لم تبق في مآقي العيون من دموع تبلل ثرى الأوطان
وأرضنا عطش.. لا ترويها دماء الشباب
نزار قباني
ونحن نراقب عبر التلفزيون هذا الدمار لوطن عشقناه، فأصبحنا متيمين بهذا العشق الذي ليس هو عشق الشام فحسب، بل عشق كل جميل في هذا الوطن الذي توهمنا ذات يوم في أنه يمتد في قلوبنا.. فما كان من قلبنا إلا أن يتقطع ويتناثر إرباً إرباً.
يا شام يا عشقي..
ما الذي اتغزل به وأنا أطالع صباحك المبكر.
قلعة دمشق الشامخة التي تحكي هذا التاريخ الممتد عبر قرون، تاريخ يمتد من الرومان لتاج الدولة بن رسلان، إلى نور الدين محمود زنكي، فصلاح الدين الأيوبي.
أصدفة أن ينام على تراب الشام الفارابي، محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، العالم، الفيلسوف، الأديب، والموسيقار الذي ما زال الفن العربي يعترف له بإنجازاته.
يا شام.. يا وطن أبي العلاء.. ومعرة النعمان، حيث يدفن النبي يوشع بن نون، والخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، وزوجته فاطمة بنت عبدالملك بن مروان، وكأني بصوت الجواهري يمزق سمعي:
قف بالمعرة وامسح خدها التربا
واستوح من طوّف الدنيا بما وهبا
الشام والشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، صنوان، فهو مدفون على ترابها، مثلما كانت مرسومة في وجدان قلبه.
كم مرة صلينا في المسجد الأموي؟!
وكم مرة طفنا حوله، وجلسنا قرب أسواره وأبوابه، ونتخيل قدوم الخليفة الأموي وركبة الجمعة للصلاة من البوابة الخلفية، حيث ما زالت مقهى النوفرة تدعونا إليها، كلما وطأت أقدامنا بلاد الشام.
عند قلعة حلب كنت أحج حتى مطلع الفجر.. تارة أطوف حولها وأتدفأ بنار المدفأة في مقاهيها، أو أسخن حالي بكأس من الشاي المعطر. ومسرح بصرى الشام، أم مسرح القباني الذي لعبنا عليه عروضاً مسرحية، فصفق لنا أولئك الذين افترشوا الأرض، بعد أن تمتلئ الكراسي، أم مسرح الحمراء أو ستائره التي تتراقص مع كل زيارة لعرض مسرحي قدمناه على خشبته؟
صيدنايا.. معلولا.. تل القاضي.. خان أسعد باشا.. قصر العظم.. باب توما.. عمريت.. قدموس.. سرجيلا.. عين دارة.. لعلنا لا ننتهي حينما نتواصل أن نذكر تلك المفاصل التي لا تنسى.
لم يبق في العين دموعاً، وإن ارتوينا من الفرات.
الفرات الشريان الذي يدخل قلب الشامي مثلما يغذي قلب العراقي.. هذا النهر الذي تحمل كل حزننا وفخرنا وعزتنا.
يا شام.. يا عشقي.. ويا بلائي وخلاصي.. ويا حزني ويا فرحي.. فالدم الذي يسفك على ترابك، دم أبنائك الذين هم أهلي وعزتي وعشيرتي.