الإسلام في عيون المستشرقين

آرثر جون آربري.. الأميركي المتصوّف

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في هذة المقالات التي تنشرها «البيان» على مدى أيام رمضان المبارك، يقدم مستشرقون، ذوو مكانة علمية، شهاداتهم في فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوروبية الحديثة، في انتشارها من الأندلس غرباً إلى تخوم الصين شرقاً.

حيث أسهمت بكنوزها في الطب والكيمياء والرياضيات والفيزياء في قدوم عصر النهضة، وما صحبه من إحياء للعلوم. ينتسب هؤلاء المستشرقون إلى مدارس مختلفة، شرقاً وغرباً، عالجوا الحضارة العربية والإسلامية في أبهى تجلياتها من إعجاز القرآن الكريم إلى الآداب، ومن ثم إلى العلوم، ورؤوا في الإسلام ديناً متسامحاً وميداناً غزيراً للإبداع منذ عرف الغرب أكبر حركة ترجمة في التاريخ على امتداد قرنين، نقل فيها معظم التراث العربي وأمهات الكتب إلى لغاته، ما أتاح للثقافة العربية أن تدخل حضارة الغرب لتضيء الحياة الفكرية والعلمية.

ترجم القرآن والنفري وهام مع جلال الدين الرومي... أمضى آرثر جون آربري عاماً في القاهرة لدراسة اللغة العربية في 1931. وبعد زواجه عام 1932 عاد إلى مصر وعُين في كلية الآداب بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة اليوم) رئيساً لقسم الدراسات القديمة اليونانية واللاتينية، وبقي في هذه الوظيفة حتى عام 1934. وأثناء إقامته في مصر، زار فلسطين ولبنان وسوريا باحثاً عن المعرفة ومكتشفاً ما هو مجهول في تراثنا العربي الإسلامي. ولم تقتصر إقامته في مصر على الدراسة فقط بل قام بعدد من الأعمال في ميدان الترجمة، فقام بترجمة مسرحية «مجنون ليلى» للشاعر أحمد شوقي إلى الإنجليزية ونشرها عام 1933.

وترجم وحقق كتاب «التعرف إلى أهل التصوف» للبلاذري عام 1934. وبعد ذلك بعام، ترجم ونشر كتاب «المواقف والمخاطبات» للنّفّري. وفي السنة نفسها أصدر «فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الديوان الهندي»، ومن ثم «فهرست الكتب الفارسية» عام 1937. وتتابعت بعد ذلك أعماله في فهرسة المخطوطات العربية والفارسية. إن تأليفه لأكثر من مئة مؤلف في مجالات عدة أهمها الأدب العربي ومقارنة الأديان والدراسات الإسلامية كرس وجوده كأحد أهم المستشرقين الأنغلو ساكسونيين.

مشاركة الطلبة العرب في ترجماته

كان للمستشرق آربري علاقات وطيدة مع طلبته، بحكم إشرافه على دراساتهم وأطروحاتهم الجامعية. وكان يحرص على إشراكهم في ترجمة الشعر العربي، معترفاً بدورهم في الترجمة الدقيقة وضبط إيقاعاتها على الرغم من إيمانه باستحالة ترجمة الشعر.

وقد اختار القصائد المترجمة للشعراء العرب وفقاً لقيمتها الأدبية واللغوية، ومدى تأثر أصحابها واحتكاكهم بالغرب، وخاصة أولئك الشعراء الذين مثلوا تيارات التجديد الشعري من خلال تأثرهم بالمدارس الشعرية الغربية.

وتمثل ترجماته في وقت مبكر خطوة هامة في تاريخ العلاقة بين الأدبين العربي والغربي وخصوصاً في استخدام تقنيات الشعر الإنجليزي في الترجمة. وهو يعتبر إضافة إلى ترجماته عن اللغة الفارسية إلى الإنجليزية، من أوائل المستشرقين الذين عنوا بترجمة نصوص من الأدب العربي الحديث إلى اللغة الإنجليزية، وأصدر كتاب «الشعر العربي الحديث» جامعة كمبردج عام 1950.

ترجمة القرآن الكريم

في أوائل الخمسينات، قام آربري بترجمة «القرآن الكريم» في مجلدين، وطافت شهرة ترجمته لتميزها بدقة أسلوبها الأدبي، وسهولة تقبلها من الغرب في وقت كانت الأفكار الخاطئة هي السائدة عن حضارة الإسلام.

لذا انصبت جهوده على إنصاف الإسلام ومصادره، واعتبر الجهل عدواً حقيقياً لفهم الإسلام في أبعاده الكونية. ولم يكتفي آربري بترجمة القرآن الكريم بل أعطى رأيه فيه، وأدلى بدلوه وقارع المستشرقين الآخرين.

ومؤكداً على تناسق آياته في المعاني والدلالات.. وأشاد بالقدرة الإلهية التي أنزلت الوحي على النبي محمد (ص). ومن أجل تقريب صورة القرآن الكريم إلى أذهان الغربيين، قام بنشر آيات مختارة من القرآن الكريم تحت عنوان «القرآن المقدس». وحرص أن يضع في آخر الترجمة، فهارس للكلمات المهمة وأسماء الإعلام والأماكن.

وقد دافع آربري بقوة عن فصاحة القرآن وجماله وإعجازه وبلاغته. واعترف «بأن القرآن الكريم وحي من قوة خارقة وأن الرسول محمد تلقاه وحيا» مفندا مزاعم المستشرقين المغرضين.

وكتب في مقدمته للترجمة الإنجليزية قائلاً: «أحمد تلك القدرة الإلهية التي أنزلت الوحي على ذلك النبي محمد(ص) الذي كان أول من تلا آيات القرآن الكريم». ورّد آربري على دعوات بعض الغربيين الذين يروجون إلى «عدم ترابط آيات القرآن الكريم»، بقوله: «إن الآيات في كل سورة مترابطة في خيوط من الإيقاع المرن ووحي واحد متوافق داخليا إلى أعلى درجات التوافق». كما أقر المستشرق «بتأثير القرآن النفسي على الإنسان وتأثيره تأثيراً إيجابياً».

وأوضح «إن القرآن الذي نقرأه اليوم هو نفسه الذي جُمع في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وانه لم يحرف ويبدل». وهذا بحد ذاته رد على جمهرة من المستشرقين المتعصبين الذي لا يرون ذلك.

أول من نشر أعمال النفري

من المعروف أن المستشرق آربري تصدى إلى أهم عمل في الصوفية وهو «مقامات النفري، وقام بترجمة الأعمال الكاملة له في وقت مبكر أي في عام 1935.

وفي هذا الصدد يقول محقق أعمال النفري إلى اللغة العربية، قاسم محمد عباس: «من المعروف إن آرثر جون آربري هو أول من نشر كتاب «المواقف والمخاطبات» للنفري، معتمداً على مجموعة نادرة من المخطوطات.

وظن أنه نشر كل آثار النفري كاملةً، إلا أن اكتشاف مخطوطات أخرى في ما بعد أثبت إن ما فات آربري يقدر بحجم ما نشره تقريباً. وهناك الكثير من نتاج النفري الذي سيساهم في إكمال صورة النفري وتجربته الصوفية التي لم يطلع عليه آربري.

وكان العثور على مخطوطات جديدة في مكتبتي قونيا وبورسا أولو بداية لمراجعة نتاج النفري بأكمله. وعلى الرغم من كل الانتقادات التي وجهها الباحثون العرب والأجانب لترجمته وتحقيقه، فإن المستشرق آربري حقق ريادة لا مثيل لها في نشر هذا الكتاب الهام في تاريخ التصوف الإسلامي والذي أصبح مصدراً أساسياً من مصادر العلماء والمستشرقين.

وتمكن آربري من خلال معرفته الواسعة والمتنوعة أن يلقي الضوء على حياة النفري(«محمد عبد الجبار، المتوفي سنة 965)، مؤكداً في «المواقف والمخاطبات» ـ ترجمة سعيد الغانمي ـ على أن سيرته غامضة، بل هو شخصية في منتهى الغموض عبر تاريخ التصوف الإسلامي «.

وتتفرد حياته بغرابتها وغربتها عن كل حياة عاشها أهل التصوف «فهؤلاء القوم قد فضلوا الصوف على الحرير واستهانوا بالمال والنفوذ ليخلصوا أنفسهم من ضيق العبودية وهوان المداهنات والتزويرات ليعيشوا سعة الحرية في فضاء الحق والمطلق، فضاء الملكوت الإلهي الذي ينتقل فيه الإنسان من حالة التسافل إلى حالة التسامي، إلا إنهم عاشوا غربتهم وسط اجتماعهم يحيلون مرارة الفساد والخواء إلى حلاوة المكابدات والملاء».

هكذا قدم رؤيته للنفري، برؤية ثاقبة ظلت حيّة ودقيقة ومعبّرة على مرّ الزمن. وهي حقاً غامضة على كل الأصعدة؛ ولا تتوفر كثير من المصادر حول تفاصيل حياته إلا أنه من المؤكد أنه عاش في القرن الرابع الهجري، وعاصر محنة الحلاج.

ويعود الفضل إليه في اكتشاف كتاب النفَّري، ورحلته التي انطلقت عبر مسارات عديدة، أهمها الحرف الذي يحمل مسؤولية الأمانة الثقيلة، وترجم أقوال النفري: «الحرف خزانة الله، فمن دخلها فقد حمل الأمانة، والحرف دليل العلم والعلم معدن الحرف».

في سطور

آرثر جون آربري (1905-1969) ولد في مدينة بورتسموث جنوبي إنجلترا وبرز في دراسة التصوف الإسلامي والأدب الفارسي. أمضى آربري دراسته الثانوية في بورتسموث ولتفوقه حصل على منحة دراسية لدراسة الآداب الكلاسيكية (اليونانية واللاتينية) في جامعة كمبردج عام 1924. وحصل على المرتبة الأولى مرتين في الآداب الكلاسيكية المؤهلة للحصول على بكالوريوس الآداب.

وانكب على دراسة العربية والفارسية فدرس العربية على يد الأستاذ رينولد ألن نيكلسون سنة 1927 وتأثر به كثيراً. حصل على المرتبة الأولى مرتين في مواد الدراسات الشرقية (1929). ولتفوقه هذا منح ميدالية وليم براون، كما نال عدة منح أخرى واختير في عام 1931 زميلاً باحثاً في كلية «بمبروك» التي تخرج فيها.. زار مصر في عام 1931.

وبعد زواجه عام 1932 عاد إليها، وعُين في كلية الآداب بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة اليوم) رئيساً لقسم الدراسات القديمة اليونانية واللاتينية، وبقي في هذه حتى عام 1934. وفي عام 1944 عين آربري أستاذاً للغة الفارسية في «مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية» في إنجلترا .

إضاءة

تتخلص نظرية آربري في أكثر من مئة مؤلف في مجالات عدة أهمها الأدب العربي ومقارنة الأديان والدراسات الإسلامية واتخذ في ترجمته للقرآن مواقف في غاية الايجابية منها على سبيل المثال «اعترافه بأن القرآن الكريم وحي من قوة خارقة وان الرسول محمد تلقاه وحيا» مفندا مزاعم المستشرقين الحاقدين على الإسلام.

وأكد على تأثير القرآن النفسي على الإنسان بشكل ايجابي. وتعددت اهتماماه إلى ترجمة التراث الصوفي والأدب العربي متمثلاً بشعراء التجديد.

من آرائه

القرآن تحفة أدبية خالدة ليس لها مثيل في أي لغة أخرى.

يوجد ترابط عجيب بين آيات القرآن الحكيم

قالوا عنه

«كان آربري هادئ الطبع، صفي الضمير، يحبه كل من يعرفه، وكان مرهف الإحساس الشعري، رشيق الأسلوب، واسع الاطلاع على كل ما يتصل باهتماماته من أبحاث. وهو أشبه ما يكون بأستاذه نيكلسون: إنتاجاً وأخلاقاً وذوقاً أدبياً وجمال أسلوب. وقد أسدة آربري خدمة كبيرة إلى علوم الاستشراق من خلال ترجمة القرآن وتعريف الغرب على إعلام الفكر العربي أمثال: جلال الدين الرومي عبر ترجمته لبعض أعماله، وقام أيضاً بتقديم تفسيرات لرؤية محمد إقبال الإسلامية».

عمار صندوق

«تُعد ترجمة آربري من أهم الترجمات التي لاقت قبولا حسنا في أوساط المثقفين الغربيين لاسيما، تميزها ب«دقة الأسلوب الأدبي» بفضل العلم الغزير الذي بلغه هذا المستشرق في اللغتين الإنجليزية والعربية.

كما أنها تميزت عن الترجمات الاستشراقية الأخرى بالإنصاف تجاه مصدرية القرآن والنبوة المحمدية ناهيك عن خلوها من الافتراءات المغرضة بشأن مزاعم «تأليف الرسول للقرآن»، وهذا ما أعطى مكانة مرموقة لترجمته التي عُدت جديدة بكل معنى الكلمة.عبدالله الخطيب

مؤلفات

ــ ترجمة مجنون ليلى لأحمد شوقي

ــ التعرف على أهل التصوف للبلاذي

ــ المواقف والمخاطبات للنفري

ــ فهرس المخطوطات العربية

ــ في مكتبة الديوان الهندي

ــ فهرست الكتب الفارسية

ــ ترجمة جديدة للقرآن الكريم

ــ تفسير القرآن

ــ الغرائب السبعة

ــ ترجمة أعمال الرومي

ــ تفسير كتبات محمد إقبال

شاكر نوري

Email