وجهوا لها دعوة صريحة للتخلي عن سياسة الهيمنة

الجانب المظلم من الصهيونية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تكتسب هذه النوعية من الكتب أهميتها باعتبارها ليست من إصدارات الدعاية أو الشعارات السياسية التي تعمد إلى الانتصار لهذا الجانب أو ذاك، وخاصة على صعيد أهم قضية تستأثر بكل الاهتمام في منطقة الشرق الأوسط، وهي قضية فلسطين بطبيعة الحال.

إن هذا الكتاب يستخدم منهجاً من المصارحة العلمية المستندة إلى حقائق تجمع بين جذور العقيدة والسياسة الصهيونية، فيما يركز على تطورات ومآلات الصهيونية ودعاتها وزعاماتها في القرن العشرين، وخاصة خلال ملابسات الحرب العالمية الأولى في عام 1914 ثم صدور وعد بلفور في عام 1917، وصولاً إلى تجسيد وتفعيل الدعوة الصهيونية على شكل الكيان الإسرائيلي عام 1948 الذي قام -.

كما يؤكد المؤلف - ولا يزال يقوم، على أساس من العنصرية التي يصفها الكتاب بأنها أقرب إلى نوع من الفصل العنصري المستجد، أو سياسة وممارسات الأبارثيد البغيضة التي كانت متبعة خلال حكم المستوطنين العنصريين البيض في جنوب أفريقيا.

وبفضل هذا المنطق والمنهج الذي يتبع منطق المصارحة العلمية، وعبر الفصول الستة عشر التي تشكل قوام هذا الكتاب يؤكد المؤلف أنه ليس أمام إسرائيل وخاصة بعد إعلان شعار يهودية الدولة سوى التخلي عن اعتماد سياسة الأمن من خلال الهيمنة أو السيطرة أو قعقعة السلاح.

عندما أعلنت حكومة بنيامين نتانياهو شعار يهودية إسرائيل، بمعنى وصف الكيان الإسرائيلي المغتصب لأرض فلسطين في قلب الشرق الأوسط بأنه دولة خالصة لليهود، سارع الكثير من المحللين السياسيين في أميركا وغيرها، إلى رد سياسي مباشر أوضحوا فيه ما معناه أنه لم يعد يجوز لإسرائيل بعد الإعلان المذكور أن ترفع شعار - أو ادعاء - الكيان الديمقراطي، ناهيك بشعار أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط.

وفيما يسود إجماع - صحي كما قد نسميه - بين الدارسين والمراقبين الفاهمين على أن ليس ثمة عداء في المنطقة المذكورة ضد اليهود بمعنى البشر الذين يدينون بالعقيدة الموسوية المستندة إلى التوراة، فقد أصبح بديهياً تأكيد المعنى الذي يذهب إلى أن العداوة هنا .

إنما تنصرف إلى كون إسرائيل كياناً يجسد تيار الإمبريالية الجديدة على نحو ما يقول مصطلح العلوم السياسية بمعنى أنه واحد من كيانات وتيارات الاستعمار الجديد لكن القائم على أساس فرض نمط غريب وشرير من الاستيطان الاستعماري المدجج بسلاحين أحدهما القنبلة والمدفع والثاني هو العقيدة العنصرية التي يلخصها المصطلح الشائع التالي: الصهيونية.

هنا تقول حوليات التاريخ إن فكرة، بل نقول جرثومة الصهيونية، بدأت مع تفّرق شمل اليهود في أراضي الشتات - الدياسبورا كما يسمونها - على مستوى خارطة العالم ثم بدأت تتخذ منحاها ومن ثم تفعيلها وتجسيدها الاستعماري مع السنوات الختامية من القرن التاسع عشر، وبالذات مع انعقاد المؤتمر الصهيوني الشهير في بال السويسرية عام 1897.

ثم ازدادت اندفاعاً من خلال صدور «وعد بلفور» بشأن وطن، قومي لليهود في أرض فلسطين (2/11/1917).

وقد صدر الوعد المذكور ضمن فعاليات السياسة الأوروبية التي قصدت أيامها إلى نهب وتوزيع تركة رجل أوروبا المريض، كناية عن تفريق الغنائم الناجمة عن سقوط ومن ثم زوال إمبراطورية الأتراك التي حملت وصف الدولة - الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى (1914- 1918).

هكذا انتظرت الزعامات الصهيونية اليهودية نشوب الحرب الكونية الأولى للحصول على وعد إمبريالي بموطئ قدم على أرض فلسطين، وكان عليها بداهة أن تنتظر اندلاع حرب كونية ثانية على مدار الفترة 1939- 1945 لكي تضع هذا الوعد الاستعماري موضع التنفيذ.

وذلك من خلال ما أقدمت عليه بواسطة زعامات الإرهاب المنظم والمسلح (جابوتنسكي وبيغن وشامير أضرابهم) لإنشاء ما وصفوه بأنه دولة إسرائيل بينما يصفه كوكبة من علماء السياسة والتاريخ بأنه لا يعدو سرقة علنية لأوطان الآخرين.

ومن هذه الكوكبة مثلاً البروفيسور نعوم تشومسكي في كتابه الموسوم بعنوان «أباطرة وقراصنة» وكتابه الآخر بعنوان «مثلث الأقدار» عن: الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين.

ومنهم أيضاً المفكر السياسي أَلان تايلور في كتابه الشهير بعنوان «مقدمة إلى إسرائيل» ثم منهم كذلك البروفيسور مايكل بالومبو في كتابه الصادر بعنوان رئيسي هو: «الكارثة الفلسطينية» مشفوعاً بعنوان فرعي تجسده العبارات الدالة التالية: «عندما تم في عام 1948 طرد شعب من وطنه».

من منظور هذه الخلفية التي تمتزج فيما تحولات التاريخ مع تراجيديا السياسة، نطل على الكتاب الذي نعايشه في هذه السطور، وقد اختار له مؤلفه العنوان التالي: «الجانب المظلم من الصهيونية».

ومرة أخرى، يحمل كتابنا عنواناً فرعياً يجمع في مضمونه بين جانبي التفسير والإدانة في آن معاً، والعنوان الفرعي يمكن ترجمته على الوجه التالي: إسرائيل تسعى إلى الأمن (ولكن) عن طريق الهيمنة.

مؤلف هذا الكتاب هو الطبيب المفكر الأميركي الدكتور بياليس توماس.

16 فصلاً

ولقد نتصور أن دراسة مؤلفنا الطبيب لعلم التشريح في كلية الطب هي التي دفعته إلى تشريح قضية الصهيونية وخاصة في جانبها المظلم من حيث كونها في التحليل الأخير - وكما وصفتها الأدبيات السياسية العربية منذ ستينات القرن الماضي - بأنها حركة عنصرية عدوانية أرادها المستعمر لتكون سوطاً في يده يلهب به ظهر النضال العربي.

من هنا حرص مؤلفنا على أن يقسم كتابه بل أن يفصّله على مدار 16 فصلاً، يحمل كل منها دلالة خاصة من مجرد العنوان.

إن مؤلفنا يستند على مدار فصول الكتاب، وبشكل موضوعي، إلى العديد من الوقائع التاريخية وتُوثقه تصريحات وسلوكيات القيادات الإسرائيلية المتوالية.

وعلى أساس هذا النهج التحليلي يصل مؤلفنا إلى الخلاصة التالية: إن دعاة الطروحات الصهيونية في الماضي ومَن جاء بعدهم من زعامات الكيان الصهيوني الراهن في إسرائيل ظلوا يلتمسون أمن الكيان الذي أقاموه (على أرض فلسطين التاريخية) من خلال اتباع أساليب السيطرة والهيمنة العسكرية بحق السكان من أبناء الشعب الفلسطيني، الشعب الأصلي كما يصفه مؤلف هذا الكتاب.

أساليب الصهيونية الملتوية

وفي ضوء هذه الأحكام يخلص المؤلف أيضاً إلى تفسير الأساليب التي ما برح يتبعها قادة إسرائيل، كلما لاحت دعوات أو نجمت ضغوط في المنطقة ومن خارجها للمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

هنا تعرض فصول الكتاب لأساليب تجنب التفاوض على القضايا الجوهرية، ومواصلة الأساليب الملتوية التي طالما تراوحت بين التسويف والمراوغة والتعطيل فضلاً عن أساليب الترهيب والترويع واستخدام السلاح المدمّر (على نحو ما حدث مثلاً في عام 1956 ضد مصر ثم في عام 1967 ضد مصر وسوريا).

هنا أيضاً يخلص البروفيسور بياليس إلى أحكام يحرص على تسجيلها على النحو التالي: إذا كانت إسرائيل تنشد الأمن والاستقرار حقاً، فإن هذا الهدف لن يتحقق إلا بالتوصل إلى صيغة السلام باتفاق الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

ثم يقول أيضاً إن هذا السلام المنشود لن يجد سبيله إلى التفعيل والتحقيق إلا عندما تدرك إسرائيل أن عليها التخلي عن الاحتكام إلى السلاح، وأن هذا المنحى من التفكير والسلوك السياسي يوجب أيضاً على إسرائيل أن تكفّ عن التطلع إلى أمنها ولكن من خلال تهديد أمن الآخرين.

وأن في مقدمة عمليات أو إجراءات التخلي أو التوقف المطلوبة من ساسة إسرائيل، ما يتعلق - في تصور مؤلف هذا الكتاب - بالتراجع أو الكفّ التام عن مواصلة سياسة التمييز أو الفصل العنصري، أو على حد وصف المؤلف - سياسة الأبارثيد .

عن المؤرخين الجدد

على أن مؤلف هذا الكتاب يعد ضمن من أصبحوا يصنَفون في السياسة الإسرائيلية، وفي الدراسات الشرق أوسطية بشكل عام بأنهم المؤرخون الجدد.

ولذلك نلاحظ - كقارئين - أن مؤلفنا لم يتردد في اتباع ما قد نصفه بأنه عمليات الكشف والمصارحة بالنسبة لما سبق من التطورات التاريخية التي اجتازها مشروع الاستيطان العنصري الاستعماري في أرض فلسطين منذ عام 1948، وهو المشروع الذي رفع الشعار الصهيوني منذ ولادته على أساس أن الشعار ربما ينطلي على شعوب أوروبا.

بل والشعب الأميركي بالذات لأنه - كما يتصورون - ينصرف إلى إنهاء الاضطهاد التاريخي لليهود أو إيجاد مثوى أو ملجأ لهم داخل قطعة أرض في الشرق الأوسط، إلى آخر التعلّات التي ما برح اللوبي الصهيوني يسوقها في كل قطر، وخاصة في الولايات المتحدة.

من هنا فلا يزال معظم، حتى لا نقول جميع، أركان مدرسة المؤرخين الجدد في إسرائيل يأخذون أنفسهم بالكشف عن الحقائق إلى درجة المصارحة السياسية، ولو كان ذلك من باب الحفاظ على استمرارية إسرائيل ذاتها.

وعلى مهاد هذه المدرسة بكل طروحاتها، التاريخية الجديدة - كما نسميها - أصبح متداولاً مقولات ومصطلحات من قبيل «الدبلوماسية المسلحة» و«العنصرية المخففة أو المستترة» أو «الاستعمار الجديد في الشرق الأوسط» أو «تناقض القومية»، إلى جانب مصطلح إيكوبيس أو السلام البيئي.

وهو ما يرتبط بمستقبل شحة المياه الصالحة للاستخدام الآدمي وبانهيار نظم إدارة الموارد المائية الصالحة وهو ما يجعل السلام على أرض فلسطين هدفاً، في تصور المؤلف، لا من ناحية الملاءمة السياسية، ولا حتى من منظور الاستقرار كهدف لازم لخطط التنمية.

ولكنه يجعل من السلام ضرورة سوبر - حيوية على نحو ما يؤكد عليه مؤلفنا، ويوافقه على ذلك محللون كثيرون وفي مقدمتهم كاتب النيويورك تايمز المعروف توماس فريدمان الذي يرى في حل الدولتين آخر محطات القطار الذي لو فات موعده لدخلت المنطقة في مرحلة من متاهة الاضطراب باعتبار أنه القطار الأخير.

حيث إن المصدر الوحيد للأمن - كما يؤكد فريدمان - لا يتمثل في «جدران الفصل العنصري، ولا في الصواريخ ولا حتى في التصويت بالأمم المتحدة والتظاهرات الأوروبية، ولكنه يتمثل في علاقات من الثقة يتم إنشاؤها بين الطرفين».

المؤلف في سطور

الدكتور بياليس توماس أمضى من حيث التخصص المهني أكثر من ثلاثين عاماً منذ تخرجه في كلية الطب بجامعة نيويورك وكان ذلك في عام 1966. وبعدها استمرت ممارسته لمهنة الطبيب إلى جانب قيامه بالتدريس على مدار سنوات عدة في كلية أينشتاين للطب بالولايات المتحدة.

وبرغم دراساته وتخصصاته في مجال الطب، ظل يواصل اهتماماته بالدراسات والتحليلات السياسية، وخاصة ما يتعلق بالكيان الصهيوني وبتطورات ومستقبل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي في الشرق الأوسط.

هكذا تكلم دافيدسون

أبدى بروفيسور لورنس دافيدسون، الكاتب والمحلل الأميركي المعروف وأستاذ التاريخ بجامعة وست تشستر، اهتماماً كبيراً بكتاب «الجانب المظلم من الصهيونية» وكتب عنه يقول في مقال تحليلي مطول إنه يقدم للقارئ تحليلاً تاريخياً قائماً على الحقائق لسياسات إسرائيل، التي سعت لتحقيق أمنها عن طريق تخريب مقومات أمن الآخرين.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد دعمت إلى حد كبير هذه السياسات، وهو ما ينبغي أن يعاد النظر فيه على صعيد موضوعي.

الصراع على المياه يرسم ملامح الحروب المقبلة في المنطقة

 

نلاحظ في سياق تحليلنا لهذا الكتاب - أن المؤلف يولي اهتماماً خاصاً لما يصفه بأنه حروب المياه ويقصد بها طبعاً قضية الموارد المائية التي من المنتظر أن تنشب بشأنها نزاعات بين الطرف الإسرائيلي المستعمِر وبين الطرف الفلسطيني صاحب الأرض الشرعي، أو الوطن المغتصب إن شئت التدقيق.

والحاصل أن تزايد السكان في المنطقة بات يتطلب توسعات في الرقعة الزراعية، وخاصة ما يتعلق بإنتاج أنواع الأغذية اللازمة للسكان، وهو ما يقتضي بداهة تأمين المزيد من مصادر المياه العذبة، لاسيما وأن الكيان الصهيوني مازال مفتقراً إلى مثل هذه المصادر الحيوية.

والشاهد أن مؤلفنا يدرك من خلال متابعته للتاريخ القريب للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني كيف ظلت النزعة الاستعمارية غالبة على سلوكيات تلك السلسلة التي دخلت في تفاعلات بالتفاوض أو الاتفاق أو التنازع أو الصراعات بين الطرفين الصهيوني والفلسطينية إلى ما تم أخيراً من إعلان «يهودية الدولة».

يشفع للمؤلف طروحات كتابه بالإشارة إلى ظاهرة اعتماد الكيان الصهيوني - الإسرائيلي على قوى خارجية بقصد المساندة، وكأنما يراوده أو يتقمصه شعور دائم بأنه غريب أو دخيل على شعوب المنطقة وسكانها وتاريخها.

ويترجم مؤلفنا هذه الظاهرة على ما سبق من اعتماد المشروع الصهيوني على مؤازرة بريطانيا الاستعمارية التي كانت منذ أيام حرب 1914 تعمل على تقسيم المنطقة العربية - في جناحها المشرقي بالذات وهو ما فعلته من خلال عملائها المعروفين، وفي مقدمتهم كل من لورنس في شبه الجزيرة وأقطار الشام.

وجرترود بل في بلاد الرافدين، هنالك كانت لندن الاستعمارية تعيد ترتيب المنطقة من أجل إدامة سيطرتها الاستعمارية ونفوذها الإمبريالي، وفيما كان وزير خارجيتها في تلك الفترة هو لورد آرثر بلفور صاحب الوعد إياه، فقد كان وزيرها المسؤول في الأيام نفسها عن المستعمرات البريطانية هو ونستون تشرشل وكان من أكبر دعاة وسدنة النفوذ والسيطرة الإمبريالية على امتداد سنوات النصف الأول من القرن العشرين.

 عدد الصفحات: 267 صفحة

الناشر: مؤسسة لكسنغتون، نيويورك، 2014

Email