برلمان تقليدي.. مع مطالب ثورة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينتهي العام الجديد، ومصر تستكمل ـ رغم كل العقبات والتحديات ـ آخر مرحلة خطة الطريق التي تم إعلانها عقب ثورة 30 يونيو، التي تضمنت إعلان الدستور الجديد، ثم انتخاب رئيس الجمهورية، وأخيرا انتخاب مجلس النواب الذي تأخر بعض الوقت بسبب الظروف الأمنية التي واجهتها مصر وهي تقاتل الإرهاب الإخواني ـ الداعشي.

ورغم أي سلبيات في تشكيل مجلس النواب الحالي، فإنه جاء في الغالب كما توقعنا. فهو ليس برلمان الثورة، لكنه ليس برلمان الثورة المضادة!

الانتخابات التي أفرزته، جاءت بعدة ظواهر إيجابية، اذ إن كل التقارير التي أصدرتها المنظمات التي راقبت عملية الانتخابات، شهدت بنزاهتها وعدم التدخل في تصويت الناخبين أو تزوير إرادتهم.

الانتخابات تمت في ظل حالة من السيطرة الأمنية الكاملة. غاب الإخوان وأنصارهم عن المشهد تماما، وتمكنت قوات الأمن من إجهاض كل مخططات العبث بالأمن في فترة الانتخابات. وتلقت الجماعات الإرهابية في سيناء ضربات قاصمة مكنت الجهات المسؤولة من إجراء الانتخابات داخل محافظات سيناء في موعدها.

سجل الأقباط حضورا غير مسبوق في مجلس النواب بانتخاب 36 منهم لعضوية المجلس. وإذا كان قانون الانتخابات قد حدد 24 نائبا يأتون بنظام القوائم، فإن 12 منهم نجحوا بعد أن خاضوا معارك انتخابية شرسة سواء في الصعيد والأقاليم أو في قلب القاهرة.

كما تزداد أهمية هذا الإنجاز مع استمرار وجود فكر متخلف لا يمكن أن يتفق مع صحيح الإسلام الذي يدعو للمحبة والإخاء والتسامح، فمازال لدينا من يطلقون الفتاوى بغير علم، ويعتبرون تهنئة مواطنيهم المسيحيين بأعيادهم من الأفعال المحرمة.

أداء الأحزاب السياسية كان متواضعا للغاية، سواء منها الأحزاب القديمة مثل الوفد، أو الأحزاب التي نشأت بعد الثورة، وإذا كان حزب «المصريون الأحرار» الذي يرعاه الملياردير ساويرس قد احتفظ بالمقدمة بين الأحزاب، فإن عدد مقاعده لم يتجاوز 65 مقعدا في برلمان من حوالي 600 نائب.

والنتيجة أن أكثر من نصف عدد مقاعد البرلمان ذهبت إلى المرشحين المستقلين، وهو ما يشكل في حد ذاته إحدى العقبات أمام الأداء البرلماني. خاصة في البدايات وقبل أن يقرر هؤلاء المستقلون إلى أين يذهبون؟ وهل يحتفظون باستقلالهم أم يشكلون أحزابا أو تكتلات برلمانية جديدة؟

الظاهرة الأخرى التي برزت في انتخابات هذا المجلس هي ازدياد نفوذ المال السياسي بصورة هائلة تجاوزت كل الحدود التي عرفتها مصر من قبل. وإذا كان بعض أصحاب الملايين قد دخلوا بأنفسهم إلى المعركة الانتخابية وفازوا بمقاعد في البرلمان، فإن غيرهم فضّل أن يقوم بعملية تمويل الحملات الانتخابية لمرشحين يحتفظون بالولاء له أو للحزب الذي يرعاه أو يشارك في رعايته.

كانت مفاجأة الانتخابات هي ظهور بعض الأحزاب الحديثة وحصولها على عدد لا بأس به من المقاعد، وفي مقدمة هذه الأحزاب كان «مستقبل وطن»، الذي احتل المكانة الثانية بعد المصريين الأحرار بعدد من المقاعد يفوق الخمسين مقعدا، رغم أنه لم يعلن عنه إلا قبل فترة وجيزة والانتخابات على أساس أنه حزب الشباب الذي يرأسه شاب لم يجاوز الخامسة والعشرين.

لكن العدد الأكبر من نوابه الفائزين كانوا من كبار الموظفين المتقاعدين المدنيين والعسكريين، ومن نواب تقليديين بعضهم كان في الحزب الوطني، والحزب ـ كما أعلن رئيسه ـ يرعاه وينفق عليه بعض كبار رجال الأعمال وعلى رأسهم منافس عز في صناعة الحديد أحمد أبو هشيمة!!

ويبقى الأهم.. وهو تراجع نسبة التصويت في الانتخابات إلى 26% «وفقا للإحصاءات الرسمية»، ورغم أن جزءا من هذا العزوف قد يعود إلى أن هذه الانتخابات رقم 11 منذ ثورة يناير، إلا أن غياب الشباب كان هو الظاهرة الملحوظة والتي تستدعي تعاملا سياسيا معها، وحوارا مستمرا، وإجراءات لتصحيح بعض ما جرى من محاولات لضرب وحدة قوى الثورة، ومن حملات مشبوهة من وسائل إعلامية مملوكة لبعض رموز الفساد والتي تريد استعادة نفوذها القديم.

تبدو مشكلة مجلس النواب الجديد في طبيعة تكوينه، وفي غلبة عدد المستقلين، وتشرذم الكتل البرلمانية، وصعوبة تكوين الائتلافات بينها، وخاصة مع ضعف الخبرة البرلمانية والسياسية لدى العديد من أعضاء المجلس.

وقد كان البعض يخشى من قبل الانتخابات من وجود برلمان يدخل في صدام مع السلطة التنفيذية. خاصة أن الدستور الجديد يعطي البرلمان سلطة واسعة في إقرار الحكومة ومحاسبة أعضائها.. ويجعل السلطة التنفيذية شراكة بين رئيس الجمهورية والحكومة. لكن مجلس النواب بتشكيله الحالي لا يهدد بصدام مع السلطة التنفيذية، وتجتمع كلمة أعضائه في تأييد رئيس الجمهورية.

المشكلة إذا ثارت ـ ستكون بين المجلس والرأي العام (!!) فالمجلس يميل بتكوينه إلى اليمين، ويضم رموزا لطبقة رجال الأعمال التي ستدافع عن مصالحها، وفي وقت تحتاج فيه البلاد لسياسات اجتماعية أكثر عدالة وانحيازا للفقراء، ولسياسات اقتصادية أكثر تقشفا لمواجهة الأزمة والتخلص من العجز المالي، وستكون إحدى القضايا المركزية هي من يحمل أعباء الإصلاح الاقتصادي.

Email