مصطفى أوراد الذي قتل في مقر صحيفة «شارلي ايبدو» كان يريد أن يعيش منسيا بعيدا عن قريته في منطقة القبائل شرق الجزائر، إلا أن أهله أعادوه لمسقط رأسه من خلال تكريم وترحم على روحه وفق التقاليد الإسلامية. وقال ابن عمه جعفر الذي تربى وكبر معه: «كان مصطفى (60 عاماً) يريد البقاء بعيدا عن الأضواء لكن وفاته صنعت منه شخصا معروفا. كان يريد ان يبقى منسيا لكننا لن ننساه أبدا».

وعاد مصطفى الخميس الماضي الى أهله في قرية بني يني في منطقة تيزي وزو في ليلة ترحم على روحه بقراءة القرآن والدعوات للطالب الذي هاجر الى فرنسا قبل ثلاثين عاما، تاركا وراءه ذكريات شاب طيب ومولع بالكتب. ولم يكن ينقص سوى جثمانه ليدفن في ارض أجداده، لولا أن زوجته في فرنسا قررت ان يدفن هناك في باريس. وفي وقت سابق، أقام المصلون صلاة الغائب عليه.

ويتذكر رفاق مصطفى في القرية انه «كان مؤمنا. بدأ صيام رمضان منذ الصبا». في تلك الليلة التكريمية، حضر أيضا بعض شباب القرية ليترحموا على مصطفى على طريقتهم، حاملين بطاقات كتب عليها: «أنا مصطفى». ويتذكر أقاربه انه كان شخصا مسالما جدا «الى درجة انه لم يسبق أن تشاجر مع احد». وأكد أحد أقاربه انه «خلال الأعوام الأربعة الأولى من هجرته كان يبعث بعض الرسائل ثم انقطعت أخباره تماما».

طفولة وهواية

وفقد الجزائري الذي غادر بلاده العام 1981 أمه عندما كان رضيعا ثم أباه في سن السابعة فعاش يتيما عند جده ثم أعمامه. ولديه اخت تعيش في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية. ولم يكن يتمه عائقا أمام تفوقه في الدراسة فكان نجيبا كما يذكر زملاؤه. في الثانوية كان من المحظوظين الذين درسوا على ايدي «الآباء البيض» في ثانوية تابعة للكنيسة في وسط العاصمة الجزائرية مع أبناء الأعيان والسياسيين.

وبعد تفوقه في الشهادة الثانوية بمعدل جيد، فعل كما يفعل كل المتفوقين من جيله، فسجل في كلية الطب ليدرس عامين قبل ان يهاجر الى فرنسا. ومع أنه اختار الطب لكنه كان يحب الأدب والفلسفة حتى اطلق عليه رفاقه في الدراسة اسم «مصطفى بودلير» نسبة للشاعر الفرنسي المشهور الذي عاش في القرن التاسع عشر. وقرية بني يني التي ولد فيها مشهورة بالحلي الفضية وأغلب سكانها يشتغلون في هذه الحرفة، إلا ان مصطفى كان يعرف كيف يصوغ الكلمات بدل الخواتم والقلادات. وكان قدره ان يقتل في فرنسا على يد فرنسيين من أصول جزائرية في 7 يناير 2015 وهو الذي أنقذه القدر من الحرب الأهلية التي دامت عقداً كاملاً في بلاده الأم.