في مواجهة نظام إقليمي جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

وضع الرئيس الأميركي لمسة مميزة على أول جولة خارجية له حين خصصها للعواصم التي ترمز للديانات التوحيدية الثلاث، مشيراً إلى أن بناء الجسور بين الحضارات هو خيار إدارته.

النجاحات التي تحققت ببناء تحالف أميركي إسلامي واسع لمحاربة الإرهاب قد أرسى قواعد نظام جديد تجاوز منطقة الشرق الأوسط في شموليته وأرسى أسس طور جديد مع الولايات المتحدة.لم تتأخر الإدارة الأميركية الجديدة في مواجهة ما تعتبره أخطاء الإدارة السابقة ووجدت أن هناك ضرورة قصوى لعودتها للاهتمام بشؤون المنطقة التي تراخت علاقة إدارة سلفها بها مما ترك فراغاً خطيراً.

أعلنت واشنطن عن عزمها العودة للمنطقة بقوة عبر عمليتين عسكريتين في سوريا، أولهما قصف قاعدة الشعيرات الجوية وثانيهما قصف قوات موالية للنظام السوري اقتربت من مواقع قوات المعارضة المدعومة أميركياً في معسكر التنف.

الولايات المتحدة لا يزال لديها الكثير من المصالح الحيوية في هذه المنطقة كتأمين التدفق الحر لمصادر الطاقة وإزالة الإعاقات أمام التجارة الدولية في الممرات المائية وضمان عدم انتشار الأسلحة النووية ومكافحة الإرهاب ومواجهة العدوان الخارجي ضد حلفائها.

كما أن وجوداً فاعلاً لها يعتبر من أبجديات القوة العظمى لردم الثغرة بين حضورها السياسي الضعيف وحضورها العسكري الكثيف عبر قواعدها العسكرية المنتشرة في بلدان عدة.

عانى النظام الإقليمي العديد من التقلبات خلال العقود الأربعة المنصرمة التي أعقبت اتفاقية كامب ديفيد إذ لم تتغير معالمه بمجيء الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 إلا قليلاً، فالعداء للعالم العربي الذي اتسمت به مرحلة الحكم الشاهنشاهي لم يتخل عنه النظام الخميني الجديد بل عمل على جعله أداة للوثوب على هذا العالم حين وظف الانتماء المذهبي في السوق السياسي، وقد عمقت الحرب العراقية الإيرانية إلى حد بعيد معالم هذا العداء.

إلا أن هذا النظام قد تعكر صفوه كثيراً بالغزو العراقي للكويت الذي أحدث شرخاً في الإجماع العربي التقليدي حول القضايا غير الشائكة ولكن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 .

قد أنهى هذا النظام تاركاً للسنين التي تلت مهمة إنضاج نظام جديد وسط فوضى أملِت إدارة الرئيس جورج بوش الابن أن تكون خلاقة تسمح بنضوج نمط من العلاقات الإقليمية يدفع بالمنطقة إلى حالة استقرار أفضل وهو ما لم يتحقق. وقد أضاف الربيع العربي واندلاع الحروب المحلية هنا وهناك المزيد من الفوضى واللايقين حول مستقبل المنطقة مع تزايد فرص قيام حروب أوسع.

لم يعد ما نشهده من تنسيق أميركي - سعودي - خليجي - عربي - إسلامي مجرد إرهاصات على بزوغ نظام إقليمي جديد في منطقة الشرق الأوسط لمنع انحدارها نحو المزيد من الفوضى، فمستوى ما أنجز تجاوز ذلك إلى ما هو أوسع بسرعة قياسية مع مجيء الرئيس دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة.

مع أن الرئيس ترامب قد حقق نجاحات سياسية في المنطقة وهو ما يتفق مع توجهات الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونغرس بمجلسيه.

ونجح في توقيع عقود تجارية بمبالغ كبيرة جداً تنعش الاقتصاد الأميركي وتعزز من شعبيته إلا أن من المستبعد أن يقلل ذلك من حجم المتاعب الجدية التي يتعرض لها في الداخل.

حيث تطارده اتهامات بعرقلة التحقيقات الفيدرالية حول العلاقات المثيرة للشبهة لبعض كبار مساعديه مع روسيا أضيفت إليها أخيراً تهمة أخرى لا تقل خطورة وهي تسريب معلومات أمنية لا يجوز لغير بعض كبار المسؤولين في إدارته الإطلاع عليها لوزير الخارجية الروسي لافروف عند لقائهما في البيت الأبيض.

هي قضايا تمس الأمن القومي الأميركي ولا تقبل أي تهاون في التعامل معها، فالجمهوريون قد سبقوا الديمقراطيين في الإصرار على استكمال التحقيقات، في أجواء تعيد للأذهان فضيحة "ووترغيت" التي أطاحت بالرئيس نيكسون في سبعينيات القرن المنصرم.

 

Email