منطقة الشندغة.. سرُّ الاسم الغامض(2-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكمل معكم ما بدأته، أمس، عن الحديث حول تعليل اسم «الشندغة» وهي المنطقة المشهورة في دبي، وقد كان فيها مسكن حكام دبي الأوائل وكذلك الأسر العربية العريقة، وذكرت أيضاً أنّ الاسم عربيٌّ وقد أبدلت القاف فيه غيناً، كما يفعل أهالي هذه المنطقة وفي مناطق أخرى من الخليج، إذ ليس في العربية مادة «شدغ»، وقد يسأل سائل إذا كانت الشندقة عربيةً، فما معناها والجواب: نحتاج إلى المتابعة والبحث في المعاجم وأسماء القرى العربية وأسماء الأعلام ودراسة عميقة في اللهجات العربية القديمة لكي نصل إلى أقرب هذه الاشتقاقات صحةً وقبولاً لأهل المعرفة، فأقول:

التعليل الأول: جاء في معجم لسان العرب:

«الشِّدْقُ: جانب الفم، وشدقا الوادي: ناحيتاه».

قلتُ: إذا نظرت إلى صورةٍ علويةٍ للشندغة فسوف تجد شكلها مثل شدق الإنسان، وإذا أردت أيضاً تحديد مكانها فسوف تجدها على ناحية من المدينة، ما يجعل هذا التعليل والاشتقاق قريباً إلى التصديق.

وقد يعترض معترضٌ، فيقول كيف أضيفت النون بين الشين والدال فيها؟ والجواب: بتتبع أساليب العربية القديمة، نجد أنّ العرب يضيفون النون في بعض المفردات كأنها غنة وبكثرة استعمالها تصبح كالحرف الأصيل في الكلمة، قال ابن منظور في لسانه:

«ومن العرب من يقول: حَنْظٌ وليس ذلك بمقصود إِنما هو غُنَّة تلحقهم في المشدَّد، بدليل أَن هؤلاء إِذا جمعوا قالوا حظوظ.

قال الأزهري: وناس من أَهل حِمْص يقولون حَنظ، فإِذا جمعوا رجعوا إِلى الحُظوظ، وتلك النون عندهم غُنَّة ولكنهم يجعلونها أَصلية، وإِنما يجري هذا اللفظ على أَلسنتهم في المشدَّد نحو الرُّزّ يقولون رُنز، ونحو أُتْرُجَّة يقولون أُتْرُنجة».

قلتُ: إذا كان فصحاء العرب وقع في كلامهم زيادة النون، فأحرى أن يزيدها من جاء من بعدهم من أهل اللهجات العامية كمثل عاميتنا هذه.

التعليل الثاني: وهو أضعف لدي من الأول، ولكن كما ذكرت، إنما هي محاولة للوصول إلى الاشتقاق الأقرب للمعقول، وعلى هذا فلنفرض أنّ النون أصلية أو أنها أضيفت فأصبحت كالأصلية في «شندق»، وبتتبع هذه المفردة في اللهجات العربية وما توافر لدينا من مصادر سوف نجد أنّ:

هناك أسماء أسر عربية كثيرة باسم شندق.

وهناك محلة تتبع محافظة تعز اليمنية تحمل اسم «شندق».

وجاء في شعر سيدي عبدالقادر بوخريص يصف حجّة الأمير المغربي إبراهيم بن سلطان عام 1226هـ فقال:

وَالْفَرْسَانْ امْحَرّْبِينْ وُمِيرْ الْحَجّْ الْغَازَرْ

يَتْقَدَّمْ يَا صَاحْ اللَّكْحَارْ مَا هَزُّ كُدَّارْ

وَشْنَادَقْ فَاْلحَرْبْ رَبْيَة فَكْتَافُو تَتْسَاخَـرْ 

وقد فسر الأستاذ محمد الفاسي في كتابه «معجم الملحون» كلمة شنادق في هذا البيت بقوله: «شندق: هو الصقر، ومعناه هنا الفارس المتمرس».

وجاء في لسان العرب: «الشندق اسم أعجمي معرّب»

ومن هذا كله نصل إلى أنّ شندق مفردة عربية منتشرة بين العرب في شرق البلاد العربية وغربها، وقد قام الفاسي بتقريب معناها وإن لم نجد لها أصلاً في كتب اللغة القديمة، خلا قول أصحاب المعاجم إنها معربة وقد عُلم أنّ المعرّب يأخذ حكم العربي في لغتنا الحبيبة.

وقد ذكر لي أحد أبناء العمومة، أمس، أن الشندغة قد تكون تحريفاً للشفدغة، وهي الضفدع في لهجتنا وفي الفصحى أيضاً، فقلبت الفاء نوناً وسميت بذلك فقلت: قد يكون ذلك ولكنه بعيد.

أما من تكلّف وقال إنّ الشندغة مفردة أعجمية مركبة، فإنه قد أبعد النجعة جداً وأخطأ سواء الرمية.. والله أعلم.

Email