يعد كمال الطويل( 1922- 2003 )، من أهم فرسان النهضة الموسيقية العربية المعاصرة، كونه يتصدر قائمة المبدعين المجددين ضمنهما. فإلى جانب الروح الشرقية النقية، نشعر بانتعاش التجديد والبعد عن التقليدية، في أعماله، لأنه من القلائل الذين قدموا أفكارهم المبتكرة بالاعتماد على المقامات الكلاسيكية الشرقية، وهو آخر الراحلين من عمالقة تلك الفترة الذهبية، إذ توفي عن 81 عاماً.

 

رحل سيد درويش باكراً، في سنة 1923، ذلك بعد أن نجح في إرساء القواعد الأولى للموسيقى العربية المعاصرة في القرن العشرين، التي استفاد منها، بعد ذلك، كل من عمل في حقل الموسيقى العربية في القرن العشرين.

فمحمد عبدالوهاب هضم تجربة سيد درويش، وتراث القرن التاسع عشر.. ثم انطلق إلى التراث الأوروبي الموسيقي عظيم الأثر، فخرج بشخصية موسيقية غنائية عميقة الجذور الحضارية العربية والإسلامية، ونظر نحو الآفاق الواسعة لثقافات وموسيقى الشعوب الأخرى، وهذا بالضبط ما شد كمال الطويل وأبناء جيله، إلى موسيقى الأستاذ الكبير محمد عبدالوهاب.

الكبرياء كانت العنصر الأساس في شخصية كمال الطويل الإنسانية، وحتى الفنية، إذ تداخلت الكبرياء بالحرمان، لتتشكل أهم الملامح الإنسانية التي كانت أبرز دوافعه للتعلم والتجديد، والدافع الأكبر الذي صنع منه النموذج الأمثل للفنان المحترم، فقد وضع الحرمان بصمة واضحة على الطفل كمال الطويل، فرغم انه ينتمى إلى عائلة عريقة، إلا أنه أحس بقسوة الحرمان، خاصة بعد وفاة والدته حزنا، بفعل زواج والده من سيدة أخرى..

وعقبها، أرسل الأب ابنه إلى مدرسة داخلية، إلا أن علاقة كمال بالشعر والموسيقى بدأت من عائلة الأب الذي كان شاعراً وصوفيا في مراحل حياته المتقدمة. ودخل كمال الطويل إلى معهد متخصص ودرس لمدة سنتين، المقامات القديمة والموشحات وطرق التلحين المبتكرة والجديدة ..

وفي هذه الفترة تعرف إلى الملحن رؤوف ذهني سكرتير محمد عبد الوهاب، وإلى عازف الكمان الشهير أنور منسي، الذي نصحه بالانتقال الى معهد الموسيقى والمسرح في القاهرة، حيث كان هناك زملاؤه: أحمد فؤاد حسن - فايدة كامل - عبد الحليم شبانة (حافظ) الذي ساعده في الدراسة كثيراً، وبذا توطدت العلاقة بين كمال وحليم الذي اكتشف بإحساسه الفني الذكي في كمال، ملحناً أكثر منه مطرباً.

وعمل كمال في الإذاعة بعد التخرج، وساعد حليم في الالتحاق بأوركسترا الإذاعة (لأنه درس وتخرج كعازف أوبوا )، ومن ثم جرى اعتماده فيما بعد، كمطرب في الإذاعة المصرية.

ورشح محمد حماد، رئيس الإذاعة المصرية، آنذاك، كمال الطويل، لتقديم أغنية في عيد الثورة، فوافق الاخير، حبا في الراحل جمال عبدالناصر، فكتب بعض الجمل الموسيقية على البيانو، ثم اتصل بصلاح جاهين وأسمعه تلك الموسيقى، فكتب جاهين (والله زمان يا سلاحي)، واتفق على أن هذا اللحن لا يغنى إلا من قبل السيدة أم كلثوم، واتصل بها الطويل فطلبت أن يذهبا إليها على الفور فأعجبت بالأغنية وسجلتها بالإذاعة.

ونالت الأغنية نجاحا كبيرا. وعقبها اتصل محمد حسنين هيكل بالطويل، وأخبره باختيار "والله زمان يا سلاحي" كسلام جمهوري. وتحول الطويل بعدها، إلى لسان حال الثورة، ومؤرخ لإنجازاتها، من خلال حرصه على تقديم أغنية جديدة في عيد الثورة من كل عام، بصوت عبد الحليم وأشعار صلاح جاهين وأحمد شفيق كامل، فتوالت الأغنيات الوطنية.

وبعد الثورة، لحن الطويل أغنية (على قد الشوق).. وأعجبت أم كلثوم كثيرا بالفكر الموسيقي وبالجملة اللحنية عند كمال الطويل..خاصة بعد أن لحن لها بعض قصائد رابعة العدوية.

شكل كمال الطويل، ظاهرة خاصة، ميزته عن أولاد جيله، لامتلاكه موهبة ثرية مدعمة بثقافة موسيقية كبيرة، بنيت بالدراسة والسماع، حتى انه حاول الالتحاق بكونسرفتوار القاهرة مع بليغ حمدي ومحمود الشريف، بعد أن أصبح ملحنا مشهوراً.. وخلال عقد الستينات من القرن الماضي، قدم الطويل بصوت عبد الحليم الكثير من الأغاني المميزة، مثل: «أسمر يا اسمراني».

وفي كثير من ألحان تلك الاغاني، نجد أفكارا موسيقية شرقية، ممزوجة بروح الغرب، قدمها كمال الطويل في قالب عصري تميز بخيال موسيقي هائل، وبلمسات هارمونية دقيقة بارعة، فقد استخدم جملا موسيقية حديثة مغلفة بتوزيع أوركسترالي ممتاز، كما استخدم الآلات الغربية، كالغيتار والبيانو بشكل متقن مع الأوركسترا، مازجا بين روح الموسيقى الكلاسيكية الغربية العريقة والعصرية، مع احتفاظه بالطابع الشرقي في موسيقاه، وغير ذلك العديد من الميزات.

وفي أواخر الستينات، فاجأ كمال الطويل الجمهور بأغنية (يا واد يا تقيل)، والتي غنتها سعاد حسني في فيلم (خلي بالك من زوزو) فكانت نقلة واضحة في ألحانه.. وربما كانت محاولة خلق جو بعيد عن أغنيات الحرب.

وفي بداية السبعينات من القرن الـ20، قدم الطويل أغنية (خلي السلاح صاحي) التي لاقت نجاحا كبيرا، بأداء عبدالحليم حافظ، وذلك في عودة لنمط الأغاني الوطنية.

لكن، وبعد رحيل عبد الحليم حافظ، أصبح الطويل مقلا في انتاجه. وبدأ انسحابه من الحياة الفنية واتجاهه بالتدريج إلى الظل. فكانت له تجربة جميلة في فيلم يوسف شاهين (المصير) عبر أغنية (علي صوتك بالغنا)، وكذا كتابته الموسيقى التصويرية لمسلسل (هو وهي).