الحوار بين العرب والغرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمر أمتنا العربية بمرحلة تاريخية، تفتح فرصة كبيرة لتحسين شروط وقواعد الحوار العربى مع الغرب، وبنائه على أسس جديدة تضمن مصالحنا. فالأعوام القليلة الماضية ثم الثورة المصرية والتونسية، أسقطت مقولات غربية طالما استخدمت منذ الحادي عشر من سبتمبر ‬2001.

فعلى سبيل المثال، سقطت أسطورة إسرائيل الدولة «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، ليس فقط بعد أن ترسخت الديمقراطية التركية، وإنما أيضا لأن الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة، وقفت بوضوح ضد الثورات العربية التي قامت من أجل الحرية. فإسرائيل تعتبر الديمقراطية في مصر مثلا خطرا عليها. صحيح أن أيا من القوى السياسية في مصر لا تنوي إلغاء اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل تعلم يقينا أن أية حكومة ديمقراطية مصرية، ستتخذ من المواقف ما هو دون إلغاء الاتفاقية، ولكن يعبر عن هوية مصر وعن النبض الشعبى فيها ويحمي أمنها القومي، بدءا مثلا بعدم الصمت على جرائم إسرائيل، ووصولا لحصار غزة وإلى تصدير الغاز لإسرائيل.

أما المقولة الثانية التي سقطت، فهي التي كانت تزعم أن الغرب يريد بناء الديمقراطية في العالم العربي، لأن النظم القمعية فيه تفرخ الإرهاب، بل وتستخدم قضية إسرائيل لصرف انتباه شعوبها عن مشاكلهم الداخلية. والحقيقة أنه بمجرد اندلاع الثورة المصرية، انكشف النفاق الغربي في تلك القضية. فالغالبية الساحقة من الدول الغربية التي كانت لا تكف عن إعطائنا دروسا في الديمقراطية وحقوق الإنسان، اتخذت موقفا إما محايدا إزاء الثوار أو موقفا مؤيدا لنظام مبارك.

والحقيقة أن الحياد هنا معناه الانحياز للنظام، كما سنرى حالا. فعلى سبيل المثال، بينما غيرت أميركا موقفها على مدار الساعة، فإنها ظلت حتى اللحظات الأخيرة تتخذ صف نظام مبارك. ففي حين قالت هيلاري كلينتون في بداية الثورة إن «النظام مستقر ويسعى للاستجابة لمطالب الإصلاح»، قال نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إن «مبارك ليس دكتاتورا». ثم جاء للقاهرة سفير أميركا الأسبق لدى مصر، فرانك وزنر، مبعوثا خاصا لأوباما، في أوج الثورة والمطالبة برحيل النظام، ليخرج من اجتماعه مع الرئيس المصري السابق، قائلا إن «مبارك لا بد أن يظل في السلطة في هذا التوقيت، حتى يقوم بتسهيل عملية انتقال السلطة». وبينما كان الثوار في كل ميادين مصر وشوارعها يطالبون بـ»التغيير»، ظلت الولايات المتحدة الأميركية بكل رموزها تتحدث حتى اللحظة الأخيرة عن «الإصلاح».

ولم يختلف الموقف البريطاني كثيرا عن الموقف الأميركي، فبعد أن ظل المتحدث باسم الخارجية البريطانية في الأيام الأولى لا يقول ـ مهما سئل ـ سوى أن بلاده «تتابع الموقف عن كثب»، فإن وزير الخارجية البريطاني، خصوصا بعد موقعة الجمل الشهيرة، قال إن «على الطرفين ضبط النفس وعدم اللجوء للعنف»، دون أن يشرح لنا متى بالضبط استخدم الثوار العنف حتى تتم معاملتهم على قدم المساواة مع النظام!

أما الحكومتان الألمانية والنمساوية، فقد طالبتا بـ»حوار» بين النظام والمعارضة والسعي نحو «إصلاح جدي»، وهو بالضبط ما كان يقوله وقتها النظام في مصر، لا الثوار. هذا بينما هددت فرنسا، بعد استخدام العنف ضد المتظاهرين، بالتوقف عن تصدير قنابل الغاز المسيل للدموع إلى النظام المصري. أما الخواجة توني بلير، فقد قال لا فض فوه، إن «الغرب لا ينبغي أن يشعر بالإحراج لأنه قام بدعم مبارك رغم سلطويته، وذلك لأنه حافظ على السلام مع إسرائيل»، وكأن الشعب المصري ليس له الحق في الحياة طالما أن ذلك في صالح إسرائيل!

والحقيقة أن كل تلك المواقف الغربية السلبية إزاء الثورة المصرية، بالغة الدلالة وتثبت ما كنت قد كتبته هنا مرارا، من أن حديث الغرب عن الديمقراطية هزلي ويستخدم فقط للي ذراع النظم السلطوية، لترضح لمطالب لا علاقة لها بالديمقراطية أصلا. لكن هذه المواقف الواضحة من الثورة المصرية، لا يمكن بعدها لأية دولة غربية أن تزعم أن قلبها على الديمقراطية والحريات في بلادنا.

أكثر من ذلك، فإن هذا الموقف الغربي من الثورة في مصر، قد أسقط مقولة أخرى روج لها غربيون منذ أحداث سبتمبر ‬2001، وتزعم أن المشكلة بين الدول العربية والعالم الغربي هي مشكلة ثقافية ودينية، ومن ثم لا بد من إجراء حوار عربي ـ أوروبي وعربي ـ أميركي، يركز على الأبعاد الثقافية والدينية. وقد انطلقت فعلا حوارات من هذا النوع، وتكررت ولم تفض إلى أي شيء. والسبب الرئيسى في أن تلك الحوارات لم تكن مثمرة، هو أن المقولة التي بنيت عليها مقولة فاسدة أصلا.

فالمشكلة في العلاقة بين الغرب والعالم العربي، في جوهرها مشكلة سياسية في المقام الأول، وليست ثقافية ودينية. وفي القلب من تلك المشكلة السياسية؛ القضية الفلسطينية واحتلال الأراضي العربية عموما، وموقف الغرب من كل ذلك. وقيام الحوارات على أساس ثقافي ديني فقط، هو أجندة غربية بامتياز، فهو يحقق للطرف الغربي أهدافا ثلاثة؛ أولها ضمان بقاء العلاقة بين العرب وإسرائيل عبر تبين مواقف كل القوى والتيارات الثقافية والسياسية في بلادنا، وثانيها محاولة التوصل لحلول لمشكلة هجرة العرب والمسلمين لبلادهم، فضلا عن شغلنا بحوارات هدفها الرئيسي وضعنا في موقف الدفاع إزاء الهجوم على ثقافتنا التي هي عندهم «مصدر كل الشرور». لكن الأجندة العربية يتم تجاهلها تماما، وهي المتعلقة بموقف دول الغرب السلبي من الاحتلال وسكوتها عن جرائم إسرائيل، ودعمها للاستبداد طالما يحقق مصالحها، فضلا عن نفوذها السياسي والاقتصادي الذي يدفع اقتصاداتنا نحو فجوة هائلة بين الأثرياء والفقراء.

ومن هنا فإن سقوط كل تلك المقولات، يفتح الآفاق لإعادة ترتيب أوراقنا، والتأكيد على أن الحوار الذي يحدد أجندته طرف بمفرده، ليس حوارا وإنما مضيعة للوقت.

 

Email