من الملاحظ أن الرئيس الأميركي أوباما منذ توليه الحكم، ورغم ضعفه المعروف أمام العرب والمسلمين، إلا أنه لم يجرؤ ولا مرة واحدة على انتقاد إسرائيل، وخاصة في مجال الاستيطان الذي ينتقد الجميع إسرائيل فيه، ويُسهل أوباما على إسرائيل بإعراضه عن التنديد بسياستها الاستيطانية الانزلاق في منزلق دحض خطير.
موسم الانتخابات
إن موسم الانتخابات في الولايات المتحدة وكأن الأمر مفهوم من تلقاء نفسه، هو موسم جيد بصورة مميزة لإنشاء مستوطنات في الضفة وضرب جذور في أحياء يهودية في شرقي القدس. يقرأ الرئيس المرشح تقريرا عن إنشاء بؤرة استيطانية جديدة للمُجلين عن ميغرون ويدس في فمه حشوة أخرى. وتسمع وزيرة الخارجية بتوسيع حي جبل أبو غنيم وتطلب إلى المتحدث أن ينشر النبأ التقليدي المتعلق بخطة غيلو وجبل سليمان وفندق شبرد ورأس العامود.
«وماذا نقول لصحفي طلب تحديثا يتعلق بذلك الشأن، كيف يُسمى ذلك؟ آه، اجل، مسيرة السلام»، تذكر المتحدث في طريقه نحو الباب، «قال شيئا ما عن أن الموعد الأخير الذي حددته الرباعية لعرض مواقف الطرفين من الحدود والأمن قد انقضى الأسبوع الماضي وان الوثيقة الإسرائيلية تُذكر بقائمة حانوت أكثر مما تُذكر بمواقف». وتتنهد الوزيرة وتقول: « قُل للحوح انه لا يوجد الآن من يُتحدث معه ولتعد إليه بعد انقضاء العيد».
حل الدولتين
هذا ما تفعله إدارة أميركية تريد خير إسرائيل. أحقا؟ ألا يعلم باراك اوباما أن حل الدولتين وتوسيع المستوطنات في قلب المناطق المحتلة هما متناقضان؟ ألا يفهم أن الزحف الدائم لجبل أبو غنيم نحو بيت لحم ودخول اليمين المتطرف إلى الشيخ جراح يرميان إلى محو ما بقي من احتمال تسوية مقبولة في القدس؟ هل يؤمن بأنه يوجد زعيم فلسطيني مستعد لإجراء تفاوض مع إسرائيل في الوقت الذي يُحرق فيه زعران يهود إذا لم يكونوا مشغولين بطرد الفلسطينيين عن أرضهم، يُحرقون المساجد أو يقطعون أشجار الزيتون؟ هل غاب عن نظر زعيم العالم الحر أنه حينما يتحدث بنيامين نتنياهو عن دولتين فإنه يقصد فلسطين من غير غور الأردن وغوش عصيون وغوش اريئيل وغوش معاليه ادوميم، وبغير ذرة واحدة من ارض شعفاط المقدسة إلى الأبد؟
الرئيس الأسود
ليس اوباما أعمى ولا أخرس ولا أحمق. بل انه مجرد سياسي آخر أدار ظهره للقيم التي نشأ عليها والناس الذين آمنوا به من اجل البقاء في الحكم. في كتاب البروفيسور بيتر باينرت «أزمة الصهيونية» يبسط قصة الرئيس الأسود الذي ترعرع داخل جماعة يهودية وخان أبطاله الأخلاقيين: ابراهام هيشل وستيفن فايس وهما حاخامان صهيونيان ليبراليان تجرءا على التنديد بسياسة الاستيطان وتمت تنحيتهما إلى الهامش.
ويصف باينرت كيف نحى اوباما مستشارين ذوي مواهب مثل دان كيرتسر وروف مالي لم يُخفوا خوفهم من جعل إسرائيل دولة ثنائية القومية أو ذات نظام فصل عنصري. ويرسم الكتاب الخط اليميني الذي رسمه «زعماء» يهود لم يُرشحوا قط للانتخاب في الجماعة اليهودية، للرئيس الذي فاز في الانتخابات بتأييد 78 في المائة من أصوات اليهود.
مقاطعة المستوطنات
إذا كان الاستاذان جون مارشهايمر وستيفن وولت قد اتهما جماعة الضغط اليهودية بالإضرار بالمصالح الأميركية فان كتاب باينرت الشجاع يتهمها بإفساد المصالح الصهيونية. ويتحدث الليبرالي الصهيوني من نيويورك كيف صارع مشتغلون حزبيون باحثون عن الكرامة تجميد المستوطنات وكيف جند متبرعون مُنتشون بالقوة اعضاءا من مجلس النواب الأميركي لمواجهة البيت الأبيض الذي تجرأ على انتقاد نتنياهو. ويُحذر باينرت أيضا من الابتعاد العاجل لأبناء الجيل الشاب في الجماعة اليهودية عن إسرائيل المحتلة التي هي دولة ليست قيمها قيمهم.
وهو يقترح على اليهود الذين تخفق في صدورهم قلوب صهيونية حقيقية أن يقاطعوا منتوجات المستوطنات (وان يُجهدوا أنفسهم في شراء منتوجات إسرائيل)، وان يعملوا على مواجهة صناديق أميركية تمولها وان يستبدلوا بتعبيري «يهودا والسامرة» و«الضفة الغربية» تعبير «إسرائيل غير الديمقراطية».
الغسيل القذر
في مطلع أكتوبر 1973 كتب ضابط استخبارات في القيادة الجنوبية هو النقيب سمان طوف بنيامين تقارير حذرت من أن استعداد الجيش المصري يشهد بإعداد للحرب. وكانت كارثة يوم الغفران فقط هي التي منعت دخول الضابط الشاب السجن بسبب «سلوك غير مناسب تحت النار». ويتجرأ الكاتب الأميركي باينرت على أن يغسل على رؤوس الأشهاد الغسيل الإسرائيلي الوسخ، أي المستوطنات ويندد بالرئيس الأميركي الذي يمنح إسرائيل مادة التنظيف. ويُحذر باينرت من الكارثة الكبيرة التي تكاد تحدق بأرض الميعاد.
