أمن الدول العظمى وقضايا الخليج الداخلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، وجد أحد تقارير الأمم المتحدة الإنمائية أن أكثر الأخطار الخارجية التي تهدد الأمن القومي للدول الثماني الكبرى في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي هي ثلاثة:

غياب الديمقراطية، تمكين النساء، وتردي أوضاع المؤسسات التعليمية. هذه القضايا الثلاث كانت تسبب الكثير من القلق للدول الكبرى لأنها تنعكس على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي على أمنها القومي. فهل كان قلق الدول الكبرى مبرراً؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها دول الخليج وبقية دول الشرق الأوسط لمعالجة تلك القضايا؟

لا شك بأن الدول الثماني الكبرى (الولايات المتحدة - روسيا- الصين - اليابان - كندا - بريطانيا - فرنسا - وألمانيا) لديها جميعا مصالح استراتيجية واقتصادية مشتركة في منطقة الشرق الأوسط عامة..

وفي منطقة الخليج بصورة خاصة. تلك المصالح تشمل النفط والغاز والتجارة ومصالح استراتيجية وسياسية أخرى. ولذا فإن علاقتها مع دول المنطقة تتمحور حول حماية تلك المصالح. ولكن كيف تؤثر تلك القضايا الداخلية على أمن الدول الكبرى؟ وماذا فعلت دول الخليج خاصة لمعالجة تلك القضايا؟

القضية الأولى هي غياب الديمقراطية والتي تعني ليس فقط صناديق الانتخابات والتمثيل السياسي وإنما المزيد من الحريات المدنية التي يمكنها أن تنتج حرية التعبير والوعي بالحريات المدنية الأخرى وتقبل الانفتاح على الآخر.

هذه القضايا يمكنها متى ما وجدت أن تفعل الكثير من إنتاج ذهنية تتقبل الآخر وتتعايش معه وأن تقلل من الإرهاب والأصولية اللذين يؤثران على مصالح الدول الوطنية ومصالح الدول العظمى.

كما يأتي ملف الحريات المدنية وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي المثير للجدل على قائمة أولويات الدول العظمى عندما تنظر إلى مسار الإصلاح في منطقة الخليج. حكومات الخليج كانت مدركة لتأثير تلك القضايا على أمنها الوطني وعلى أمن الجوار الإقليمي والعالمي.

وقد عمدت إلى تبنى العديد من الإصلاحات السياسية بهدف تحسين الأداء، ولكن بالنسبة لشعوب الخليج فإن شكل الحكومات ليس مهماً بقدر ما تكون تلك الحكومات قادرة على تلبية احتياجات المواطنين والإيفاء بمتطلبات الحياة التي يريدونها. فثورات الربيع العربي، مثلاً، تمحورت جميعها ليس حول الإصلاح السياسي كغاية وإنما كهدف لتحقيق قضايا معينة مثل الإسكان والتوظيف ومكافحة الفساد ووقف القمع الأمني.

لذا فإن مجتمعات الخليج لن تسير في المستقبل القريب في نفس المسار الغربي للديمقراطية الغربية. القضية الثانية وهي تحقيق جودة التعليم. ولا شك بأن هناك اهتماماً متنامياً في دول الشرق الأوسط وفي دول الخليج العربي بالارتقاء بأوضاع التعليم ومراجعة المناهج وتخليصها من كل الرواسب التي تؤثر على جودة مخرجات التعليم.

ولا شك بأن هناك اهتماماً حقيقياً في الخليج بتحقيق جودة التعليم عن طريق الاهتمام بالمؤسسات التعليمية وبمخرجات العملية التعليمية والتي تؤدي في المدى الطويل إلى التقليل من الكثير من القضايا مثل البطالة والإرهاب والقيم التي تؤدي في المدى الطويل إلى تفريخ الإرهاب والأصولية التي تؤثر ليس فقط على مصالح الدول الوطنية وإنما على مصالح الدول العظمى.

القضية الثالثة وهي تمكين المرأة. فالناظر إلى الأدبيات الغربية ووسائل الإعلام الغربية يجد بأن هناك اهتماماً كبيراً بوضع المرأة في الشرق الأوسط عامة وفي دول الخليج بشكل خاص. فالمرأة الخليجية من المنظور الحقوقي الغربي امرأة محرومة من الحقوق في مجتمعات يغلب عليها الطابع الذكوري. كما أن مساهمتها في الحياة العامة وفي صنع القرار السياسي قليلة متدنية للغاية.

هذا الوضع يؤدي في النهاية إلى ظهور العديد من قضايا التخلف والجهل والأمية التي تؤدي إلى التأثير سلبا على أمن الدول الوطنية وعلى أمن الدول العظمى. دول الخليج بذلت جهودا جبارة خلال العشر سنوات الماضية لتحسين وضع المرأة وتمكينها مجتمعياً وسياسياً. بالإضافة إلى ذلك فقد كانت هناك رغبة حقيقية في داخل بلدان الخليج لإشراك المرأة في الحياة العامة.

لم تكتف الدول العظمى بتقديم الاقتراحات للدول المعنية بمعالجة هذه القضايا عن طريق إعطائها أولوية في برامج حكوماتها، بل تدخلت في الكثير من الأحيان للمساعدة في تنفيذها. فقد عمدت الدول الكبرى إلى تقوية الشراكات والتحالفات مع بعض من دول المنطقة. فمثلاً نرى الولايات المتحدة وقد قوت من تواجدها العسكري في مياه الخليج. كما أن الصين تحاول الاستفادة من تلك الخلفية الثقافية والاقتصادية التي تجمعها مع دول الخليج العربية.

 أما بالنسبة لروسيا فإنها دخلت في منافسة كبيرة مع الولايات المتحدة للحصول على جزء من الكعكة. أما بالنسبة للدول الأخرى فإن كلاً منها لديه أجندة بشأن تطوير علاقاته عبر الشراكات الاقتصادية لضمان مصالحها الاستراتيجية.

كما عمدت الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى بناء شراكات مع الأطراف الإسلامية المعتدلة بهدف رعايتها ودعمها بهدف الترويج للإسلام المدني المعتدل. وفي النهاية فإن الأقوياء يفعلون ما يريدون والضعفاء يفعلون ما يجب عليهم فعله.

 

Email