلى الديمقراطية الصحيحة؟

ويضيف لقد جرب العرب كل شيء فلم ينفع شيء وعادت هذه الدمية الهلامية التي يلهو بها الأطفال فتأخذ بين يديهم كل الأشكال التي يريدونها فأخذت شكلها الحقيقي وإذ به نظام الظلم الذي يعرفه العربي جيدا..

فالأنظمة لم تترك شكلا لم تدعيه لنفسها للدخول إلى البيت العربي من أي نافذة او بوابة أو ثقب جانبي في جدار لكنها عادت دائما لتأخذ شكلها الحقيقي واذ به نظام الظلم العربي الذي يعرفه العربي جيدا.

الحل الوحيد في رأى بشتاوي هو الحل المجرب الذي اعتمدته تركيا وماليزيا وعشرات الدول غيرها لكن يجب ان ننتبه إلى شيء مهم ونحن ننظر إلى هذا النظام الإنساني في القرن الواحد والعشرين، اذا كانت الديمقراطية الصحيحة نقيض الاستبداد فإن وضع الخطوط الحمراء والحواجز التي لا يمكن تخطيها أمام مثل هذه الديمقراطية يفقدها الهدف النهائي من اعتمادها وهو السماح للشعب بأن يحكم نفسه بنفسه وسيجد المستبدون طريقا يدخلون منه إلى البيت العربي مرة أخرى.

وفي عبارة تجمع بين اليأس والأمل يقرر المؤلف أن المظلوم والخائف والمقهور والمفجوع لا ينتج والأمة التي لا ينتج فردها لا تنتج جماعتها ولن تصبح أمة الإنتاج والتطور والتنور مهما فعلت ومآلها إلى التخلف ومد يد الاستعطاء أمام أبواب الدول المانحة أما الأمة القادرة على الإنتاج والتطور والتنور وتحقيق الثراء فهي الأمة الشجاعة التي تكسر قيد اليأس فيكبر فيها الأمل وتخرج من سديم عصر الظلم وتنهض نهضة قوية فوق صلابة أرضية الديمقراطية الصحيحة وعدالة القانون والمساواة وتماثل الفرص والواجبات والحقوق.

وعلى ذلك لا يرى خروج مما نحن فيه إلا بالتخلص من الاستبداد الذي يعتبر السمة العامة في المجتمع.. فمشكلة الأمة اليوم لا تكمن في استبداد الحاكم وحده بالوطن فقط، فابنه أيضا مستبد وأخوه مستبد أيضا وابن أخيه وابن عمته وخاله. إن المشكلة أن وزير المستبد مستبد مثله في وزارته وهي قطاع استبداده، قائد الفرقة مثله ومدير المدرسة المتشبع بأيديولوجية الظلم لا بالعلم يستبد أيضا بالمدرسة والمدرس والطالب.

ومن هنا فإن التحدي الذي يواجه العرب اليوم ليس في تغيير النظام فقط بل في تغيير الفكر الذي خلقته الأنظمة في العقول ولكي يحدث هذا التغيير الكبير كان لا بد من حدوث شيء كبير يكسر الخوف الأكبر على غرار ما حدث في العراق كي تنكشف لعبة الغرب والأنظمة على حقيقتها وتظهر للناس.

مصطفى عبد الرازق

* الكتاب: تاريخ الظلم العربي

* الناشر:المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 2005

* الصفحات:326 صفحة من القطع الكبير

Email