الاتحاد المغاربي.. إلى أين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ناقشت ندوة "المغرب العربي والتحولات الإقليمية الراهنة"، التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات يومي 16 و17 فبراير الجاري في العاصمة القطرية الدوحة، الإصلاحات السياسية والدستورية في المغرب العربي، مشاريع التنمية والعلاقات الاقتصادية، تداعيات الربيع العربي على المنطقة، أزمة شمال مالي وتأثيراتها الإقليمية، الاتحاد المغاربي وإدارة الأزمات، الاتحاد المغاربي والسياق الإقليمي والدولي، والمغرب العربي والمشرق العربي.. سياقات متداخلة.

وجاءت الندوة في الوقت المناسب، حيث إنه بعد مرور أكثر من عامين على الربيع العربي، وبعد التغييرات التي حدثت في كل من تونس وليبيا، لم تتغير الأمور قيد أنملة بالنسبة للاتحاد المغاربي، وأقل ما يقال عن هذا التجمع إنه أصبح جسماً بلا روح وفقد سبب وجوده.

تفاءل كثيرون بالربيع العربي وبالتغييرات التي شهدتها كل من تونس وليبيا، وزحف الإسلاميين على البرلمان في المغرب، وحراك سياسي نحو التغيير والقطيعة مع الفساد في كل من الجزائر وموريتانيا. فالكل كان ينتظر ربيعاً لاتحاد المغرب العربي، ومستقبلاً زاهراً لشعوب المنطقة. فهل ستستفيد دول المنطقة من هذه الأحداث لترى اتحاد الشعوب الذي يحقق التكامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي؟ هل سيساعد النظام الجديد في كل من تونس وليبيا، في إيجاد استراتيجية جديدة لبعث الاتحاد وإخراجه من حالة الاحتضار التي يعاني منها إلى حالة من النشاط والحيوية والتعاون والتكامل بين دوله؟

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، بعد تسلمه الحكم زار دول المنطقة، وأعلن عازماً ومتفائلاً وحازماً أنه سيغير مجريات الأحداث، وسينفخ الروح في الاتحاد المغاربي، ووعد بقمة مغاربية في سنة 2012، لكن شيئاً لم يتجسد في الميدان. فما زال الاتحاد المغاربي يحتضر، وأصبح يفقد يوماً بعد يوم حتى أسباب ودواعي وجوده.

أيعقل أن نتكلم عن اتحاد مغاربي والحدود مغلقة بين أكبر دولتين في الاتحاد تضمان فيما بينهما ما يقارب 80 مليون نسمة؟ هل يعقل ألا تتجاوز التجارة البينية بين دول الاتحاد 4%؟ ماذا عن الربط الكهربائي؟ ماذا عن سكة حديدية تسافر عبرها شعوب المنطقة من الرباط إلى نواكشوط مروراً بالجزائر وليبيا وتونس؟ ماذا عن التعرفة الجمركية؟ ماذا عن التكامل في المجال الزراعي والصناعي؟ ماذا عن التعليم العالي والبحث العلمي؟ والقائمة تطول، وشعوب المنطقة طال انتظارها في عصر التكتلات والكيانات الإقليمية. فالاتحاد عجز حتى عن تنظيم كأس الاتحاد المغاربي لكرة القدم، للدول أو للفرق الفائزة بالكأس أو البطولة.

المنطق يقول إن التغييرات التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة، تبشر بالخير وتؤشر لربيع على مستوى الممارسة السياسية والديمقراطية وصناعة القرار. وإذا شاركت الشعوب المغاربية في الفعل السياسي، فإنها من دون أدنى شك ستعمل على التكامل بين الدول الخمس، بما يعود بالفائدة على المنطقة برمتها. فالمنطقة مؤهلة بثرواتها وخيراتها ومواردها المادية والبشرية، للنجاح والتكامل الاقتصادي. بطبيعة الحال كل شيء يتوقف على نجاح المرحلة الانتقالية في كل من تونس وليبيا، وعلى إرادة السياسيين وصناع القرار في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا، لخدمة شعوبهم بدلاً من الاستثمار في الخلافات والوضع الراهن.

فالاتحادات والتحالفات بين الدول نجحت بفضل الديمقراطية، ونجحت بفضل الحكم الرشيد والاستغلال الأمثل للثروات المادية والبشرية في كل قطر على حدة، ثم في الأقطار المتحالفة والمتحدة مجتمعة، والاتحاد المغاربي بحاجة إلى دول مغاربية قوية في الحكم الراشد والديمقراطية والتواصل الفعال بين القمة والقاعدة. نجاح الاتحاد يتوقف على نجاح كل دولة على حدة فيما يتعلق بالمجتمع المدني، والفضاء العام والأحزاب السياسية، والنظام الإعلامي الحر والمسؤول، والفصل بين السلطات والقضاء العادل... الخ. لقد حان الوقت بالنسبة لدول المنطقة، كي تحارب الفساد وإهدار المال العام وعدم الاستغلال الرشيد للثروات المادية والبشرية.

لقد حرك الربيع العربي المياه الراكدة، ووجه إنذاراً شديداً للأنظمة التي ما زالت بعيدة عن شعوبها وعن الواقع، وما زالت تعاني من فجوة كبيرة بين آليات الحكم التي تمارسها وواقع الشعوب.

لكن بعد مرور سنتين على الربيع العربي، ما زال الاتحاد المغاربي يحتضر، وما زالت أسباب أفوله تتفوق على أسباب نجاحه. فرغم تحديات العولمة وتربصات الاتحاد الأوروبي بالدول المغاربية، والتنافس الأوروبي الأميركي على المنطقة، نلاحظ أن دول المغرب العربي لم تدرك حتى الساعة، أو بالأحرى لم تنجح في وضع آليات عملية للتكامل الاقتصادي وللعمل المشترك، من أجل إقامة كيان موحد يستطيع أن يواجه التكتلات المختلفة في العالم. القضية الصحراوية وتعقيداتها ما زالت الصخرة التي انكسرت عليها كل محاولات العمل المشترك بين دول الاتحاد، وهذا يستوجب دراسة هذه المشكلة وحلها في أقرب الآجال، بطريقة ترضي الجميع من أجل مصلحة الجميع.

في دول الاتحاد نلاحظ أن طاقات هائلة، سواء أكانت مادية أم بشرية، غير مُستغلة بطريقة جيدة، فالقرار لا يُتخذ بطريقة مدروسة وعلمية والسلطة بعيدة عن هموم ومطالب الشارع. فالفجوة إذن، كبيرة بين السلطة والجماهير، فكيف تنجح هذه الدول في تحقيق عمل مشترك وهي عاجزة على تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها؟

ومن دون تكامل اقتصادي ودون تبادل في مختلف المجالات بين شعوب المنطقة، لن يُكتب النجاح للاتحاد المغاربي، وسيبقى بذلك جسداً بلا روح. دول الاتحاد المغاربي بحاجة إلى وقفة مع الذات، لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. التغيير لا بد منه، ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار. فمستقبل الاتحاد المغاربي يكمن في تحرير المواطن المغاربي، وإعطائه إمكانيات الابتكار والإبداع والتميز، حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره.

لقد حان الوقت لتعي دول الاتحاد المغاربي أنها أمام اختيارين لا ثالث لهما؛ إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية والتخلي عن الآليات السلطوية التعسفية البالية، أو القبول بالموت البطيء للاتحاد المغاربي والعمل المشترك، والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالمنطقة. فالسلطة الحقيقية تكمن في الشعب، وليس في أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع. الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع دول الاتحاد، بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر، وعلى مستوى العلاقات بين دول الاتحاد، بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية، في إطار نظام مغاربي متكامل، يقوم على الديمقراطية واحترام الشعوب بالدرجة الأولى، واحترام الدول الأعضاء.. دون مزايدة ولا مساومة.

 

Email