اللغة العربية في جامعات أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحظى اللغة العربية باهتمام كبير في دول العالم، فيتعلمها الكثير من أبناء تلك الدول، وتفتح جامعاتها معاهد وأقساماً لدراستها، وينشط الأساتذة في تدريسها والبحث فيها، ويقبل عدد متزايد من الطلبة على تعلمها والتخصص فيها.

وقد أتاحت لي المشاركة في مؤتمر عن اللغة والثقافة العربية أقامته إحدى الجامعات البولندية، أن أشهد واقع دراسة العربية وتدريسها في دول شرق أوروبا. لا أريد التطرق هنا إلى مراكز اللغة العربية وأقسامها المشهورة في بريطانيا وعواصم أوروبية مختلفة، فهذه الجامعات تتلقى دعماً كبيراً من حكوماتها ومصادر أخرى، وتحصل على اهتمام إعلامي أكثر.

أود هنا أن أقدم للقارئ نبذة عن اللغة العربية في مدن أخرى من بولندا، والأقسام التي تدرسها، وطلبتها وأساتذتها ومكتباتها ونشاطاتها وحاجاتها، فهذه الأقسام تغرق في عتمة المجهول أو ربما التجاهل.

أقام المؤتمر معهد اللغات واللسانيات التطبيقية في جامعة كازيمير العظيم (بالبولندية Kazimierz Wielki وتنطق كازميرش فيلكي)، في مدينة بيدغوتش شمال بولندا.

وكانت محاضرات المشاركين عن جوانب مختلفة من لغة العرب وثقافتهم وتاريخهم، بتمكن ومعرفة واقتدار، ووجدت لديهم حباً للغة العربية، وتفانياً في التعمق والبحث فيها والترجمة منها. ومن محاور المؤتمر: تحليل الحاسوب للغة العربية، وترجمة الأدب العربي إلى البولندية، ودراسة مقارنة للترجمة إلى العربية والبولندية، ودور النساء في حكم قرطبة، والإسلام في بولندا.

في زيارتي هذه تكونت عندي صورة واضحة عن العربية في هذه الجامعة، وكان من خلال الاتصال والنقاش (باللغة العربية) مع أساتذة بولنديين من جامعات أخرى شاركوا في المؤتمر، أن تكونت عندي كذلك فكرة عن اللغة العربية في جامعاتهم، ومنها جامعة آدم ميتسكيفيتش في مدينة بوزنان، التي تأسست عام 1919 ويبلغ عدد طلبتها 50 ألفا، منهم 1300 طالب دكتوراه.

وفيها تدرّس العربية في قسم الدراسات العربية وفي معهد اللسانيات أيضاً، وكذلك جامعة كوبرنيكوس في مدينة تورن، التي تأسست عام 1945 وفيها 80 تخصصا و12 برنامجا للدكتوراه، وفيها تدرّس اللغة العربية في قسم اللغة والثقافة العربية في كلية الآداب.

أما في جامعة كازيمير التي تأسست عام 1969، فتدرّس اللغة العربية في معهد اللغات واللسانيات التطبيقية. وقد وجدت نشاطاً وحماساً لدى طلبة القسم وأساتذته، وكنتُ قد دُعيت بعد المؤتمر لإلقاء محاضرة في المعهد عن جانب من جوانب اللسانيات العربية، فكان الأساتذة يغمرهم الحماس والفرح لتمكنهم من عقد المؤتمر وتنظيم هذه المحاضرة، ووجدت الطلبة متلهفين للاستزادة من اللغة العربية.

لكنني وجدت أن الآفاق أمامهم ضيقة ومواردهم محدودة، فالمكتبة تحوي عدداً قليلاً من الكتب باللغة العربية وعنها، فلا يكون اتصالهم بعلوم العربية بما يساعدهم على التطور العلمي والبحثي في اللغة. كذلك يفتقد الطلبة فرصة التواصل والحوار اليومي باللغة العربية، فتقتصر مقدرتهم على قراءة العربية وكتابتها فحسب.

ولم يكن الأساتذة طليقين في الحوار بالعربية إلا لأنهم مكثوا في البلدان العربية مدة كافية، ضمن اتفاقيات التعاون بين حكومتهم وبعض الحكومات العربية، ولم يكن كتاب بحوث أحد المؤتمرات ليصدر إلا بدعم من سفارة إحدى الدول العربية في بولندا.

بيد أن مستوى هذا التعاون والدعم بسيط جداً وتأثيره محدود، وليس له وقع في دفع دراسة اللغة العربية وتطويرها في هذه الجامعات وجامعات أخرى مثلها لا ندري عنها شيئاً، في بولندا ودول أوروبية أخرى.

تحتاج اللغة العربية في هذه المؤسسات إلى مساندة ومساعدة حقيقية، من حكوماتها أولاً، وبالتأكيد من الحكومات العربية والمؤسسات التعليمية في الدول العربية، وجامعة الدول العربية والمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ومراكز البحوث والمكتبات الوطنية واتحادات الأدباء، ومعارض الكتب ودور النشر والمؤسسات الإعلامية والباحثين العرب.

ويمكن أن يكون مثل هذا الدعم والتعاون باتفاقيات تبادل ثقافي مع هذه الجامعات، واستقبال طلبة اللغة العربية وأساتذتها فيها، في إطار التعاون العلمي وتوفير فرص التدريب لهم، والتبرع بالكتب والدوريات، ودعم نشر البحوث وكتب المؤتمرات، فمن غير ذلك تواجه جهودهم في تعلم اللغة العربية وتدريسها مصاعب جمة.

إن ما يبذله هؤلاء الأساتذة وطلبتهم في دراسة اللغة العربية وبحثها والتخصص فيها وإقامة المؤتمرات لدراستها، يستحق كل تقدير وثناء وإعجاب، وما يمكننا أن نقدمه لهم مهما كان حجمه ومستواه، ليس إلا مساهمة بسيطة من أهل اللغة لدعمها ومساعدة محبيها ليتقدموا في دراستها وتدريسها وإنجاز بحوثهم فيها.

 

Email