يرى الشاعر المصري حسن طلب، أن صعود التيار الإسلامي في المنطقة، سيعيدنا إلى المعارك نفسها التي خاضها طه حسين وأحمد لطفي السيد، وقبلهما رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، إلا أنه يبدي تفاؤله بانتصار المبدعين في النهاية.. مؤكدا أنه لا أحد بإمكانه إعادة حركة التاريخ إلى الخلف، ومشيرا أيضا الى ان الجوائز الأدبية الإماراتية، هي الأولى عربياً، في الفترة الحالية، لما تحوزه من قيمة معيارية ومضمونية.

 

تطرق الشاعر حسن طلب، في حواره مع"مسارات"، الى مجموعة من القضايا في مسار ومضمون الادب العربي، موضحا، في هذا السياق، ان مشروعه الشعري الضخم لتسجيل انطباعاته عن تجربة الثورة المصرية، لم يسجلها حرفيا كما تلتقط الكاميرا الصور، بل كما رآها كشاعر، ذلك رغبة منه في أن يكون"جبرتي الثورة".

كيف تقيّم دور وأداء الجوائز الأدبية العربية، ومنها خاصة، جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة العويس الثقافية وغيرهما؟

أظن أن كثرة الجوائز التي تنظم للأدب والفكر والثقافة والفن في العالم العربي، ظاهرة إيجابية في مجملها، ولكن شرط أن يشعر الجمهور المتابع، بأن هذه الجائزة نزيهة، والنزاهة دائما ترفع من قيمة الجائزة؛ وهي من الممكن تحققها إذا أخذنا المسائل بتجرد، فجائزة العويس مثلاً، وهي أقدم الجوائز الكبرى المعروفة في الإمارات، اكتسبت هذه القيمة وسمتها في النزاهة، لسبب معلوم .

وهو التدقيق في لجان التحكيم، فلجان التحكيم يجب أن لا تتكرر، وأن تبتعد عن الأسماء المسيطرة في الواقع الثقافي، وعن العصابات الأدبية والثقافية التي تكوّن ما يشبه اللوبي، أو المجموعات التي تكون في معظم الأحوال غير بريئة من الغرض، وغير بريئة من الهوى والتحزّب.. إن لجان التحكيم، وعندما تكون غير نزيهة، ستؤدي الى أن تذهب الجوائز إلى من لا يستحق، ومن ثم تفقد الجائزة مصداقيتها.

وإجمالاً الجوائز الادبية النزيهة والقيمة، حاليا، كبرى ومهمة، ويمكن أن يقال إن دولة الإمارات لها نصيب الأسد فيها، ولذلك كل ما نرجوه أن تستمر هذه الجوائز بالشكل الذي يدفع بالإبداع والأدب والفن إلى الأمام ويشجعهما، ومن ثم تتوافر أرضية منافسة شريفة بين المبدعين بشرط -كما قلت- النزاهة في اختيار لجان التحكيم.

ويُلاحظ في هذا السياق أن جائزة البوكر العربية في الرواية، منذ البداية، سقطت في هذا الفخ، فخ عدم التدقيق في اختيار لجان التحكيم، وهذا قضى على بريق البداية الذي بدأت به، وأصبحت جائزة يُنظر إليها بكثير من التشكيك.

 

"سفر الشهداء"

أقدمتَ على مشروع ضخم لتسجيل انطباعاتك عن تجربة الثورة المصرية، وأنجزت جزأين حتى الآن .. هلا تحدثنا عن هذه التجربة، وعن الجزء الثالث المنتظر؟

إنه عمل ضخم، حتى من حيث الحجم؛ وهو نتاج معايشتي للثورة شعرا. أنا أعمل حاليًا على إنجاز الجزء الثالث منه: "سِفر الشهداء"، ولكنه جديد على تجربتي الشعرية، فمنذ بدايتي انشغلت بالقضايا السياسية وبقضية الحرية ومحاربة الطغيان، ولكن كان هناك انشغال آخر، وهو كتابة شعر معتمد على أصالة اللغة ومتانتها والجانب الصوتي فيها..

وصحيح انني انشغلت بهذه القضايا، لكنني عايشتُها الثورة كي أسجلها، وأردتُ أن أكون "جبرتي الثورة"، ورغبت في أن أسجل هذه اللقطات الفريدة التي منحتها الظروف لنا، ولم أرد أن أسجلها حرفيا كما تلتقط الكاميرا الصور.

ولكن أسجلها كما أراها كشاعر، أسجل لحظات الحماسة والضعف، لحظات القوة، ولحظات الشد والجذب بين الثوار، كل هذه اللحظات لخصتُها في هذه الأجزاء الثلاثة؛ أردتُ أن أكون هذه الجبرتي الذي يعايش تفاصيل الثورة الحميمية والصغيرة التي تمثل روح الثوار وفدائيتهم وجرأتهم، وايضا صدقهم في مواجهة الثورة المضادة ومواجهة الذين يريدون أن يعيدونا إلى الخلف.

 

رؤية ورأي

ما سبب حرصك على الاقتباس من التعبيرات الدينية في جميع ما يخص مشروعك هذا؟

أردتُ أن يكون هناك إضفاء هالة من القداسة على أرواح الشهداء، وأرى أنه لا بأس من استخدام النصوص الدينية؛ لأن الدين نفسه دفاع عن الكرامة ودفاع عن الحرية، والدين أتى لكي يمنع الطغيان والفساد والاستبداد، ولا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى؛ إذن فكرة الكرامة التي أتى بها الثوار، فكرة مقدسة وأتت بها النصوص الدينية جميعا.

وهناك علاقة قوية بين الأدب والفن من جهة وبين النصوص الدينية من جهة أخرى، فمثلاً الصور البلاغية التي يزخر بها النص القرآني، كانت ولا تزال نبعا لا ينضب يغني مخيلة وفكر وذخر الابداع لدى الشعراء والأدباء.

فالنص القرآني هو أرفع النصوص بلاغة، وكان من المعروف في تراثنا، استلهام واستيحاء تعبيرات النص القرآني؛ شرط أن تكون العملية في سياق من الجدية.. أنا دائما أبحث عن وحدة وليس عن صدام في اللغة، ما بين النص الادبي والنص الديني.

 

متشائل

فيما يخص نجيب محفوظ و"أولاد حارتنا".. كيف رأيت تصريحات التيار الإسلامي أخيرا في مصر ورفضه الرواية؟ وما توقعك لمدى تأثير صعود هذا التيار على الإبداع؟

ستكون هناك معركة!وأنا "متشائل!!".. الواقع أننا خضنا المعركة في السابق وحُسمت، ولكن صعود التيار الإسلامي سيعيدنا إلى المعارك نفسها التي خاضها طه حسين وأحمد لطفي السيد، وقبلهما رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، سنخوضها كلها مرة أخرى، فالتشاؤم سببه أننا سنعيد خوض نفس المعركة، ولكنني متفائل؛ لأننا سننتصر! لا أحد بإمكانه إعادة حركة التاريخ للخلف، سنتعطل ولكن سننتصر في النهاية.

الشعوب كلها تسير إلى الأمام، وكل جيل يبني فوق السابق له، ونحن بعد أن مررنا بجيل جيد نسبيًا، جيل طه حسين والعقاد.. وغيرهما، هناك من يريد إعادتنا إلى القضايا الخلافية نفسها التي تم حسمها!

 

قيود لا إبداع

أصبح هناك نوع مسمى أدبي جديد، حاليا، وهو "الأدب الإسلامي"، تقام حوله ندوات ومؤتمرات، بل وله مجلة معبرة عنه.. ما رأيك في هذا التصنيف؟

لا يوجد ما يسمى بالأدب الإسلامي ولا الفن الإسلامي! هذا يشبه "أسلمة العلوم" فهم يحاولون أيضًا "أسلمة الآداب والفنون". جودة الأدب لا علاقة لها بالدين، شرط الأدب والفن، الحرية. أنت تريد أن تضع القيود على المبدع، وتملي عليه مجموعة قيم دينية معينة، يتحرك في إطارها، وهذا لن يكون إبداعًا، سيكون تنفيذًا للأوامر، أي محددات توضع على الأدب مكتوب عليها الفشل، أو أنها ستنتج أدبا رديئا. ويوجد في التراث الإسلامي ما يدل على ذلك، فمثلاً حسان بن ثابت .

وهو شاعر مخضرم قضى نصف عمره في الجاهلية والنصف الآخر في الإسلام، وفي الإسلام أصبح "شاعر الرسول" وكان يكلف بهجاء الكفار والمشركين، ردا على هجائهم للرسول، فجاء الأصمعي بعد ذلك بقرن ولاحظ أن شعر حسان بن ثابت في الجاهلية، أفضل منه في الإسلام!! فاحتار الأصمعي في ذلك واستنتج قائلاً:

"يبدو أن الشعر بابه الشر!!".. طبعًا استنتاج الأصمعي كان خاطئا، فالمشكلة ليست في أن الشعر بابه الشر، ولكن الشاعر يبدع بشكل جيد عندما يعبّر بصدق عن ما ينفعل به هو ويشعر به، وليس عندما يكون إبداعه بناء على أوامر، أو في إطار قيود ومحددات من هذا النوع. فيجب أن نقيس الأدب بمقاييس مستمدة من ميدان الأدب نفسه، وليس من ميدان الدين أو السياسة.

 

معيار القيمة الفنية

هل الشعر معنيّ بالتعبير عن الجماعة من خلال الشاعر، أم إنه فن فردي يفّرق ولا يجمّع ويبحث عن خصوصية الفرد، وربما يتمثل هذا الخلاف في اتجاهين معاصرين أحدهما يمثله محمود درويش والآخر أدونيس؟

ربما يمكن حسم هذا الخلاف إذا اعتبرنا أن الشاعر عندما ينفعل بقضية الجماعة وتصبح قضيته هو أيضا، بل إنه حتى عندما يعبّر عن نفسه وفرديته. فهو يخاطب الجماعة ويؤثر فيها، إذن لا يمكن التحدث عن فردية مطلقة منعزلة عن قضايا المجتمع، قضايا المجتمع الكبرى يمكن أن تتحول إلى قضايا فردية أيضا.

والواقع أننا قد نجد قصائد رائعة تعبّر عن قضايا الجماعة عند محمود درويش أو السياب أو غيرهم.. فالمعيار ليس فردية القصيدة أو جماعيتها، المهم هو القيمة الفنية والجمالية للقصيدة. وأنا مع انفتاح الشاعر على مختلف الاتجاهات، فلا يجب أن يتهرب من القضايا الكبرى ويسجن نفسه في قفص فرديته وهواجسه وأحلامه...إلخ.

ما رأيك في الحداثة ؟ وكيف ترى تأثيرها على أعمالك ؟

أنا طبعاً مع الحداثة التي تعنى التمرد، ولكننا لا نستطيع أن نتمرد على شيء إلا إذا كنا متمكنين منه، لذلك على الشاعر الذي يريد أن يكون حداثيا أن يكون متمكنًا من تراثه، وعارفا بقديمه ومتشربا بالقيم الجماعية والفنية الجوهرية في تاريخه الثقافي، وقبل أن نحاول التمرد على المتنبي وابن الرومي وأبي تمام يجب أن نتمثل عوالمهم في البداية. ونتعرف على إنجازاتهم، وإن لم يحدث هذا سنجد أن كثيراً من أصوات الحداثة سيفشل في خلق مناخ إبداعي جديد، ويتغرب بنفسه والقارئ، إلى حالة هامشية من حياتنا الإبداعية.

 

دار الرعلام العربي

 

 

 

حسن طلب، شاعر مصري، ينتمي إلى جيل السبعينيات من القرن ال20، وهو أحد مؤسسي جماعة إضاءة الشعرية في عام1977. كما انه أستاذ للفلسفة في جامعة حلوان، ونائب رئيس تحرير مجلة إبداع الفصلية، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة. صدرت له حتى الآن تسعة دواوين شعرية. إضافة إلى عدد من الكتب، مثل: أصل الفلسفة.