في السنين القريبة حينما ستجابه إسرائيل الحاجة إلى اتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية في الموضوعات المركزية للأمن القومي، ستفعل ذلك في واقع يزيد تعقيده على ما اعتادته في العقود الأخيرة، كثيرا. وهذا التعقيد هو نتاج الزعزعات الحادة في الشرق الأوسط التي حظيت بعنوان «الربيع العربي»، والتي حدثت وبين يديها مساران ميزا العقد الأخير وهما انهيار مسيرة السلام الإسرائيلية العربية وضعف القوة الأميركية العظمى. وهذه التطورات الثلاثة معا وكل واحد على حدة تهدد بإحداث أزمات جديدة وجعل حلها صعبا أو الإثقال على إدارة أزمات معروفة ومستمرة.
انتفاضات عربية
ان الانتفاضات الشعبية على النظم الاستبدادية في العالم العربي، التي أغرقت الشرق الأوسط منذ مطلع 2011 لم تفتر بعد ولاتزال تؤثر في جميع دول المنطقة بقدر كبير أو بقدر محدود، وقد سقطت نظم ثلاثة في تونس ومصر وليبيا. وفي دول أخرى كاليمن وسوريا يهدد الصراع العنيف بين المنتفضين ونظام الحكم بأن يتحول إلى حرب أهلية طويلة.
وفي الدول الأخرى مازال الضغط على نظم الحكم لتبني إصلاحات لطريقة الحكم. وفي دولة واحدة هي المغرب تتوقع تغييرات شاملة تمنح طريقة النظام خصائص ملكية دستورية. ربما كان لهذه الأحداث تأثير حتى في الجمهور الإسرائيلي وأنها أُضيفت إلى سائر العوامل التي استحثت «احتجاج الخيام» الذي نشأ في تموز 2011 لمجابهة النظام الاجتماعي الاقتصادي في إسرائيل.
الأنظمة القادمة
وفي تلك الأماكن التي نجحت فيها «الثورة» في ظاهر الأمر ليس واضحا إلى الآن أي سلطة وأي طريقة ستحلان محل النظام القديم: الديمقراطية الليبرالية بالأسلوب الغربي على حسب الطراز الذي يطلبه المتظاهرون الذين أحدثوا الأحداث الثورية أم ينشأ «زعماء أقوياء» جدد يؤيدهم الجيش؟ وقد يحدث أيضا ما حدث في ثورات سابقة كثيرة وان يفتح ضعف النظام بإزاء الهبة الشعبية الباب لتولي قوى لم تبادر إلى الأحداث لكنها رأتها فرصة للدفع قُدما ببرنامج عملها، لزمام السلطة. سيكون هذا البرنامج إسلاميا كما يبدو في العالم العربي.
وقد تكون نتيجة عدم الاستقرار في دول مختلفة تولي نظام يكون خليطا بين إمكانات من النوع الذي ذكرناه. وعلى كل حال فإن الشرق الأوسط تنتظره فترة عدم استقرار طويلة. وفي الأماكن التي حُسم فيها الأمر أيضا مصر وتونس لن يكون الانتقال من نظام استبداد إلى ديمقراطية سهلا ومباشرا. تتحول المجتمعات التي حدثت فيها زعزعات من وضع عدم وجود حركات سياسية وأحزاب مبلورة سوى الجهات الإسلامية إلى وضع تعدد أحزاب وحركات. ويزداد في هذه الظروف احتمال ألا تحسم انتخابات حرة إذا أُجريت الأمر بين أحزاب كبيرة وان تؤلف مجالس الشعب التي تنشأ على نتائجها من شظايا أحزاب. ويميز حكومات الائتلاف هذه عدم الاستقرار.
القوى العالمية
تلوح تطورات في واقع ضعفت فيه الولايات المتحدة، وهي القوة العظمى الرئيسة، وتُظهر صعوبة تزداد في مواجهة مشكلاتها الداخلية وكذلك أيضا أكثر حليفاتها الغربيات. والمرشحات الأخرى لدور القوى العظمى، كالصين مثلا، توجهها رؤية عامة أنانية ولهذا فإنها غير مستعدة لتتحمل مسؤولية أن تكون «الشرطي العالمي» أو «المرمم العالمي».
والمعنى المشتق من هذا الحراك العالمي هو أنه لا يوجد اليوم جهة خارجية تستطيع جعل الوضع في الشرق الأوسط مستقرا وان تساعد دول المنطقة على التغلب على الأزمة الاجتماعية الاقتصادية الشديدة التي هي في أساس «الربيع العربي» سواء باستعمال العصا العسكرية أو الجزرة الاقتصادية. وعلى ذلك ستضطر الدول العربية إلى ان تجابه بقواها الذاتية مسار الانتقال الذي يصعب التنبؤ بمدته واتجاهات تطوره.
وقد يستطيع العالم الغربي ان يساعد بتصريحات دعم، لكن سيصعب عليه ان يعززها بمساعدة حقيقية. يبدو هذا الوضع المعقد في الوقت الذي بلغت فيه العلاقات بين إسرائيل ومحيطها العربي أسفل أسفلين ولا سيما في أعقاب ما يبدو انه انهيار لمسيرة السلام، وفي الوقت الذي أصبح فيه التصور الغالب في العالم العربي وفي الساحة الدولية أيضا هو ان سياسة إسرائيل «الرافضة» مسؤولة بقدر حاسم عن الطريق المسدود.
الدعم الأجنبي
الدعم الأجنبي ممكن أن يساعد على إقرار السلطة في تونس التي تعتبر حالة يسهل نسبيا احتواؤها لأن عدد سكانها قليل ولأن وضعها الاقتصادي ليس سيئا. لكن يُشك في أن يستطيع تشجيع لا تصاحبه مساعدة حقيقية إقرار السلطة والوضع الداخلي في مصر التي مشكلاتها الاجتماعية الاقتصادية متفاقمة. وقدرة التدخل العسكري الخارجي على حسم مصير السلطة محدودة أيضا. وليبيا لا تزال بعيدة عن الاستقرار. وافتراض أن التدخل العسكري في سوريا قد يُجدي لاحتواء الوضع فيها لا يُمتحن امتحانا عمليا بسبب عدم القدرة على تجنيد حلف دولي من أجل عملية عسكرية لإسقاط سلطة بشار الأسد.
