كان من المأمول والمطلوب أن تتمخض قمة كوريا الجنوبية الدولية، بشأن حماية المواد النووية لضمان عدم وقوعها في أيدٍ غير أمينة، عن نتائج ملزمة وشاملة. لكن كما جرت العادة، دخلت الحسابات والتوازنات الإقليمية والدولية على الخط، إلى جانب مناخ الارتياب السائد، ولو بدرجة أخف من السابق، لتضع القيود وتفرض خفض السقف.
وبدلاً من أن ينتهي المؤتمر بوضع حدّ حازم لقصور مزمن وفاضح في هذا الشأن، اكتفى بطرح نوع من خطة العمل في هذا الاتجاه. مع ذلك كانت هذه الخطة خطوة متقدمة بمعايير التفاهمات والاتفاقيات النووية المعروفة ببطئها السلحفاتي. فالمباحثات في الملف النووي عموماً، كانت دوماً، ومنذ أيام الحرب الباردة، محكومة بالارتياب وبقانون الردع المتبادل. تمضي عليها شهور وسنوات قبل أن تنتهي إلى اتفاقية جزئية.
حشد من المخاطر
وبحسب مدير «الوكالة الدولية للطاقة النووية»، يوكيا أمانو، جرت أكثر من ألفي عملية تهريب لمواد نووية ومشعة، بحدود ما علمت به الوكالة، منذ نهاية الحرب الباردة. معظمها كان من الصنف الثاني الموجود في أمكنة مكشوفة أمنياً وذات استعمال مدني، مثل المستشفيات وبعض المراكز الصناعية وغيرها. والباقي كان من المواد المخصّبة المخزونة في مواقع نووية.
خاصة في بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. ولا تستبعد الوكالة وقوع عمليات تخريب في مفاعلات عاملة على يد مجموعات إرهابية عالية التدريب، إذا تراخت الحراسة عليها. ومن هنا كان إلحاحها على المشاركين الخمسين في قمة سيؤول بضرورة القيام بخطوتين مهمتين لضمان الأمن النووي: التوافق الملزم على «تشديد إجراءات الحماية» لأي مواد نووية أو مشعة، حيثما وجدت.
فضلاً عن ضبط الحدود وتعزيز الرقابة على نقاط العبور والدخول. وثانياً، مطالبة الدول المعنية بإنجاز إجراءات التصديق بسرعة على تعديل المعاهدة المتعلقة بحماية المواد النووية، والذي سبق ووافقت هذه الدول عليه عام 2005. وينصّ التعديل على ضرورة توفير هذه الحماية باعتبارها «واجباً قانونياً إجبارياً» على البلدان الحائزة لهذه المواد التقيد به، سواء كانت ما تملكه من هذه المواد في المستودعات أو في الاستعمال.
والمعروف أن هذا النص ما زال خارج التنفيذ لأن دولاً عديدة أكثر من عشرين من بين المشاركين في القمة لم تنته بعد من عملية التصديق عليه بعد. وإذ تقر الوكالة بحصول بعض التقدم منذ القمة السابقة قبل سنتين، إلا أنها تحذر من الاستمرار في الوضع الراهن الذي يهدد بوقوع كارثة غير مسبوقة، لو نجحت عملية واحدة في تمرير بضاعة نووية إلى مجموعة إرهابية .
قضية طال تجاهلها
تأتي قمة سيؤول مكملة لِقمّة 2010 التي عُقدت في واشنطن بدعوة من الرئيس أوباما، الذي سبق وتحدث في خطاب شهير له، عن طموحه «لعالم يخلو من السلاح النووي». ثم تبع ذلك بالتوقيع في أواخر ذلك العام، على معاهدة «ستارت 2» مع الرئيس الروسي لخفض الترسانة النووية لكلا البلدين بمقدار الثلث. ويُذكر أن المباحثات على مستوى الخبراء جارية الآن لإبرام «ستارت» جديد بينهما. ربما هذا العام. أو على الأكثر بُعيد الانتخابات، لو فاز أوباما بتجديد ولايته، في نوفمبر المقبل. فالخفض بين الكبيرين يبقى المفتاح الرئيس للتخفف من الكابوس النووي، بكافة جوانبه ومشتقاته وساحاته.
فهو يسهم في تسهيل معالجة سائر الملفات النووية الأخرى. والساخن منها بالتحديد، كالإيراني والكوري الشمالي. الأول في طريقه إلى جولة مفاوضات جديدة بين طهران والدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا، ولا يستبعد كثير من الخبراء والمراقبين في واشنطن أن تنتهي إلى مخرج مقبول يلبي مصالح الأطراف كافة بالحد الأدنى.
على الأقل لشراء الوقت. والكوري الشمالي، فقد عُهد به إلى الجار الصيني الذي تربطه علاقات ودية مع بيونغ يانغ، بعد أن عادت درجة حرارته إلى الارتفاع عشية القمة، حيث أعلنت بيونغ يانغ عن عزمها إجراء تجربة على صاروخ طويل المدى، تدّعي أنه مصمم لحمل قمر صناعي إلى الفضاء. وهو تطور أثار الشكوك حول الغاية الفعلية من التجربة.
أهمية قمة سيؤول النووية أنها تصدت بجديّة لقضية طال تجاهلها، وهي لا تحتمل التجاهل. صحيح أن مردودها بقي دون الحدّ المطلوب من الإلزام. لكن إذا تحققت التدابير العملية وعلى رأسها «التصديق المتوقع على التعديل أعلاه ووضعه موضع التنفيذ من جانب معظم المشاركين»، كما قال جيمس أكتون الخبير النووي في مؤسسة كارنيجي للسلام بواشنطن لـ «البيان»، فإن القمة تكون قد أنجزت خطوة مهمة.
