24 ساعة تفصل الفرنسيين عن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التي تبدو في الوهلة الأولى متوازنة يميناً ويساراً وتبشر بمنافسة حامية الوطيس بين المرشح الإشتراكي فرنسوا هولاند الذي يحتل الصدارة في استطلاعات الرأي والرئيس نيكولا ساركوزي الذي يسعى الى ولاية ثانية. وسط مشاركة ثمانية مرشحين آخرين، فيما تبدو زعيمة «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة مارين لوبين الأقوى بين المرشحات.

ومنذ فترة، والمؤشرات في الحياة السياسية في فرنسا تعطي الانطباع بأن الانتخاب سيحسم لمصلحة هولاند رغم أن الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أن ربع الناخبين لم يقرروا بعد لمن سيدلون بأصواتهم وأن نصفهم غير رأيه حول تصويته المقبل. ولا شك في ان أي مفاجأة ممكنة ولكن كما تبدو الأمور اليوم والجو في الأوساط الإعلامية وحتى في الأجواء الرسمية أن ساركوزي لن يفوز بولاية ثانية. والشعور السائد في أوساط اليمين الحاكم هو شبه الإعداد لخسارة المعركة الرئاسية في حين أن أوساط هولاند بدأت توزع المناصب الوزارية المختلفة لمؤيديه. علما أن الرئيس السابق جاك شيراك وابنته كلود وزوجها أمين عام الرئاسة السابق سيصوتون لهولاند.

وقد سئل ساركوزي في حديث إذاعي عن تصويت الرئيس شيراك لهولاند فكانت إجابته: «اتركوا الرئيس شيراك بعيداً عن هذه التكهنات فهو رجل تعب لا نريد إدخاله في هذه التكهنات».

 

الزاد الانتخابي

للوهلة الأولى، لا يبدو في متناول ساركوزي، الذي يتمتع بكاريزما سياسية وخطابية تعينه على تعبئة جمهور الناخبين، الكثير من الزاد الخطابي في الشأن الاقتصادي الذي كاد ينفد، لفرط ما استهلكه من خطب لمواجهة غضب الشارع والدفاع عن سياساته التقشفية وفي مواجهة أزمة مديونية منطقة اليورو. أما وخصمه القوي هو من الحزب الاشتراكي الفرنسي، فقد تحول الى التحذير من مغبة سياسات الحزب المذكور على اقتصاد فرنسا وجاذبيتها لاستقطاب الرساميل . بل لاحتمال ان تؤدي تلك السياسات الى هروب الرساميل الفرنسية نفسها.

فيما لعب ساركوزي في عام 2011 دور القائد العسكري المنتصر وفاز في حربين، واحدة في ساحل العاج والأخرى في ليبيا، ناهيك عن هالة «الشخصية الساحرة» التي أحاطت به، ومع ذلك فمن المهم أن نأخذ في الاعتبار في المقام الأول المبدأ السياسي شبه العالمي، ألا وهو أن الساسة لا يفوزون في الانتخابات فقط بسبب نجاحات السياسة الخارجية.

 

قضية مراح

ويرى المراقبون أيضاً أن قضية محمد مراح الشاب الفرنكو جزائري المتهم بقاتل اطفال يهود، جمعت كل النقاط التي لا تزال تحدث الجدل في الشارع الفرنسي حول الهوية والهجرة والاندماج . ولهذا لا يمكن اختزالها في «قضية أمنية» بحتة، أو مجرد شماعة سياسية تعلق عليها فشل سياسة الهجرة التي تبناها الرئيس نيكولا ساركوزي منذ مجيئه لقصر الاليزيه، وحتى قبل ذلك عندما كان وزيراً للداخلية.

فقد طرح ساركوزي، في العام 2005، فكرة تقول بإقامة «نظام الحصص» كوسيلة للسيطرة على ظاهرة الهجرة وإقامة تعاون بين البلد المضيف فرنسا وبلد المنشأ. وبالنسبة للمراقبين أيضا، فإن الظروف الغامضة التي رافقت عملية القضاء على الشاب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، ومحاولة تبرير سلوكه بانتمائه لتنظيم القاعدة، لا يمكنها أن تحجب مشكلة الاندماج في فرنسا، وهي بالأساس مشكلة إدماج أجيال متلاحقة من أبناء المهاجرين في النسيج المجتمعي الفرنسي، أبناء ولدوا في فرنسا ونشأوا فيها وتعلموا في مدارسها، لكنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، حتى ولو كانوا حملة شهادات عليا.

فهناك شعور متزايد بالإقصاء، خصوصا لدى أبناء الجالية العربية والمغاربية والمسلمين، في ظل تكريس صورة نمطية عن هؤلاء المهاجرين العرب،

وجاءت هذه القضية في توقيت عرفت فرنسا انتخابات رئاسية يعاني فيها الرئيس الحالي ساركوزي. وبقدر ما اعتبر الملاحظون بأن ساركوزي هو المستفيد الأول من القضية، إلا أنها أثبتت، مرة أخرى، فشله في تسيير ملف الاندماج والهوية الذي جعله أحد أهدافه في عهدته الرئاسية الأولى. كما كشفت قضية مراح حقيقة توجهات الإعلام الفرنسي وقطاع من الساسة الفرنسيين تجاه المسلمين الفرنسيين.

لكن الآن العام 2012 لديه خمسة اعوام في الاليزيه وضع قواعد اكثر صرامة لجمع شمل الاسرة والتجنس. لكن اذا كان يريد خفض اعداد المهاجرين الى النصف، لماذا لم يقم بذلك خلال السنوات الخمس الماضية، السؤال الذي يطرح بكثرة.

لعنة القذافي

وباغتت الحملة الانتخابية ساركوزي بمفاجأة غير سارة. فما إن خفتت الضجة حول ليليان بيتانكور صاحبة شركة «لوريال» للتجميل التي يقال انها سلمت ساركوزي العام 2007 مئة وخمسين ألف يورو لحملته الرئاسية، حتى استعرت فضيحة اخرى بشأن التمويل الليبي غير المشروع لحملة ساركوزي الانتخابية.

وتفيد المعلومات التي تتداولها وسائل الإعلام بكثرة ان مكتب حملة ساركوزي الانتخابية العام 2007 استلم من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي قرابة خمسين مليون يورو. ولم تعرض ادلة مباشرة على التمويل الليبي لحملة ساركوزي، الا ان الرئيس الفرنسي واجه موقفا حرجا للغاية، استفاد منه كثيرا خصماه الرئيسيان في الإنتخابات: الإشتراكي هولاند وزعيمة حزب الجبهة الوطنية لوبين.

ورغم نفيه الاتهامات الا ان الوقت سرق ساركوزي في حملته الانتخابية، ولم يبق له متسع من الوقت لشن هجوم سياسي مضاد.

 

موقع هولاند

وفي غضون هذا، يتقدم هولاند في استطلاعات الرأي التي ترشحه للفوز في الجولة الثانية من الانتخابات، لكن هولاند غير معروف في الخارج، ويعتبره أنصاره كشخصية بيروقراطية بعد أن أمضى أكثر من 11 عاماً، 1997-2008، في منصب الأمين الأول للحزب الاشتراكي. وخلافاً لشريكته السابقة سيغولين رويال لم يشغل أبداً أي منصب وزاري.

لكن الواضح أن هولاند يتجه أولا لكسب الشباب والمعلمين وموظفي الدولة وسكان الضواحي والنقابيين، وهو مطاطي فيما يخص الهجرة أو صعود الأصولية الإسلامية في فرنسا. ويعد بـ«دسترة» قانون العلمانية لعام 1905، أي جعله دستورياً مع أن الدستور الفرنسي يتحدث عن المساواة «بصرف النظر عن الجنس والعنصر والدين»، وكان أبدى رأيه في ضرورة إلغاء كلمة «عنصر» من الدستور وكان وجودها يشجع على العنصرية.

وفي زمن البطالة، وانخفاض القدرة الشرائية، فإن برنامج الاشتراكيين له لمعان وبريق، وقد يجذب قطاعات واسعة حتى من غير الناخبين التقليديين للاشتراكيين، خصوصا وإن الحملة المركزة ضد ساركوزي واتهامه بمحاباة عالم الأغنياء ، قد أضرت به كثيرا حتى أن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الحاكم قد بدلوا مواقفهم لصالح هولاند، مما أدى لخسارة حزب ساركوزي الأكثرية في مجلس الشيوخ.

 

اتخاد القرار

ويأتي هولاند من الوسط الاجتماعي الليبرالي، وهو معروف بقدرته كمفاوض والصعوبة لدى اتخاذ القرار. كما يصعب تمييز برنامجه الاقتصادي عن برامج المحافظين. فمثلا، بعد أن صرح في خطاب حملة انتخابية أن عالم المال هو «العدو الرئيسي»، مورست عليه الضغوط من أجل الذهاب إلى لندن لتهدئة روع الأسواق وتذكيرها بأن أحدا لم يخصص ويحرر بقدر ما فعله الاشتراكيون الفرنسيون.

وخاطب في اليوم الاخير من جملته الانتخابية انصار الحزب في لوبورجيه من ضواحي فرنسا، «جئت لأقول لكم إن صفحة من تاريخ فرنسا في طريقها إلى الزوال وصفحة جديدة في صدد الكتابة . الترشح إلى الانتخابات الرئاسية يعني النضال من أجل عالم لا يخضع لدكتاتورية الأسواق والمؤسسات المالية، بل عالم تسوده المساواة والعدالة بين جميع المواطنين».

ويتناسى هولاند ان فترة رئاسة من 15 عاماً للرئيس الاشتراكي العتيد فرنسوا ميتران، أهم رئيس فرنسي بعد شارل ديغول، هي التي شهدت عمليات خوصصة مؤسسات عدة في القطاع العام، حيث تأثر ميتران بالسياسات النيوليبرالية المتطرفة في مرحلة رونالد ريغان في الولايات المتحدة، ومرغريت تاتشر في بريطانيا خلال حقبة الثمانينات . بيد ان جنوح ميتران نحو الالتحاق بركب القطاع الخاص واقتصاد السوق في تلك المرحلة، لم يكن أبداً على حساب الطبقة المتوسطة واصحاب الأجور المتدنية .

وفي اعتقادي، هذا ما يفترض أن يركز عليه الحزب الاشتراكي وهولاند إذا ما قدر للأخير حصان السبق الى الاليزيه، والغريب أن هذه الأزمة المالية والاقتصادية التي غيرت نمط العيش في فرنسا واوروبا وراكمت البطالة ومستوى الفقر على نحو غير مسبوق، تسببت التغيير السياسي الذي يضع حدا للنيو-ليبرالية وآفاتها. فهل تكون هي الحد الفاصل بين ساركوزي وهولاند في انتخابات غد الاحد؟

المرشحون العشرة إلى الانتخابات الفرنسية

 

الرئيس المنتهية ولايته

نيكولا ساركوزي (57 عاماً)

ابن مهاجر مجري محام انتخب في 2007 بنسبة 53 في المئة من الأصوات، ويواجه اختبار اعادة انتخابه بعد ان اصبح الرئيس الادنى شعبية بحصيلة اعتبرتها اغلبية الفرنسيين سلبية لا سيما بسبب طريقته في ممارسة الحكم وما قدمه من «هدايا الى الاغنياء».

 

المرشح الأوفر حظاً

فرنسوا هولاند

الاشتراكي الاصلاحي المحسوب على التيار المعتدل والذي يتطلع الى ان يكون رئيساً «عادياً» من حيث اسلوب الحكم، وقد قاد الحزب الاشتراكي خلال 11 عاماً ويريد اعطاء صورة مطمئنة عنه تدعو جمع الشمل. ومن الأهداف التي وعد بتحقيقها، الحد من العجز العام، على غرار اليمين، واصلاح ضريبي يهدف الى مزيد من المساواة والدفع بالنمو في اوروبا.

 

وريثة لوبن

مارين لوبن (43 عاماً)

تترشح الى الانتخابات الرئاسية لاول مرة، وقد ورثت عن والدها جان ماري لوبن مؤسس الجبهة الوطنية، زعامة اليمين المتطرف وتتطلع الى ان تحذو حذوه وتترشح الى الجولة الثانية كما فعل هو في الانتخابات الرئاسية سنة 2002.

 

الخطيب مفاجأة الحملة

جان لوك ميلانشون (60 عاماً)

مفاجأة هذه الحملة الانتخابية، يتطلع هذا الوزير والسناتور الاشتراكي السابق المتحالف مع الشيوعيين الى «اعادة ترتيب بيت اليسار» بمكافحة الليبرالية والاسواق الاوروبية.

وقد ترك الخطيب البارع القاعات التقليدية، حيث كانت الاحزاب تقيم مهرجاناتها الانتخابات مفضلًا الهواء الطلق وقد سمحت له بلاغته باستقطاب ناخبي «يسار اليسار» بشعاره «خذوا السلطة».

 

بايرو المرشح الوسطي

فرنسوا بايرو (60 عاماً)

الذي يترشح للمرة الثالثة الى الانتخابات الرئاسية على اساس برنامج وسطي مؤيد لاوروبا، وقد فاز الاستاذ السابق، المتحدر من الريف المثابر والمنفرد وهو اليوم نائب، بنحو 18 في المئة من الاصوات في 2007. ويريد اقناع الفرنسيين بأن الانقسام بين اليسار واليمين المتجذر بعمق في الحياة السياسية يقود البلاد الى طريق مسدود.

 

المرشحون الصغار

ايفا جولي (68 عاما)

قاضية سابقة في قضايا مكافحة الفساد، تدافع عن تيار البيئة الاساسي في اقتراع لم يكن يوما مواتيا لهذا التيار، وجهدت النائبة الاوروبية التي ترتدي نظارات حمراء او خضراء والمتحدرة من النرويج، في جمع شمل معسكرها.

 

ناتالي ارتو (42 عاما)

المدرسة وفيليب بوتو العامل (45 عاما) يمثلان حزبين تروتسكيين متنافسين، النضال العمالي والحزب الجديد المناهض للرأسمالية اللذين يدعوان الى حلول متقاربة تتمثل في منع فصل العمال وتوزيع العمل بين الجميع مع الزيادة في الاجور.

 

نيكولا دوبون تينيان (51 عاما)

نائب يميني يشدد على انتمائه الى الديغولية والتيار السيادي ويرد انسحاب فرنسا من اليورو ويامل في تمثيل تيار «وطني هادئ» لاستدراج الذين ينفرون من اليمين التقليدي والجبهة الوطنية (اقصى اليمين).

 

جاك شميناد (70 عاما)

القريب من الثري والمجادل الاميركي ليندون لاروش يهاجم «النخب» العالمية وسلطة المال الدولية بينما يتهمه بالبعض بانه من الذين يؤمنون بنظرية المؤامرات.