الطرفان، إيران من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى (وبالطبع روسيا)، معنيان بمد الزمن؛ إيران كي تواصل في الخفاء تقدمها نحو الهدف النووي، وأميركا وحلفاؤها كي لا تضطر إلى اتخاذ قرارات غير مريحة.

الصحافة الأجنبية تحولت في السنوات الأخيرة إلى مركز مفضل من السياسيين الإسرائيليين للانطلاق لمناكفة الحكومة. فهذا العمل لا يعتبر مخالفة (والأحرى أيضاً لا يمكن منعهم من القيام به في عصر الانترنت)، ولكن يجدر بالناس المسؤولين ان يتفكروا قبل ان يعطوا العنان للجدال والخلاف.

ضربة اقتصادية

في الأسبوع الماضي نشر في "وول ستريت جورنال" مقالاً موقعاً من رئيس الموساد السابق مئير دغان ومجموعة محترمة من رجال الاستخبارات، الجيش والدبلوماسية الأجانب. المقال لا يستخف بالخطر المحدق من إيران نووية بل ولا يستبعد صراحة هجوماً عسكرياً (وإن كان ينطوي على هذه الرسالة) إلا أن الادعاء هو أنه يمكن منع السباق النووي الإيراني (والمس بالعناصر السياسية والعسكرية التي تديره) من خلال "ضربة اقتصادية قاضية للنظام، بما في ذلك القطع النهائي والمطلق للبنوك الإيرانية عن المنظومة البنكية العالمية، فرض حظر مطلق على الاستثمارات وعلى الصفقات التجارية مع طهران، منع نقل البضائع الإيرانية من قبل شركات السفن الدولية، فرض عقوبات أليمة على شركات التأمين التي تعمل مع الإيرانيين".

موقعو المقال على وعي بضعف العقوبات الحالية ("التاريخ يثبت بأن أنصاف الخطوات لن تدفع النظام الى تغيير الاتجاه")، ولكنهم لا يعطون الرأي بأنه حتى في جملة العقوبات الأكثر شدة توجد ثقوب وأنه الى ان تعطي نتائج ايجابية ما، إذا ما أعطت أصلاً، فإن الجياد ستفر من الإسطبل.

تخفيف القيود

في هذه الأثناء، فإن الزعماء الذين اجتمعوا في "مؤتمر الدول الصناعية" في كامب ديفيد، قرروا توسيع الثقوب في الشبكة والتخفيف من القيود على ايران في موضوع توريد قطع الغيار للطائرات المدنية والمساعدة الفنية لصناعات النفط (كل هذا في تضارب تام مع توصيات دغان ورفاقه).

لدغان وللموقعين الآخرين على المقال حقوق وسمعة كبيرة، ولكنهم لم يعودوا منذ زمن بعيد يوجدون في قائمة النشر الاستخباري لبلدانهم. دغان خبير بالأساليب وبالتنظيم بحكم خبرته العسكرية والاستخبارية وكمن ترأس قسم التنظيم في الليكود. ولكن خسارة أنهم لم ينصتوا إلى ما قاله مؤخراً رئيس شعبة الاستخبارات المنصرف، اللواء عاموس يادلين (كلما واصلوا بالهذر إلغاء إمكانية الهجوم العسكري، هكذا ستقل نجاعة العقوبات).

سيناريو آخر

بالمناسبة، يمكن وصف سيناريو مغاير عن ذاك الذي يتوقعه المقال، ويوجد لذلك سوابق تاريخية: اليابان شنت في العام 1941 حرباً على الولايات المتحدة أساساً لأنها استنتجت بأن الطوق الخانق اقتصادياً الذي أغلقته عليها (بسبب العدوان على الصين وبسبب المس بالمصالح الأميركية في شرق آسيا) من شأنه أن يؤدي إلى أفولها كلاعب رئيس في الملعب الداخلي. يحتمل إذاً أنه بنقيض النقيض إغلاق كل الأبواب المفتوحة أمام إيران للعالم، بالذات سيدفع زعماء ايران باتجاه الحرب (بينما يكون تفوق "الضربة الأولى" في أيديهم). اليابانيون في حينه أيضاً اعتُبروا عقلانيين، ولكن كان بين زعمائهم، بمن فيهم من قاد الحملة على بيرل هاربر، من عرف أنه في نهاية المطاف يدهم ستكون هي الدنيا، ومع ذلك لم يمنعهم هذا من اتخاذ قرارهم الهدام.

أطراف المعركة

الأنباء الحالية عن "التفاهم" وعن "الحلول الدبلوماسية" في المفاوضات على الموضوع النووي، والزيارة المفاجئة لرئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران، هي على ما يبدو جزء من هذه المعركة. الطرفان، إيران من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى (وبالطبع روسيا)، معنيان بمد الزمن؛ إيران كي تواصل في الخفاء تقدمها نحو الهدف النووي، وأميركا وحلفاؤها كي لا تضطر إلى اتخاذ قرارات غير مريحة. ومع أنه لا ينبغي التقليل من أهمية مقال دغان ورفاقه ولكن يحتمل أن يندموا لاحقاً على أنهم كتبوه.

إضاءة

فريد زكريا

جهات عديدة في الإدارة الأميركية تجتهد كي تُخرج الريح من أشرعة الخيار العسكري، سواء لاعتبارات موضوعية وشرعية أم لأسباب تتعلق بالانتخابات وبسعر النفط (مع ان الغالبية المطلقة من الأميركيين تؤيد بالذات الضربة العسكرية). كما أن المحلل السياسي الشهير، فريد زكريا، الذي تُكتب مقالاته احياناً بالهام من مقرري السياسة في واشنطن، كتب الأسبوع الماضي يقول إنه مع أن إيران هي مثابة تهديد فقد كان هناك "في السنوات الأخيرة مبالغة منهجية في تقدير حجومه".