مساحة العمود الصحافي لا تشبه أية مساحة أخرى في الصحيفة، فهي حرة تعكس آراء وأفكار كاتبها حول عدة قضايا وموضوعات تهم المجتمع، وتناقش عدة أمور وظواهر، سواء أكانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، أو غيرها من مجالات لا تخلو من التخصص. وقد تساهم، عبر نشرها لفترة طويلة، في تغيير آراء من يقرأها، أو ربما تغير، ومن مرة واحدة، مفاهيم ومعتقدات بعض القراء، بشأن قضايا معينة.
يبقى لكل كاتب عمود في الصحافة المحلية، تجربة خاصة تتضمن ملامح وسمات المسؤولية الوطنية والدوافع المحفزة للكتابة، والتي قد تصطدم مع الخطوط الحمراء، وهذا إلى جانب تفاعل الناس، وتجدد الأفكار. عن هذه القضايا وغيرها، تحدث عدد من الكتاب لـ "مسارات" في هذا الاستطلاع.
كثيرا ما تنتج موضوعات العمود الصحافي، وتأثيراته، خلق نوع من العلاقة الوطيدة بين الكاتب والقارئ، خاصة عندما يحاكي أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم، من خلال تلك المساحة القصيرة والمكثفة.
"أشعر أن الكلمات أحجار بناء، وعليّ يومياً أن أختار حجراً، وأحمله وأشذبه وأجهزه لكي أضعه في مكانه المناسب، في ذلك الصرح العظيم الذي نتشرف بالانتماء إليه".
بهذه العبارة وصف الشاعر حبيب الصايغ، علاقته بعموده اليومي "ابن الديرة"، الذي يكتبه في صحيفة "الخليج". وأضاف الصايغ: "تعلمنا كيف يكون البناء على يدي الوالد القائد، المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، وما زلنا نتعلم على أيدي قيادتنا الرشيدة كيف يكون البناء.
ومن هذا المنطلق كل شيء يكون وقوداً للكتابة.. أنا أكتب عن كل شيء مهما بدا صغيراً، شريطة أن أشعر لحظة كتابتي حوله، أنه يصب في صالح الإمارات، شعباً وقيادة وتجربة عظيمة، أكتب مشيداً بكل خطوة مهما كانت صغيرة، شريطة أن تكون صادقة، موقناً أن الشكر حافز لهمم الرجال، وأكتب ناقداً لأن النقد يكشف الطريق أمام القلوب المخلصة فتمنح المزيد".
ويقف الصايغ عند حدود وضعها هو بشأن كتابة العمود الصحافي، ويقول بهذا الشان: "خطي الأحمر الوحيد هو الصدق والإخلاص في محبة هذا الوطن، ولا يضايقني سوى من يتوهمون أن هناك خطوطاً ملونة تحول دون المشاركة في بناء الوطن".
ويرى الصايغ ان ما يحدث يومياً، وطبيعة علاقته بموضوعات العمود الصحافي، حافز دائم للكتابة. ويشرح ذلك: "أستمد أفكاري من الحراك اليومي، وبلا شك فإن تفاعل القراء يمكن أن يكون حافزاً إلى المزيد من التجويد أو التطوير، وربما الخروج بأفكار جديدة".
وختم الصايغ: "الأفكار لا تبتعد إلا عن من يبتعد عنها، فالانشغال الصادق بالحراك اليومي كفيل بأن يخلق مئات الأفكار، وهنا تصبح الأزمة، أزمة اختيار بين بدائل ولا نقص في الأفكار".
حيز من الشفافية
الكتابة قبل أن تكون حالة إبداعية هي مسؤولية، هذا ما أكده صاحب عمود "صباح الخير" في صحيفة "الاتحاد"، الإعلامي علي العمودي. وأضاف: "إن كاتب الزاوية اليومية يخاطب المجتمع بأسره، بمختلف شرائحه ومكوناته، وهم بالتالي يقرؤون ما يكتب، ويتفاعلون معه، ومن هنا يستشعر الكاتب مسؤولياته الوطنية. وينطلق منها في مقارباته وملامسته لواقع وطنه ومجتمعه. .فالمسألة ليست صب كلام في زاوية محددة أو استغلالها لمآرب شخصية، أو تصفية حسابات، كما يعتقد البعض للأسف، فهم ينظرون إلى دور الكتاب".
وأما عن دوافع الكتابة، فهي كثيرة، كما أوضح العمودي، يقول في هذا الشأن": إن الكاتب فرد من أفراد المجتمع، ولديه إحساس مفرط بالمسؤولية، لذلك تحرك فيه هذه المسؤولية الدافع إلى أن يكتب عندما يرى خللا ما، خاصة في أداء بعض الجهات التي تصرف عليها الدولة بسخاء، وترصد لها من الموارد والطاقات، الشيء الكثير، ومع هذا نجد أن أداءها هزيل وركيك.. وهؤلاء ممن ينطبق عليهم قول المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام ". وتابع: "بالمقابل هناك الكثير من الأشياء الجميلة والإيجابية، علينا تناولها والإشارة إليها والإشادة بها، ذلك من منطلق التشجيع والترويج لها.. وبخصوص مساحة الحرية المتاحة، فنحن في وطن أنعم الله عليه بقيادة رشيدة حكيمة، أولت الرأي وأهل الرأي وكتابه، كل الرعاية والاهتمام، وتبرز أمامنا التوجيهات السامية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بعدم سجن أي صحافي لشأن يتعلق بمهنته.
وبالتالي ننطلق من مسؤوليتنا في تناول كل شأن عام، من دون تجريح أو إساءة أو تحريض، وهذه هي خطوطنا الحمراء التي هي على تماس مباشر مع مصالح هذا الوطن الغالي الذي يحتضننا، ويتسع لنا جميعا". ولفت العمودي إلى بعض النقاط المهمة: "توجد منغصات، ولا أقول مضايقات، من بعض المصادر التي لم ترتقٍ بعد الى مستوى الطرح المتقدم لقيادتنا الرشيدة.
فيما يتعلق بالحريات الصحافية، وهذه المصادر ما زالت تقيم في المربع الخاص بها من إعلام الإشادة بأشياء لا وجود لها سوى في مخيلتها، ولا تريد أن يتطرق أحد بالنقد لسلبياتها، على طريقة ليس بالإمكان أبدع مما كان. والشيء الجميل أن وجودها يتقلص مع اتساع حيز الشفافية التي تحرص على تعزيزه القيادات المواطنة الشابة، في مختلف مواقع العمل الوطني".
وانتقل العمودي الى الحديث عن تفاعل الجمهور مع عموده: "أجمل هدية لأي كاتب، مقدار التفاعل الذي يحظى به من متابعيه، فذلك زاده ومعينه وبوصلته التي تنبئه فيما إذا كان يسير على الطريق الصحيحة، وتؤكد الثقة بأن ما يكتب يستهوي قراءه ويعبر عنهم وعن مصالحهم. وقد أسهمت التقنيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، في تسريع هذا التفاعل الذي يلتقط منه الكاتب أفكارا .
إضافية للفكرة التي طرحها أو ناقشها، في زاويته في الصحافية أو المطبوعة، التي يكتب فيها". ولم يفت العمودي التاكيد على ضرورات مهمة، يجب توافرها لكتاب الأعمدة اليومية، وفي مقدمها تمتعهم بخصوصية في مدى قدرتهم على طرح أفكار جديدة، ويوضح مقصده هنا:" لا أقول هناك أزمة نفاذ أفكار، بل قد تتعسر ولادة الفكرة أحيانا، وهي حالة يمر بها كل كاتب صحافي.
وبالأخص كتاب الأعمدة اليومية، ولكن تظل في أفق الإبداع كوة يلتقط منها الكاتب فكرة يعيد تطويرها والبناء عليها، حتى ولو سبق له طرحها، فنحن في مجتمع دائم الحركة، وديناميكي الأداء، وهو يتجدد يوميا، مع إشراقه صباح كل يوم جديد".
عقلانية
بعنوان "مرافئ"، يكتب الأديب الامارتي علي أبو الريش، عموده اليومي في صحيفة "الاتحاد"، ويوضح ان علاقته بالعمود تعود إلى حوالي الثلاثين سنة، ويقول حول ذلك : "كتابة العمود اليومي التزام أخلاقي ووطني، تجاه القارئ، وتجاه الصحيفة، وهذا ما يحتاج من الشخص أن يكون متشبعا بقناعات لا تنضب، إلى جانب قدرته على عدم التفريط في تناول القضايا الاجتماعية والسياسية، فالعمود مسؤولية وليس مساحة لكتابة أي شيء".
وأضاف ابو الريش:" لا بد من أن يتناول كاتب العمود القضايا بعقلانية البعيدة عن الاستفزاز، واضعا الخطوط الرئيسة لتنبيه الآخرين حول أهمية ما يعالج من قضايا، فالكاتب يعيش في مجتمع لن يكون مجتمعا أفلاطونيا، بل سيكون مليئا بالثغرات والإيجابيات".
ويؤكد علي ابو الريش، انه بناء على تلك الركائز، يكون صدى العمود مختلفا بين الناس. ويشرح ذلك:" ان إدراك الناس غاية لا تدرك، ولكن الكاتب يكون موجها بعموده نحو قضية ما، وليس باتجاه شخص بعينه، ولهذا لا بد أن تحدث بعض المضايقات، ويقع فهم خاطئ لطبيعة العمود في بعض الأحيان، خاصة في المجتمعات العربية التي يعتقد فيها المسؤول بأنه مكتمل، وعند تناول قضية ما يعتقد بأننا تناولناه شخصيا".
"عندما ينشر العمود لن يعود ملكاً لكاتبه، وإنما ملكاً للقارئ". هذا ما يشدد عليه ابو الريش في حديثه عن تأثيرات ووظيفة العمود الصحافي، وشكل تفاعل الكاتب مع القراء. ويضيف:" قد يكون العمود الصحافي مستفزاً للقارئ، ولذلك علينا أن نتحلى برحابة الصدر، وان نستمع لكل الآراء، مثلما يستمع الآخرين لرأينا".
وأدت هذه القناعة عند أبو الريش، كما يشير، إلى أن يكون حاضراً دوما بين الناس، ويقول بهذا الخصوص:" يجب أن يكون الكاتب بين الناس وليس متعالياً عليهم، لا أن يبدو مجرد معلم أو محاضر للآخرين، فكاتب العمود يخرج من بين الناس الذين يعُتبرون مرآة له، ومن خلالهم قد يرى الكثير، مثلما يتعلم منهم أيضاً".
ويختم أبو الريش حديثه، مع تفسير خاص نحو انعكاس قدرته كأديب في كتابته للعمود، إذ يقول:" إن كتابة المقال تحتاج ثروة لغوية، مثلها مثل أي مجال إبداعي آخر، فالكاتب يجب أن يمتلك مقدرة لغوية تؤهله لترتيب العبارات وكتابة الجمل وتركيبها، كي لا تأتي ركيكة، وبالتالي لتؤدي غرضها. .
وأتمنى على كاتب العمود، أن لا يعتبر القلم في يده، سيفا يسلط على رقاب الآخرين، بل هو توضيحي، كما يجب عليهم أن لا يعتبرون أنفسهم قادة، وأن لا يتعالوا على الآخرين".
قضايا المجتمع والوطن
من منطلق مسؤوليتها الوطنية، تكتب فضيلة المعيني عمودها اليومي، في صحيفة "البيان"، بعنوان "كل صباح". وعن هذا قالت: "من منطلق مسؤوليتي المجتمعية والوطنية، أكتب وأطرح كل القضايا التي تهم المجتمع والوطن، فهذه مسؤولية الكاتب أمام كتاباته". وكشفت المعيني عن كل ما يمكن أن يحفزها للكتابة : "
كلما كانت القضية كبيرة، أكتب عنها، وأطرح أيضا القضايا العامة التي تعكس مجموعة من الحالات، خاصة الإنسانية والموجعة منها، فالألم يستفزني أن أكتب، خاصة ما يتعلق بتلك الأمور التي يضيع فيها حق الكثير من الناس، أمام تراخي الجهات المعنية".
وأشارت المعيني إلى ان قلم كاتب العمود، ليس متحرراً دائماً، بل قد يكون محدوداً أحياناً. وبينت طبيعة وتوصيف وحدود الخطوط الحمراء التي قد تحد قلمها: "أحاول، قدر الإمكان، أن لا أكتب في الأمور التي تثير النعرات، أو الأمور التي قد تفرق، مثلا كتبت ذات مرة، كتبت عن المؤسسة الوقفية، وهو ما أدى إلى حدوث ضجة كبيرة، ولهذا لم أعد أتناول هكذا مواضيع لا من قريب ولا من بعيد". وأضافت: " الخطوط الحمراء تنبع من داخلي، إلى جانب التزامي بقوانين النشر. كما أبتعد عن إثارة غبار لا يضيف شيئا لمجتمع".
تقول الزميلة المعيني: "العمود شكل لي صداقات، وبالمقابل، أدى إلى عداوات من قبل بعض المسؤولين، وهذا ما يجعلهم يستبعدونني عن فعاليات عديدة، وأحيانا عندما ترشحني الصحيفة، بناء على طلب دائرة ما، لحضور مجالس نسائية، أتفاجأ فيما بعد، أن اسمي غير موجود". وتقول فضيلة المعيني: " لا أقف عند هذه الأمور، فهذه ليست قضيتي،.
وتكريمي الأفضل والأشمل من القاعدة الجماهيرية، فهاتفي مفتوح على مدار الساعة، أرد على الناس الذين لديهم مشاكل، وكذلك الأمر بالنسبة للبريد الإلكتروني، الذي يصلني من داخل أو خارج الدولة". وتؤكد المعيني، ان التواصل مع الناس قد يكون رافداً للأفكار، وتضيف: " معظم الأفكار المطروحة من خلال الشكاوى التي تصلني من الناس، عبر (الايميل) أو الهاتف.
وفي العمود أيضا استعرض أمورا أكبر من الشكاوى، مثل تلك الأمور التي ألاحظها بنفسي، ولكن فرصتي أكبر، لأنني أتناولها في كتاباتي، التي تهدف أن توصل مشاكل الناس". وحين لا تجد المعيني أن تلك الأفكار المحفزة للكتابة، تتوقف وتشرح ذلك: "عندما تبتعد عني الأفكار، أتوقف عن كتابة العمود، وقد حدث هذا في بعض الأحيان".
تفاعل جماهيري
"إن مسؤوليتي الوطنية حاضرة قبل التفكير أو طرح أي فكرة في العمود". هذا ما استهل به الحديث عادل الراشد، كاتب العمود اليومي: "من المجالس" في صحيفة "الإمارات اليوم". وأضاف: "أثناء الكتابة لا بد أن تكون هذه المسؤولية حاضرة وبقوة، فكل ما يكتب يجب أن يحقق الفائدة للوطن والمجتمع، خاصة وأن الكاتب مسؤول أمام الله والوطن".
وكشف الراشد عن تلك الأفكار الموحية لعموده اليومي قائلا: "هناك أشياء كثيرة تستفز الفكرة، وهي متنوعة لها علاقة في تطوير الأداء، وهناك أشياء نطمح من خلالها، الوصول إلى الأفضل، وأحيانا قد تكون فكرة طريفة، وأحيانا أخرى يميل الكاتب إلى خاطرة.
أو يرغب في الكشف عن فكرة مسكون بها، لذلك يفضلها على فكرة أخرى، وقد لا يكون الأمر متعلقا بشأن وزارة أو جهة محددة، بل هي فكرة عامة تهدف الى إصلاح السلوك، أو ملاحظات على الوضع العام، أو فكرة إنسانية، أي حسب المشهد الذي يعيشه".
وتابع الراشد:" أكتب من ثلاثين سنة، وخلال كل تلك السنوات الطويلة، لم أتعرض لتوجيه، أكتب كذا ولا تكتب كذا، ولم أتعرض لمضايقات، فالهامش ذاتي، فأنا أعمل في إطار بيئة معينة، والكاتب المحترف يوصل أفكاره من دون استفزاز الآخرين، أو مجاملة أيضا". وأضاف: "الحرية الكاملة ليست موجودة في كل المجتمعات. ونحن كشرقيين لدينا خطوط حمراء، تحدنا أكثر من تلك الموجودة في الواقع".
وقال عن تفاعل الجمهور: "أستشعر عادة، التفاعل الذي ممكن أن يحدث. ولم أقرأ التعليقات التي تصلني، أجد أشياء إضافية على ما يقوله الكاتب في مجال معين، أو قد تصلني تجارب خاصة، أو معلومات تحقق لي الفائدة الكبيرة".
بين الفكرة واللغة
"أنا مقتنعة أن فعل الكتابة يجب أن ينطلق حرا من دون قيود، هذا ما أكدته السعد المنهالي، كاتبة عمود أسبوعي في الصفحة الثقافية في صحيفة "الاتحاد". وأضافت: "أرى أن المسؤولية الوحيدة التي علي أن استشعر بها طوال فعل الكتابة، الأمانة التي أوليت لي، ومنحتني هذه المساحة، والتي يجب أن أقابلها بأمانة فيما أطرح، وأناقش، وأمانتي بأن أكون نفسي لا غير..
وهناك أمر آخر يحدث أثناء الكتابة، وهو انتقاء الكلمات والجمل، التي يجب أن لا تكون صدامية بالمتعارف عليه في المجتمع، دون إضرار ذلك بالفكرة التي أرغب في طرحها، مهما كانت غير مقبولة مجتمعيا، فكل الأفكار يمكننا قولها وكتابتها، وليس هناك أي قيود فعلية على ذلك، غير أن الطريقة التي نطرح فيها هذه الفكرة أو تلك، المقياس الوحيد لنجاح الكاتب أو فشله.
وأوضحت المنهالي طبيعة الأمور التي تستفزها للكتابة: "نعيش الآن في وقت لم يعد فيه ما يستفز. غن الواقع التقني طوال الوقت، يقدم ما يمكن أن يفوق التوقعات، وهو ما يجعل حالة الاستفزاز شبه معدومة، ولذلك أجهد كثيرا لأجد شيئا خارج الصور والأصوات.
ذلك كي أنصت إليه أو أراه وأكون في حالة فرح شديد عندما أجده، وذلك كونه يوفر مساحات كبيرة للتأمل والحوار وتجديد الفكر والكتابة. وعادة ما أجد ذلك في تأمل النفس الإنسانية وعلاقاتها مع كل المتغيرات حولها، ففي هذه النفس بحر لا ينضب من أطياف لا حصر لها من التناقضات".
وتحدثت المنهالي، عن أهم ميزات العمود الثقافي: "إن اللغة أهم ما يميز هذا النوع من الكتابة، وهي وحدها المستخدمة بثرائها الذي من المفترض أن يعبرعن كل شيء، ولكن بجمل وصور منتقاة، ولعل قراء الأعمدة الثقافية مختلفون إلى حد ما، وأتوقع أنهم يمتلكون سعة صدر أكثر من غيرهم، ووعي لغوي وثقافي يميزهم عن غيرهم، ممن يفضلون المباشرة واللغة السهلة الدارجة".
وختمت المنهالي: "ان الصمت والقراءة هما المغذيان الرئيسيان لكتاباتي، فعندما لا أجد ما أكتبه، أعرف أنني تحدثت أكثر من اللازم، ولم أسمع جيدا، ولم أراقب التفاصيل حولي كما يجب، والقراءة منبع لا حدود له من الأفكار، سواء اقتنعت بما قرأته أو لا. فكلها محفزات للكتابة".
رسالة وقيمة فكرية وخلقية، أساس توجه العمود، حسب ما يرى ضياء الدين علي، كاتب العمود اليومي في الملحق الرياضي في صحيفة "الخليج"، إذ إنه، وحتى وإن كان عموده متخصصا في مجال معين، فإنه يصب في خانة أهداف كتاب الأعمدة. وأكد ضياء الدين علي، في بداية حديثه، ان همه وهاجسه أن يوصل رسالة، فيها جوانب تربوية، وأخلاقية لقضية ما.
ويتابع ضياء الدين علي:" قد أطرح مشكلة أشرك فيها القارئ، وأجعله في حالة بحث، فمن غير المعقول أن ينتهي من قراءة العمود، من دون أن يتبنى فكرة أو رأيا، أو من دون أن تصله رسالة معينة، أو تتشكل لديه قناعة معينة، وهذا من أهم أولوياتي في الكتابة.
. ان الخط الأحمر يبدأ من داخلي، وهو ما ينبهني الى ان لا أتجاوزه، وهذا يحدث، بحكم اعتبارات عدة، أخلاقية أو محكومة باطر الأعراف والقوانين التي قد ترتبط بسياسات التحرير، ولا يجب التمرد عليها، ذلك لأنها موجودة قبل وجودي في المكان".
و انتقل ضياء الدين علي الى الحديث عن تفاعل الناس معه:" أكتب الكثير من الأعمدة من خلال تفاعل الناس مع ما طرحته سابقا، إضافة إلى تفاعلهم وتعاطيهم مع الواقع الرياضي، وعندما ألاقي تجاوبا من القمة ( المسؤولين) إلى القاعدة أي الناس.
وبعبارة أخرى تجاوب ما بين صناع القرار والناس، أشعر بالسعادة، وتتعزز قناعتي في مواصلة النهج ذاته. وأضاف، شارحا هواجسه الدائمة: "هناك هم معين، يدفعني إلى البحث عن أكثر من فكرة مثيرة للجدل، ومحفزة للكتابة، في الوقت نفسه".
واما عن الركائز التي تحميه من الوقوع في شرك التكرار، فقال ضياء الدين علي: "أبحث دائما عن منطقة جديدة، لم يكتب فيها من قبل، فالأفكار المكررة تفقد بريقها، ولهذا أحاول الانفراد بالفكرة والموضوع، واستورد من داخلي رؤية إلهام في الساعة التي من المقرر فيها أن أكتب، بعد إطلاعي على الصحف اليومية".
وفي ختام حديثه، لخص ضياء الدين علي، رأيه في الأعمدة التي يقرأها: "سأركز على العمود الرياضي. وأنا أرى أحيانا، أن هناك مشكلة تلازم بعض كتاب الأعمدة، عند عدم تقديم رأي. بل توصف كتاباته كأنها مجرد (دردشة عابرة) أو تسجيل خواطر، أو قد يكتب المقال كأنه يكتب خبرا، وذلك في وقت يجب على كل من يكتب العمود أن يعي مسؤوليته، وان يكون مؤثرا في فكر القارئ".
