تجدّدت تحذيرات الخبراء والاختصاصيين في واشنطن، من إمكانية حصول عمليات سطو أو تهريب للمواد النووية الجاهزة الموجودة في غير بلد، والمخزنة في مستودعات تفتقر إلى صمامات أمان تكفل حمايتها وضمان عدم انتقالها إلى أيدٍ عابثة قد تستخدمها لتهديد الأمن والسلام الدوليين. فالعالم يمر في مرحلة انتقالية متقلبة. الكبار منشغلون بإعادة التموضع في المعادلة الدولية الجاري تكوينها.
يطغى على علاقاتهم الارتياب وحجز الحصص والمواقع أكثر من التعاون والتكافل إزاء القضايا التي تمس السلم العالمي. والأمم المتحدة ما زال دورها يعاني من الهبوط والضمور. فهي حاضرة ومغيّبة في آن. كل ذلك حمل مرجعيات في هذا الشأن إلى دق ناقوس الخطر والعودة إلى تصويب الأضواء إلى هذا الخطر باعتباره لا يحتمل التأجيل، مهما كانت أهمية وأولويات اللحظة عالية وحساسة.
وكانت قضية هذه المواد قد بدأت تشغل، منذ فترة، المعنيين بالملف النووي الدولي. خاصة في أعقاب ما كشفت عنه "الوكالة الدولية للطاقة النووية"، التي رصدت تكرار فقدان كميات من هذه المواد وتداولها أكثر من ألفي مرة منذ نهاية الحرب الباردة.
منها الخام ومنها المخصّب. حجم الأرقام فرض التحرك وإطلاق الدعوات للتباحث في الموضوع. فعقدت قمم ولقاءات دولية لهذا الغرض. لكنها بقيت، كغيرها من المؤتمرات الدولية الحرجة، عاجزة عن التصدي بفعالية لهذا الملف الخطير. في أحسن أحوالها بقيت تزحف بأقل من سرعة السلحفاة نحو وضع ترتيبات وموجبات ملزمة لضبط عالم النوويات. على الأقل ضمن حدوده الراهنة بحيث لا يحكمه الانفلات الذي يتعذر، لو حصل، لملمة عواقبه المدمرة.
تطويق الذيول
كان التخوف قبل هذه المرحلة، محصوراً بنقل المعلومات والتقنيات المتعلقة بتصنيع القنبلة، من البلدان المالكة لها إلى البلدان الطامحة بامتلاكها. ودار حينذاك، التركيز في هذا المجال على كوريا الشمالية وباكستان وعالمها النووي الشهير عبد القادر خان. جرى إلى حدّ بعيد تطويق الذيول، بفعل تضافر عوامل متعددة. أكثر من دولة كشفت عن مشاريعها أو أوقفتها مثل جنوب أفريقيا أو تخلت عنها، مثل الحالة الليبية المعروفة.
بعد التفكك السوفيياتي، ضعفت الضوابط. الوكالة الدولية رصدت كثيرا من عمليات التهريب. والباقي ضاعت آثاره، حسب تقارير ومعلومات استخبارية. ثم وقع حدث 11/9 الإرهابي. معه أخذ الموضوع شحنة كبيرة من الزخم، وضعته في مرتبة الأولويات الضاغطة.
تنادى المعنيون والمتخوفون إلى التشاور. أدّت الاتصالات إلى انعقاد قمة واشنطن عام 2010، بمشاركة 47 دولة، انتهت مداولاتها حينذاك إلى اعتبار هذا الأمر من أبرز تحديات الأمن الدولي في الوقت الراهن. وقد تمّ ترحيل الملف إلى قمة سيؤول التي عقدت في مارس الماضي، بمشاركة 53 دولة، والتي دارت كغيرها في حدود الخطوات المتواضعة، مثل التشديد على إجراءات الحماية والتعجيل في وضعه موضع التنفيذ.
عدم الالتزام
وعلى الرغم من الطابع "الإجباري " لتوصيات الوكالة الدولية، بقي الالتزام بها دون المطلوب. لكن الوقت يمر والخطر يتزايد. هناك حوالي 4 ملايين باوند حوالي الفي طن من اليورانيوم المخصّب والبلوتونيوم المنفصل، في العالم "، جاهزة للتصنيع الحربي.
كما قال ريتشارد بيرت، الرئيس الأسبق لفريق التفاوض الأميركي حول الأسلحة النووية مع السوفيات، في ندوة هامة نظمتها مؤخراً مؤسسة بروكينغز للدراسات بواشنطن حول خطر انكشاف المواد النووية. ويضيف "إذا ما عرفنا أن تصنيع القنبلة يحتاج فقط إلى 40 باوند " من اليورانيوم 235 او البلوتونيوم 23"، فإن الكمية المتبقية منها في العالم، خارج الرؤوس النووية المنشورة، يقاس حجمها بمئات الأطنان.
نظام الرقابة الحالي لا يضمن الحماية التامة لها. الوصول إلى مقادير منها، يهدّد بمضاعفة خطر انتشار سلاح الدمار الشامل. " فهذه المواد باتت في أساس هذا الخطر الذي لا تصح مكافحته إلا بنظام حماية جديد يغطي كافة المقادير المخصّبة، ويشمل جميع الدول التي تحوذ على هذه البضاعة ويكون له قوة الإلزام " كما شدّد الخبير جان لودال المستشار في "المبادرة لمواجهة التهديد النووي" والذي شارك في الندوة.
من الملاحظ في الآونة الأخيرة تزايد تحذيرات الأوساط الأميركية الدافعة باتجاه التعجيل في التصدّي للعبء النووي، سواء من بوابة الحدّ من هذا السلاح أو من باب السعي لضبط منافذ انتشاره وإحكام القبضة على مواده الجاهزة. الملفان الكوري والإيراني ساهما في تحريك هذا الموضوع. ويلقى طرح أوباما الصفري النووي المزيد من التأييد في صفوف الخبراء المعنيين. فلا تستقيم مكافحة الانتشار مع سياسة الكيل بمكيالين. خاصة تجاه إسرائيل التي "بات وضعها مشكلة" كما قال الخبير بيرت.
