تفاعل المشهد في أوكرانيا بشكل دراماتيكي اختلط فيه تطوّر الداخل المتأجّج بردود أفعال الخارج المنقسم بين ساخط قلق ومؤيّد حذر، إذ أصدرت السلطات الجديدة مذكرة توقيف بحق الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش بتهمة القتل الجماعي، فيما تطاير شرر الغضب الروسي عبر هجوم مضاد على جبهات عدّة، بدأ تشكيكاً بشرعية السلطات الأوكرانية ولم ينسْ استدعاء السفير من كييف للتشاور وتهديداً بزيادة الرسوم الجمركية على إيرادات أوكرانيا حال تقاربت مع أوروبا، في الأثناء رسم الأوروبيون ملامح تقاربهم مع كييف حكومة منتخبة وإصلاحات اقتصادية.
وأعلن وزير الداخلية في السلطة الانتقالية الأوكرانية أرسين افاكوف أنّ «فيكتور يانوكوفيتش ملاحق بموجب مذكرة توقيف بتهمة القتل الجماعي لمدنيين»، مشيراً إلى فتح تحقيق جنائي بحق يانوكوفيتش وعدد من الموظفين الآخرين وصدرت بحقّهم مذكرة توقيف».
وكشف أفاكوف عن أنّ «يانوكوفيتش شوهد في وقت متأخّر من مساء أول من أمس الأحد كان في منطقة القرم المؤيّدة لروسيا والتي تمتع بحكم ذاتي، إذ كان يستقل سيّارة إلى جهة غير معلومة برفقة أحد مساعديه». وأشار إلى أنّه «أثناء وجود يانوكوفيتش في مقر إقامة خاص في منطقة بالاكلافا جمع حرس الأمن وأعطاهم حرية الاختيار بين البقاء معه أو الرحيل متخلّياً عن الحرس الخاص المعيّن من جانب الدولة، وتركه البعض وأخذوا معهم الأسلحة المسجلة رسمياً لدى الدولة لتسليمها إلى السلطات في القرم».
وأردف أفاكوف: «مع الحرس الخاص الباقين غادر يانوكوفيتش يرافقه اندريه كليويف في ثلاث سيارات الى جهة غير معلومة بعد أن أغلق كل نظم الاتصالات»
تشكيك روسي
وبعد أيام من مراقبة وتقييم المواقف والتطوّرات، شكّكت روسيا عبر رئيس حكومتها ديمتري مدفيديف بشرعية السلطة الجديدة في أوكرانيا. ونقلت وسائل إعلام روسية عن مدفيديف قوله إنّ «شرعية عدد من أجهزة السلطة التي تعمل في أوكرانيا تثير الكثير من الشكوك، مؤكّداً أنّ «روسيا مستعدة لاستئناف التعاون مع كييف عندما تشكّل سلطة عصرية مبنية على الدستور، مردفاً القول إنّه «في حال ظهرت سلطة طبيعية عصرية مبنية على القانون والدستور فنحن جاهزون لاستئناف التعاون»، مشدّداً في الوقت ذاته على أنّ «أوكرانيا ستبقى شريكاً مهمّاً لروسيا».
استدعاء سفير
وفي أول إجراء فعلي تجاه الموقف، قرّرت موسكو استدعاء سفيرها في كييف للتشاور، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الروسية، غداة عزل البرلمان الأوكراني الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وبعد ساعات من تعيين رئيس البرلمان الموالي للاتحاد الأوروبي رئيساً انتقالياً. وقالت الوزارة في بيان إنّه، «بسبب تصعيد الوضع في أوكرانيا وضرورة تحليل الوضع الراهن من جميع جوانبه فإنّ القرار اتخذ باستدعاء سفير روسيا الاتحادية في اوكرانيا ميخائيل زورابوف إلى موسكو».
زيادة رسوم
ولم تنسْ موسكو رفع عصاها في وجه الجارة عبر تحذيرها من زيادة رسومها الجمركية على الإيرادات الأوكرانية حال تقارب كييف مع الاتحاد الأوروبي، مبرّرة الخطوة بمخاوفها من تحوّل أوكرانيا إلى باب تجتاحها من خلاله المنتجات الأوروبية.

واعتبر وزير الاقتصاد الروسي أليكسي اوليوكاييف أنّه لا يمكن أن تبقى كييف شريكاً قوياً لموسكو وفي الوقت نفسه توقّع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي، معرباً عن الأسف لانعكاس الاضطرابات السياسية في اوكرانيا سلباً على اقتصاد بلاده، مؤكّداً أنّ «العديد من صناديق الاستثمار تسحب أموالها من أوكرانيا، وبعد ذلك تسحب معظم تلك الصناديق أموالها أيضاً من روسيا، مرجّحاً أن تواجه أوكرانيا انكماشاً.
اشتراطات أوروبيين
على الطرف الآخر، تمهّل الأوروبيون في التعاطي مع الواقع الجديد في أوكرانيا، إذ ربط الاتحاد الأوروبي احتمال التوقيع على اتفاق تقارب مع أوكرانيا بتشكيل حكومة منبثقة من انتخابات مبكّرة في 25 مايو المقبل، مشدّداً على أنّ «تقديم أي مساعدة مالية مشروط بإجراء إصلاحات اقتصادية». وذكر الناطق باسم المفوضية الأوروبية اوليفييه بايلي، أنّ« اتفاق التجارة والاستثمار الذي عرضناه لا يزال مطروحاً»، مستبعداً أي توقيع على مثل هذا الاتفاق قبل تشكيل حكومة جديدة منتخبة في أوكرانيا.
وأضاف الناطق باسم المفوضية الأوروبية: «يتعين علينا أولاً ترك المجال للعملية الانتقالية السياسية لأخذ مداها قبل البحث في ذلك بعد الانتخابات المبكّرة في 25 مايو عندما تتشكّل الحكومة الجديدة»، مستدركاً: «ذلك لا يعني أنّ الحكومة الحالية ليست شرعية، لكن حكومة منتخبة هي الضامن لخيار صادر عن سيادة كاملة».
أوكرانيا تحتاج 35 مليار دولار وتقرع أبواب المانحين
أكّد وزير المال في السلطة الانتقالية الأوكرانية يوري كولوبوف، أنّ بلاده بحاجة إلى 35 مليار دولار خلال العامين المقبلين، مطالباً بتنظيم مؤتمر دولي للجهات المانحة. وأضاف كولوبوف أنّ «قيمة المساعدة للاقتصاد الكلي التي تحتاج إليها أوكرانيا ربما تصل إلى 35 مليار دولار خلال 2014-2015»، لافتاً إلى أنّ «كييف عرضت على الشركاء الغربيين تنظيم مؤتمر دولي كبير للمانحين». ولفت كولوبوف إلى أنّ بلاده «طلبت من الغربيين وعلى رأسهم بولندا والولايات المتحدة منحها اعتماداً في غضون أسبوع أو أسبوعين دون أن يحدّد قيمة الاعتماد المطلوب».
وأبان كولوبوف في بيان: «على مدى اليومين الماضيين أجرينا مشاورات واجتماعات مع سفراء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى ومؤسسات مالية بشأن تقديم مساعدات مالية عاجلة لأوكرانيا»، مشيراً إلى أنّ «المؤتمر الدولي للمانحين يجب أن يشارك فيه ممثلون للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي». ويتعين على أوكرانيا سداد مدفوعات ديون تقارب ستة مليارات دولار هذا العام.
على الصعيد، عرضت بريطانيا المساهمة في تمويل حزمة إنقاذ دولية، وسط مخاوف متزايدة من احتمال تدخل روسيا عسكرياً عقب الإطاحة بحكومتها. وقالت صحيفة «ديلي تليغراف» أمس، إنّ وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن، أكّد أنّ المملكة المتحدة وغيرها من الدول ستكون مستعدة لتقديم أموال للمساعدة بإعادة بناء أوكرانيا، مضيفة أنّ «أوزبورن انضم إلى مسؤولين أوروبيين وأميركيين في التعهّد بتقديم الدعم المالي لأوكرانيا، بسبب تزايد المخاوف من احتمال قيام روسيا بإرسال قوات عسكرية والغموض المحيط بمكان اختفاء الرئيس المعزول».
وأشار أوزبورن إلى أنّ «بريطانيا ستوجّه رسالة قوية جداً بشأن تخصيص دعم مالي لأوكرانيا عن طريق صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، لكن الأولوية الفورية هي الاستقرار السياسي، والتعامل مع محاولة استعادة الهدوء والنظام إلى شوارع العاصمة كييف وغيرها من المدن».
نصح روسي
نقلت وكالة انترفاكس الروسية للأنباء عن مصدر بوزارة الخارجية، أنّ «روسيا تعتقد أنّ مستشارة الأمن القومي الأميركية سوزان رايس عليها أن تحض قيادة بلادها وليس روسيا على تجنّب استخدام القوة»، ردّاً على تصريحات رايس أنّ موسكو سترتكب خطأ جسيماً إذا أرسلت قوات عسكرية إلى أوكرانيا.
ونقلت انترفاكس عن المصدر: «شهدنا تقييمات سوزان رايس القائمة على تدخّلات عسكرية أميركية متكرّرة في أماكن متعددة في مختلف أنحاء العالم لاسيما عندما ترى الإدارة الأميركية أنّ قواعد الديمقراطية الغربية في خطر أو عندما تبدأ الأنظمة الحاكمة في الخروج عن السيطرة بشكل واضح»، مضيفاً: «نعتبر أن مستشارة الرئاسة الحالية ستقدم نفس النصيحة عن الاستخدام الخاطئ للقوة للقيادة الأميركية عند اتخاذ قرار بتدخّل جديد».
إلغاء قانون
لم يُضع البرلمان الأوكراني وقتاً طويلاً لإلغاء ما يعرف بقانون السياسة اللغوية للدولة، فألغى بذلك وضع اللغة الروسية في أوكرانيا باعتبارها لغة وطنية ثانية في نصف البلاد تقريباً، وفق ما نقلت وكالة أنباء موسكو. وصوّت لصالح القانون الجديد 232 نائباً من أصل450، وألغوا بذلك القانون الذي دخل حير التنفيذ في أغسطس 2012 والذي كان ينص على السماح بالتعامل رسمياً بلغتين في المناطق التي تتجاوز فيها نسبة الأقليات القومية 10 %.
