طالما جسد عناق الطبيعة والإنسان، قصة ألفة فريدة المكونات، عابقة بمفردات تشويق، قوامها خلطة تأثيرات العناصر الطبيعية، وما تتركه من إفرازات وبواعث تحفز الذائقة الجمالية الإنسانية. ولا شك ان تلك القيمة المحببة، تحوز اهمية خاصة مع الشواطئ وما تنتجه في النفس البشرية من أحاسيس وجدانية وتأملات، أو طمأنينة أحيانا. فهي تغازل الروح على امتداد خطوط تعرجاتها بينما تلف العالم، محيطة بمساحات شاسعة من المسطحات المائية، لتبدو بذلك، أيقونات متعة ودلالة وإيحاء، ولوحة جذب ممتعة، غنية التكوين.
تعد الشواطئ المتعرجة، حول العالم، مساحات من جماليات الكون، وبقاعا للاستشفاء العضوي والذهني، وأيضاً النفسي، ففي أحضان الطبيعة سحر خاص جداً «يفلتر» خبايا النفس وينقيها من شوائبها وإعيائها. إنها جزء من إعجاز الخلق.. إن علاقة الارتباط التي تجمع الشواطئ والإنسان، حكاية تشويق في أحضان طبيعة، هي بالتأكيد، قادرة على العناق والاحتواء والحب، خصوصا وأنها مصدر من مصادر العلاج الطبيعي للإنسان.
تشكل خيوط النسيج الرابط بين الإنسان وجماليات الشواطئ وتأثيراتها، محور تعزيز لوحدة كون تحققت بين مختلف عناصره.. وذلك، مثلما قال الفيلسوف العربي ابن رشد، عندما وضع أساس نظرية وحدة الكون. فمن دائرة الفلسفة ووحدة الكون، نقفز لعالم ممتد يشمل الكون كله، ونتعرف عليه عن قرب وعن تجربة ملايين البشر.. فماذا نقول.
هناك الكثير والكثير.. دعنا نستقر في عوالم جماليات الشواطئ.. لنرحل عن صخب المدن وضجيجها ومراسمها ويومياتها المتشابهة، وجنون سرعة إيقاعها، وتلوث بيئتها بالأصوات والأضواء، وعن أناس لا يعرفون أين المفر!
الإسكندرية.. شاطئ حب وجمال
يعد شاطئ الإسكندرية في مصر. كما ان شاطئ" العجمي"، من أشهر الشواطئ المتعرجة في مدينة سيد درويش والمرسى أبو العباس وأسامة أنور عكاشة، تلك المدينة التي تحتضن ذلك الشاطئ برفق وحنان، وهو الشاطئ الأكثر تعرجاً وجمالاً، ويقع على بعد مئة كيلو تقريباً من الإسكندرية، مشكلا امتدادا طبيعيا للمدينة.
"العجمي" .. شاطئ من الشواطئ البكر التي يخطف جمالها الأبصار، والتي هي مشتملة على رمال دافئة تحتضنها آخر موجة .. ولكنها تحمل سرا من أسرار الشفاء. وتعتبر شواطئ العجمي جزءا مهما من شواطئ البحر الابيض المتوسط، وهي تحتوي على نسبة عالية من مركب اليود الطبيعي الذي ينصهر تحت الشمس، ويتولد من نسبة الملح المركز في مياه البحر.
وتكمن أهمية استنشاق الهواء المحمل برذاذ البحر المالح، كما يسميه «الإسكندرانية»، تكمن في قدرته على شفاء أمراض الغدة الدرقية الموجودة في العنق، فاليود من أفضل علاجات كسل الغدة وعدم إفرازها للهرمون «المايسترو» المعروف باسم "سيروكسين". ويسمى «المايسترو»، لأنه يهيمن على العديد من وظائف الجسم.
كما ان شاطئ" العجمي" يشكل جزءا من جمال الإسكندرية ، وذلك مثلما تغنى بها محمد الحلو في أغنيته «التتر»، في مسلسل «زيزنيا» لأسامة أنور عكاشة، ّإذ يقول محمد الحلو: «وعمار يا إسكندرية يا جميلة يا مارية حبك مكتوب علىّ ومسطر على الجبين»..
نعم هي جديرة بكل الحب والعشق.. تلال البنفسج البري شامخة تحتضن مفردات الرمال والبحر الممتدين باتساع لانهائي حتى خط الأفق.. وهو مادة طبيعية في زهور البنفسج البرية، تعرف باسم «ليلاك» وهو الاسم العلمي لهذه المادة التي لها فاعلية شفاء التهابات الجيوب الأنفية، عند استنشاقها، مرة في كل يوم.
وتشهد ضاحية العجمي، إقبالا رائعاً، ابتداءً من شهر يونيو، وحتى أواخر شهر سبتمبر، حيث يشد الناس رحالهم لقضاء الصيف على شواطئ العجمي التي تتميز المنازل الصغيرة فيها بملامح معمار بسيط جميل، مشيد من الحجارة البيضاء، وبتدرجات اللون البنفسجي والعاجي والأزرق. وتلك جميعها مفردات الألوان الطبيعية التي يعكسها المكان .
حكاية الزمان والمكان
محال صغيرة تشكل مفصلا في نسيج لوحة مشهد التظاهرة الفرحة في الشاطئ، مع شعاع الشمس الأول، وتنتهي مع فجر اليوم التالي، لتتجدد تلك الملامح في كل يوم، وكأن الإنسان والمكان وجهان لعملة واحدة، كل منها يحتاج الآخر. ولا مفر من العناق والذوبان معاً. إنها حكاية الزمان والمكان والإنسان.. حكاية كل الدنيا وكل البشر معاً.
"العجمي" سينمائياً
عكس الفن السابع في مصر، مختلف مفردات منطقة العجمي، في العديد من الأفلام المصرية، ومنها فيلم «30 يوماً» لفاروق الفيشاوي وعزت أبو عوف وأحمد الفيشاوي، إذ يعكس الفيلم احتواء متاعب الإنسان، ويرمز الفيلم إلي كيفية توحد الإنسان مع المكان، فهو المأوى والزاد والسكينة معاً.
وهناك «عجاميستا»، الفيلم المصري الذي اتخذ من شواطئ العجمي، مكانا لأحداث الفيلم، من بطولة خالد أبو النجا ومنير شريف.
ويطوف بنا الخيال والواقع معاً، لنمر على شواطئ الإسكندرية المتعرجة وكأنها لوحة لمدينة، خرجت لتوها من البحر، لنجد بالتحديد ما انعكس في لوحات التشكيل للأخوين «وانلي» اللذين ولدا بالإسكندرية، وتأثرا بكل جمالياتها من شواطئ ومجتمع الصيادين وبنات بحري والأماكن الشعبية، كالأنفوشي وكوم الدكة، مسقط رأس سيد درويش.
و«زنقة الستات» و«المرسي أبو العباس» وأطل المسجد في معظم لوحات الأخوين وانلي، وأيضاً رسما الشواطئ المتعرجة التي تعج بالمصطافين، حتى يعلن الخريف حضوره وجمالياته، عندما ينصب الصيادون الشباك على امتداد الشواطئ، ليضع فيها طائر السمان الذي اشتهرت به الإسكندرية وهو طائر مهاجر، بيوضه.
"أبو قير"
"أبو قير" هو شاطئ بكر لمنطقة شعبية بالإسكندرية، مياهه عميقة راكدة لأن شواطئه تقع بين حاجز الأمواج، وهي شهدت سباقات الزوارق وتدريب طلبة الكلية البحرية على السباحة. ويشتهر بوجود مطاعم عريقة تقدم وجبات الأسماك التي يتم اصطيادها أمام رواد المطاعم، ومن أشهر هذه المطاعم على الإطلاق، مطعم «زخريون» الأثري المتخصص في تقديم الأسماك على الطريقة «السكندرية القديمة».
وتتميز شواطئ أبو قير بوجود النباتات البحرية الطبيعية اللزجة والمتدرجة بألوان: الأخضر والبني الداكن، وهي فاعلة في علاج العديد من أمراض الجلد، وخاصة الصدفية.
"زيزنيا"
شكلت الإسكندرية مكاناً لمسلسل «زيزنيا». ولم يقتصر الأمر على هذا المسلسل تحديدا، فتتابعت حلقة الأعمال في الإسكندرية. وهي مثل: «الراية اليبضاء» و«فريسكا» وأوبرا «عايدة» و«النوة» و«ليلة القبض على فاطمة». وجميعها عكس المجتمع "السكندري"، بحرفية وفنية عاليين.
إذا عبرنا البحر باتجاه " شرقنا الأوسط"، وتحدينا كل تحديات الطبيعة، لنصل إلى ما هو أعمق وصادم صدمة إيجابية، نصل إلى المحيطات ذات الأعماق السحيقة والظلمات الثلاث التي وردت في القرآن الكريم، والمحيطات التي لا يملك الإنسان حين التأمل فيها، سوى التسبيح بقدرة الله سبحانه.. إنها مسطحات هائلة الامتداد والعمق والتعرجات، غريبة الأطوار أحياناً، ففي الظلام ليلاً، نجد الحيتان تقفز من العمق الى السطح لتتناثر من حولها مياه المحيط، مجسدة شكلا أسطوريا للمكان.
تسرد تعرجات الشواطئ المطلة على المحيطات، العديد من أسرار الطبيعة، ففي شواطئ كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية، سر غريب بحق لابد من تفسيره، حسبما أكد العلماء المتخصصون في علم الطاقة، المعروف باسم «الأورا». فما هي الحكاية؟
يقول العلماء، ومنهم العالم الراحل الدكتور إبراهيم الفقي، المتخصص في علم الطاقة «الاورا» والموارد البشرية. يقول العلماء، إن الإنسان في عصرنا الحديث، فرض عليه العديد من السلبيات لتصبح عادات يومية سلبية، ففيها قضاء مساحة زمنية طويلة، ممتدة أمام التلفزيون والإنترنت. واستخدام المصعد، والسير على أرضية ممهدة مرصوفة بمادة السيراميك..
وكل ذلك بالإضافة للتعرض للمكيفات..وجميعها تكون طاقة سلبية في جسم الإنسان، تؤثر سلباً بالدرجة الأولى، على كل من الكبد والكلى، ذلك لأن أنزيمات الطاقة «الاورا» تتخزن فيهما، الأمر الذي يؤثر سلباً، ليصل إلى مرحلة تشكيله لوجه من اوجه الخطر على الإنسان.
ولكن الطبيعة البكر، لديها الحل والشفاء، وكذا "فلترة" السلبيات في جسم الإنسان. ويقول الدكتور إبراهيم الفقي، ما مفاده انه إذا سار الإنسان حافياً على الشواطئ المتعرجة التي تتميز برمالها الخشنة الملامسة لماء البحر، ومن ثم أخذ يسير بعدها على الأحجار والرمال الموجودة في الشواطئ المتعرجة.
ومن ثم في النهاية، شرع يفرك قدميه بأعشاب المحيطات والبحار والمعروفة علمياً باسم "سي وييد»، فكل ذلك يخلص الإنسان من الطاقة السلبية الموجودة بجسمه، ويؤدي إلى بث طاقة أخرى إيجابية، بحيث يتم ذلك يومياً، على مدار ثلاثة أشهر. وتوجد مصحات متخصصة في كاليفورنيا وفلوريدا، ويوجد فيها متخصصون في العلاجات الطبيعية لأمراض الطاقة.
ولكن علينا أيضاً أن نعكس جماليات الشواطئ الأميركية المتعرجة المتسعة، والممتدة حتى خط الأفق، والتي تتميز بارتفاع الأمواج، وكذا قوة اندفاعها الذي ينتهي إلى زبد أبيض، مثل رغوة الصابون، ولهذه الأمواج قيمة كبيرة جمالياً، وأيضاً تشتمل على فوائد عديدة للإنسان. إذ تعالج أمراض ضعف العضلات وترهلها، وزيادة نسبة الدهون لدى الناس الذين يعانون السمنة المفرطة.
وكذلك تعمل على شد الترهلات وتقوية العضلات، ويتم كل ذلك بسهولة تأخذ شكل المرح والانطلاق على امتداد الشواطئ الأميركية المتعرجة، والتعرض في هذه الشواطئ يتم معه صدمات الأمواج وقوتها.
نجد في جماليات الشواطئ الأميركية، وخاصة ضمن ولاية «هاواي»، كل ما هو غريب وجميل ومميز. ففي هذه الشواطئ البكر
( في هاواي )، يوجد مصففون للشعر، بطريقة تحفظ له رونقه وصحته. والطريف أن هذه الشواطئ يوجد فيها أشجار جوز الهند الذي يستخدم الحليب الموجود في داخل تجويفه، لعلاجات الشعر الضعيف. وكل ذلك يتم على الشواطئ، متخذاً حالة من الانطلاق الذي يمتص شحنة نفسية سلبية للمتواجدين على هذه الشواطئ.
وسر آخر من أسرار الشواطئ المتعرجة، نهمس به إلى كل من يأتي إليها، طالباً جماليات الطبيعة وشفائها للعديد من الأمراض التي يحملها الإنسان معه إلى المستشفى الطبيعي.. إلى الشواطئ والمحيطات والبحار.
تحمل الأمواج ومياه المحيطات، سر علاج العقم عند السيدات، فإذا تعرضت السيدات للسباحة يومياً. وأيضاً للتصدي للأمواج المحيطية العاتية بصحبة متخصصين، يمكن بفعل المياه والأمواج إزالة المادة الكلسية الموجودة فوق المبيض، بسبب زيادة الوزن.. ووقوع خلل ناتج عن متغيرات هرمونية أنثوية، وذلك عن طريق تسرب المياه المالحة التي تحمل أيضاً مركبات طبيعية خاصة بشفاء حالات العقم، تسرب من خلال ملابس السباحة.
الشواطئ اليابانية
تشتمل الشواطئ اليابانية المتعرجة، على جماليات متنوعة، فهي تحوي الكثير من القوارب الرشيقة، والتي تطفو على مياه الشاطئ، وهي بمثابة حوانيت مائية بحرية مكتنزة بالفواكه اليابانية، والشاي الأخضر والأبيض الذهبي ويوجد زهور برية، معروفة باسم «بلوسوم جابانيز». وهي زهرة بيضاء برية، ويصنع منها ملطف ومغذٍ للبشرة، وتجري فيها طقوس البيع والشراء، لتعكس تظاهرة مرح شاطئية، وذلك بالترافق مع خلفية موسيقية يابانية هادئة.
ولا ينسى اليابانيون حيواناتهم الأليفة، في ظل هذه الاجواء، إذ تحتوي تلك القوارب أيضاً، على معلبات وأكلات طبيعية، مثل الزنجبيل والقرنفل، كوجبات للطلاب الأليفة، وهي الحيوانات التي يصطحبها المصطافون معهم، لتكتمل صورة الانطلاق والمرح، ويشكل مزيجا فريدا، الإنسان والحيوان والطبيعة، يحكي معنى ورموز الانعتاق من قيود تفرضها المدن على سكانها.
وإذا كان قدر الإنسان، أن يفرض عليه أن يعيش في منظومة التحديث والتكنولوجيا والازدحام والإيقاع اللاهث، وجميعها تصيبه بالمرض والإحباطات، فإن هناك في مكان ما بالعالم، مضاداً للشفاء وجرعات لتثبيت القيم إنسانيته كانت قد ذابت ووقعت من الإنسان وسط الازدحام، وكل ما عليه ان يسلم نفسه للطبيعة التي خلقها الله.

