أهلّ كتاب الفن والغرابة، الدكتور شاكر عبدالحميد- وزير الثقافة المصري السابق، أخيراً، للفوز بـجائزة الشيخ زايد للكتاب 2012 - فرع الفنون. ويمثل الكتاب، ثمرة بحث طويل، في مجالي الخيال والغرابة، بكل ما تحملانه من اتجاهات تتجدد بشكل أو بآخر في حياتنا المعاصرة. وهذه القضية، كانت واحدة من القضايا المهمة التي طرحها عبدالحميد، خلال مسيرته البحثية.

 

تناول الدكتور شاكر عبدالحميد، في بحثه حول موضوع الفن والغرابة، جملة حيثيات وجوانب، اعتنى فيها بقضايا جمالية مثل التذوق الفني، وأخرى لها علاقة بالإبداع، ولم يقتصر اهتمامه على العالم الإبداعي لدى الكبار، بل اهتم بالعالم الإبداعي عند الأطفال، وقدمه، بعد تطبيقات بحثية، من خلال كتابه الطفولة والإبداع، الموزع على خمسة أجزاء.

وتحدث الدكتور شاكر عبدالحميد، عن جميع هذه المسائل والنقاط، في حواره مع مسارات، موضحاً عدة مسائل ونقاط بحثية علمية، في هذا الخصوص. وجاءت البداية، من كتابه الفن والغرابة.

 

بين الحياة والموت

ما الأفكار التي حاولت إيصالها عبر كتابك الفن والغرابة، والذي أهلك للحصول على جائزة الشيخ زايد للكتاب 2012- فرع الفنون؟

كنت مهتما، منذ قرابة ست سنوات، بموضوع الخيال، وكان اهتمامي منصبا على الخيال المضيء، أي خيال الإنسان الذي يستطيع من خلاله تحقيق الأحلام، وأضرب مثالا وأقول دائما، لو وجد شخص ما مصباح علاء الدين، ودعك هذا المصباح وخرج له جني المصباح، وقال له الشخص، أريد أموالا وقصورا، وما إلى ذلك، فهذا خيال مضيء.

لكن عندما أقول للقارئ، أو للشخص الآخر، تخيل معي أننا دعكنا المصباح، وبالفعل ظهر الجني، لكن عوضا عن أن يحقق الأحلام قتلنا، أو أخافنا، أو سبب لنا الرعب، فهذا خيال مرتبط بالخوف والوحشة، وشعور بعدم اليقين من العالم الليلي؛ أي الكوابيس، لكن المضيء هو ما يرتبط بالأحلام، أما المعتم فيرتبط بالكوابيس، وهذا هو عالم الغرابة، لكن عالم الغرابة ليس بسيطا بهذا الشكل، وما ذكرناه هو جزء منه، فعالم الغرابة فيه العلاقة بين الحياة والموت.

كيف تفسر لنا هذه العلاقة؟

تتفسر عندما يكون الموت موجوداً في الحياة، أو عندما يكون الموت هو المهيمن على الحياة، عندما نحس أن الماضي هو المسيطر على الحاضر، عوضا عن المستقبل، وعندما نحس أن البشر يتحولون إلى ما يشبه الدمى يتكلمون ويتصرفون مثل الدمى، أي يتصرفون بحركة آلية، وعندما يكون هناك حركة آلية، يعني أنهم تحولوا إلى آلات.

وإن تحولوا إلى آلات يعني أنهم فقدوا الروح، وإذا فقدوا الروح أصبحوا موتى، فهل هذا موجوداً في الحياة؟ نعم يوجد في الحياة. وهل حاول الفنانون أن يجسدوه؟ بالطبع حاولوا أن يجسدوه، مثلا في المسرح يوجد الكثير من ذلك، وفي عالم الفن التشكيلي، حاول السيرياليون أن يجسدوا هذه الحالة.

وهناك فنانون كانوا يرسمون الدمى فقط، وأنا هنا لا أقصد الدمى بذاتها، بل أقصد الحي عندما يتحول إلى ميت وهو حي، فلا يشعر بالحميمية والبهجة والسعادة والحيوية، ومن ثم يتحرك كآلة ويصحو كآلة، وينام ويتصرف مع الآخرين بسلوكيات يبدو معها كآلة.

هل هناك معانٍ أخرى للغرابة؟

بالطبع لها معنى آخر، ولها في الحقيقة تسعة معان، منها البيت المألوف الأليف، وبجانبه نضع الوطن الذي يكون أليفا ومألوفا، ومع الزمن ولأسباب قد يتحول البيت أو الوطن إلى العكس، أي يصبح غريبا، لا مألوفا ولا أليفا لأسباب منها الخاصة بسكانه، أو الخاصة بأناس يسكنون في الخارج، وهذا معنى من معاني الغرابة، والغرابة عكس الألفة، والغرابة قد تكون موجودة في الحياة وفي الفن. والغرابة ممكن أن تكون مرتبطة بالشيء المألوف والشيء غير المألوف، وكانوا يهتمون، بموضوع الغرابة سابقا، عند الاهتمام بموضوع الأشباح وبالكائنات الغريبة.

والدمى، لكن الآن الغرابة موجودة في مراكز التسوق الكبيرة، وموجودة في الشوارع الواسعة الخالية من البشر، وموجودة في الفنادق الكبيرة عندما يكون الإنسان جالسا، محاطا بالحضارة لكنه يشعر بالغربة. والغربة والفن مرتبطان ببعضهما البعض، والفن جسد هذا، سواء في الفن التشكيلي أو في المسرح أو في العمارة.

كما ظهرت الغرابة بشكل واضح في سينما الخوف والرعب، وهذا النوع من السينما هو جزء من الغرابة، وأنا حاولت أن أفهم الظاهرة، وتحدثت عن أهم النظريات الموجودة فيها من منظر سيكولوجي، ومن منظور فلسفي، وطبقت ذلك على بعض الأعمال الفنية وبعض الأفلام.

 

قضايا إبداعية

منذ متى بدأ اهتمامك بالقضايا المتعلقة بالفنون؟

البداية جاءت من رسالة الدكتوراه التي أجريتها، وكانت عن العملية الإبداعية في فن التصوير: الرسم والتصوير بالألوان. وكانت تتركز على نحو خمسين فنانا مصريا، إضافة لفنانين عالميين، وكانت فرصة للتعرف إلى الفنون والفنانين الذين عشت معهم في مراسمهم واطلعت على طريقة حياتهم ورسمهم للوحاتهم، وكيف كانت تأتيهم الأفكار، ومن هنا كانت بداية الاهتمام بهذا الشأن.

*إذاً، لم تتوقف من حينها، عن دراسة وتقديم القضايا الفنية؟

** بالفعل، بدأت أتعرف إلى عالم المعارض والنحت والتصوير والرسم، كما بدأ اهتمامي بفنون الأطفال. وأجريت دراسة عن رسوم الأطفال نشرت في كتاب من خمسة أجزاء، بعنوان الطفولة والإبداع، وفي هذه الدراسة، يوجد جزء نظري عن فنون الأطفال، وفيها جزء كبير تطبيقي أجري على نحو 1200 طفل مصري، من سن 3 سنوات إلى سن 12 سنة، اذ جمعت رسوماتهم واستجاباتهم بشأن اختبارات للإبداع.

وبعد ذلك حللت البيانات الخاصة عن كيفية نمو الإبداع والرسم عبر العمر، واهتممت باللون، وبحثت في كيفية النمو عبر العمر، من سن 3 سنوات وحتى بلوغ الطفل عمر 12 سنة،. وكذلك درست موضوعات، الشكل والخط والمنظور، تطور هذه الجوانب عبر العمر، وهو ما نشر في كتاب متكامل ومستقل.

لكنك لم تقتصر على الاهتمام بقضايا الإبداع، بل تجاوزتها إلى قضايا أخرى. فما أهم هذه القضايا؟

وجدت نفسي، في مرحلة ما، أني اهتممت بالإبداع عند الأطفال والكبار، ولم أهتم بعملية التذوق للفنون، لأن الفن مثل العملة تتضمن وجهين اثنين، ولا يمكن أن نجد عملة هنا، ذات وجه واحد: وجه الإبداع والتذوق. وهكذا ألفت كتابا بعنوان التفضيل الجمالي، نشر في سلسلة عالم المعرفة في الكويت، عام 2001 ، وتتبعت فيه النظريات الأساسية الموجودة في العالم، حول عملية تذوق الفنون.

وأيضا طبيعة الأسباب التي تدعو شخصاً ما إلى تذوق الفنون، بينما تمنع شخصا آخر من تذوق الفنون. وبالتأكيد هناك عوامل مهمة بهذا الخصوص، مثل الدراسة والخبرة الميول الشخصية، وما إلى ذلك. وبعد ذلك، درست موضوع كيفية حدوث عملية التذوق عند الأطفال وعند الكبار، وعملية التذوق في الثقافات الإنسانية: أي لماذا الثقافات تحب نوعا من الفنون ولا تحب نوعا آخر؟

وغالبا ما يكون هذا في شكل تفضيل، أي في أسلوب ثقافي، وهكذا فإنه مثلما يوجد أسلوب شخصي يوجد أسلوب ثقافي. فالثقافة تفرض التذوق، ففي اليابان مثلاً، يحبون اللوحات التي يوجد بها نوع من التجريد، لكن في بعض البلدان العربية من الممكن ألا يميل الناس إلى التجريد، بل إلى التشخيص. وهكذا نجد أن الثقافة تلعب دوراً كبيراً في هذا.

 

تفاصيل جمالية

ما الأسس التي اعتمدت عليها في دراستك للتذوق الفني؟

اتبعت النظريات الفلسفية، من زمن أفلاطون وأرسطو، إلى كانط وسارتر، وغيرهم، وصولاً إلى الفلاسفة الذين يحيون الآن، مقتديا بتصورهم عن عملية التذوق للفن، وذلك لأن مسألة التذوق عملية صعبة خاصة، وهي أمر ليس فطريا. فالثقافة البصرية الفلسفية، تصقل خبراتنا وتغذي امكاناتنا الفكرية في قدرتنا على الحكم على اللوحة وتحليلها في جهة دراسية وخبراتية نوعية..

وقد اهتم الفلاسفة وعلماء النفس أيضاً، بجوانب أخرى مهمة في هذا الشأن، وهي عناصر البساطة والتركيب، فبعض الناس يحب البسيط، وبعضهم يحب المركب، ويقولون ان من يحب البسيط أسلوبه الشخصي يميل إلى البساطة.. والبساطة ليست بالشيء السهل لأنها من الممكن أن تكون تلخيصا لخلاصة التجربة، والتركيب قد يرتبط بأبعاد تدل على ان الشخص انطوائي مثلا ويحب الغموض والمجهول، والعامل الشخصي مهم جدا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الخبرة، وكلها عوامل تدخل في التفضيل الجمالي والتذوق الفني.

هل اقتصرت دراستك على التذوق أم تناولت فيها قضايا أخرى؟

اهتممت بالفنون البصرية، وألفت كتابا بعنوان الفنون البصرية وعبقرية الإدراك، وأتى كأنه كان استكمالا للتفضيل الجمالي، مع تحليل أكثر لحركة العين عندما تتثبت على لوحة ما، فلم تتثبت على هذه اللوحة، وما علاقة هذا بالمخ؟ ولماذا يصنع الفنان لوحته بهذا الشكل؟، مثل هوبر الأميركي الذي يطرح تساؤلا حول من يرسم أناسا منعزلين في حضارة حديثة تجعل الإنسان منسحبا ووحيدا وغير سعيد. وعلى هذا الأساس، يرسم أناسا منعزلين، ويرسم بيوتا منعزلة وفنادق منعزلة.

برأيك كناقد وباحث فني، هل حققت اللوحة العربية وجودها، أم أن معظم الفنانين العرب مقلد؟

اللوحة العربية فيها جزء من التقليد، وفيها أيضا نوع من التجذر يعني التشتت. وأريد الاشارة هنا، الى ان الفنانين العرب لا يوجد بينهم لقاءات كما ينبغي، ولا يوجد مجلة ثقافية تشكيلية عربية كبيرة تجمعهم. وهذه عوامل لها كبير الدور والتأثير في جوهر هذه القضية. فصحيح انه هناك معارض وبيناليات، تقام باستمرار، لكننا نحتاج إلى تجمع أكثر فاعلية في اطر تجويده ومساقات عمله التطويرية.

إذاً.. هل وجدت اللوحة العربية؟

لم توجد اللوحة العربية، وليس من المطلوب أن تبقى أو تكون موجودة، فهل يمكننا أن نقول: هناك لوحة أوروبية؟

لكن من الممكن أن نقول هناك لوحة إفريقية...

ممكن بوجود الأقنعة وغيرها، أي الأعمال القديمة، لكن الحداثة ألغت الخصوصية، والفنان بقدر ما يعبر عن الإنسان، يكون هذا أفضل، وليس مطلوبا منه أن يعبر عن بيئته فقط، بل أن يعبر عن إنسان في بيئته بشكل قوي وعميق، وفيه رؤية واستبصار، وهو ما يجعله معبرا عن الإنسان بشكل عام.

نحن مع التوحد وليس مع الانفصال، لكن ليس من المطلوب أن نذوب ذوبانا كاملا في الآخر، فلنا خصوصيتنا، ولكن لا يكون هذا هو الهاجس، فالمزيد من العالمية مزيد من المحلية، ومزيد من المحلية، يعني مزيدا من العالمية.

 

 

نبذة

 

❊ شغل الدكتور شاكر عبدالحميد، مهام ومسؤوليات وزير الثقافة المصري.

❊ يعمل أستاذاً لعلم نفس الإبداع في أكاديمية الفنون في مصر.

❊ عمل نائباً لرئيس أكاديمية الفنون من 2003 إلى 2005 .

❊ شغل سابقاً منصب عميد المعهد العالي للنقد الفني في أكاديمية الفنون.

❊ عمل أستاذاً بجامعة الخليج العربي في مملكة البحرين في كلية الدراسات العليا، كمدير لبرنامج تربية الموهوبين.

❊ متخصص في دراسات الإبداع الفني والتذوق الفني لدى الأطفال والكبار، وله مساهمات في النقد الأدبي والتشكيلي أيضاً.

❊ حصل على عدة جوائز، منها: جائزة شومان للعلماء العرب الشبان في العلوم الإنسانية- عام 1990، التي تقدمها مؤسسة عبدالحميد شومان بالأردن، جائزة الدولة للتفوق في العلوم الاجتماعية- مصر 2003 .