تحوّل من إنجاز إلى عائق.. وتطلّع لرؤية جديدة لتونس

تناصف القوائم الانتخابية يفجّر الجدل التونسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قررت الهيئة الوطنية لحماية أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي ‬11 ابريل الماضي تضمين القانون الانتخابي الجديد بندا يشترط تقاسم القوائم المرشحة لانتخابات المجلس التأسيسي يوم ‬24 يوليو المقبل بالتساوي بين الرجال و النساء.

ووجد هذا القرار صدى استثنائيا في المنظمات الدولية وداخل النخب التونسية المتمركزة في المدن الكبرى، غير أنه لم يجد الصدى ذاته في المناطق الداخلية التونسية، ذات الخصوصية الاجتماعية، التي لاتزال الكلمة فيها للرجل.

وإذا كان رئيس الحكومة الانتقالية الباجي قايد السبسي نبّه إلى هذه المسألة واقترح النزول بالشرط من التناصف إلى إشراك ما لا يقل عن ‬30 في المئة من النساء في كل قائمة فإن أنصار حرية المرأة مصرّون على عدم المساس بالقانون الجديد. وعموماً، فأن المجلس التأسيسي، وحسب القانون، سيكون ضامنا لان تكون نسبة ‬25 في المئة من مقاعده للنساء و هو أمر ساعد بقوة ألاعلى استقطاب من يطمحن إلى المشاركة السياسية، حتى أن حركة النهضة الإسلامية عبرت عن استعدادها لترشيح نساء غير محجبات ضمن قوائمها الانتخابية، في حين سيلجأ بعض الساسة من الرجال إلى ترشيح زوجاتهم و أخواتهم وبناتهم ضمن القوائم المترشحة لانتخابات يوليو.

وتحقّق مبدأ التناصف بين الرجل والمرأة في كل القائمات التي ستقدم في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بعد أن تم تعديل الفصل ‬16 من المرسوم المتعلق بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، والذي كان يقر في صيغته الأولى إسناد ‬25 في المئة من عدد المقاعد للمرأة.

وصادق مجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي بالإجماع على هذا التعديل الذي وصف بـ «التاريخي».

واعتبرت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات سناء بن عاشور القانون «رد اعتبار لتونس ولتاريخ من النضال المشترك بين الرجال والنساء من أجل الديمقراطية».

وقالت بن عاشور: «إنني فخورة كتونسية بأن يحقق بلدي الريادة ويصادق على مبدأ يكرس واقع المجتمع التونسي الذي ناضلنا في سبيل إرسائه»، لكنها أشارت إلى خشية من «بروز تيارات مقاومة ذات طابع ثقافي أو سلفي»، ملاحظةً أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون «إقصائية». وأكدت على أن «التناصف هو مبدأ يسمح بإرساء منهج ديمقراطي سليم باعتبار أن الديمقراطية تكرس مبدأ المشاركة للجميع».

وخلال مناقشات مجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي حول مضمون الفصل ‬16 من المرسوم المتعلق بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، أبرز أعضاء الهيئة العليا المكاسب التي تحققت بفضل مجلة الأحوال الشخصية، حيث دعت الأغلبية الساحقة إلى تعديل هذا الفصل في اتجاه إقرار التناصف بين الرجل والمرأة عند تقديم الترشيحات لانتخابات المجلس التأسيسي.

 

رؤية جديدة

وأكدت سناء بن عاشور على أن بإمكان التناصف في هذا المجلس أن يساهم في «إرساء رؤية جديدة للعلاقات بين الرجل والمرأة على غرار ما حصل سنة ‬1956 عند المصادقة على مجلة الأحوال الشخصية لا سيما في ما يتصل بإلغاء تعدد الزوجات». وأوضحت أن القانون الانتخابي سيفسح المجال أمام المرأة التونسية حتى تكون «طرفا فاعلا في المجال السياسي» خلال هذه المرحلة الجديدة من الانتقال الديمقراطي التي تعيشها تونس.

من جهتها، قالت المحامية سعيدة العكريمي، ممثلة عمادة المحامين التونسيين، إن «المرأة ساهمت مثل الرجل في مقاومة الدكتاتورية والاضطهاد، ومن البديهي أن تكون المرأة ممثلة بعد الثورة صلب المجلس التأسيسي، وفق مبدأ التناصف».

ودعت العكريمي إلى «إقرار هذا المبدأ في الدستور الجديد لتونس.. حتى يرتقي إلى مرتبة القاعدة التي تطبق في كل المؤسسات المنتخبة والدستورية»، وأشارت إلى أن «مثل هذا المبدأ قد يصدم بعض العقليات، ومع ذلك فإن القوانين يجب أن تعد للمستقبل حتى تساعد المجتمع على تقبل مثل هذه الأفكار».

 

قلق

وكان بعض الأطراف عبّرت عن تخوفها من أن يمثل مبدأ التناصف بين الرجل والمرأة في المجلس التأسيسي، عائقا أمام إعداد القوائم في نظام الاقتراع على أساس التمثيل النسبي.

البعض يصرح بأن قرار التناصف لا يعبّر عن حقيقة ما يدور في المجتمع التونسي، فالمساواة بين المرأة و الرجل ألاكانت خياراً سياسياً لنظامي الرئيسين: الحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي اللذين سعيا لاسترضاء الغرب،ألاوتقديم تونس على أنّها نموذج حضاري واجتماعي مختلف عن محيطه في حين إن الواقع غير ذلك.. والمحصّلة، أن المساواة التي يضمنها القانون لم تتحقق على ارض الواقع، حيث إن من بين ‬60 حزباً سياسياً معترفاً بها لا يوجد إلا حزب واحد تترأسه امرأة، كما أن الحكومة لا توجد بها إلا وزيرتان، كما لا ألاتوجد في الوقت الحالي أية امرأة تشغل وظيفة والي ( محافظ).

وفي نظرة على المشهد في يوليو المقبل، سيتسبّب قرار التناصف ألافي سقوط عدد كبير من القوائم الانتخابية، وخاصة في المناطق الداخلية والجنوب والقرى والأرياف ذات الخصوصية الاجتماعية التي لا تؤهل المرأة للعمل السياسي، كما أن الرجال سيكونون على رأس غالبية القوائم ما يعني أن التقاسم الفعلي سيبقى مجرد حلم طوباوي في أذهان من يحلمون بأن يحقق المجلس التأسيسي للعام ‬2011 المساواة بين الرجال و النساء، مثلما حقّق المجلس التأسيسي العام ‬1956 بعض الحقوق الثورية في تلك المرحلة.

وإذا كان الحبيب بورقيبة هو من أوعز بإصدار قانون الأحوال الشخصية في العام ‬1956 فإن أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة هم من أقروا مبدأ التناصف، وفي كلا القرارين كان موقف ألاالشعب غائباً.

 

تونسيات قارعن بن علي يشاركن في صياغة المشهد السياسي

 

ارتبط تاريخ تونس بالنساء منذ أسّست الأميرة الكنعانية عليسة مدينة قرطاج في العام ‬814 قبل الميلاد، والى اليوم تسعى المرأة التونسية إلى تحقيق حضورها واثبات وجودها في كل مجالات الحياة.

وفي العام ‬1956، وبعد شهور قليلة على الاستقلال، أصدرت الحكومة التونسية برئاسة الحبيب بورقيبة قانون الأحوال الشخصية كأول قانون من نوعه في البلاد العربية يمنع تعدد الزوجات ويجعل الطلاق من اختصاص المحاكم المدنية وحدها، وإذا كانت تونس أباحت الإجهاض والتبني، فإن شيوخ الدين استطاعوا إقناع بورقيبة بعدم المجازفة بالإعلان عن المساواة في الميراث بين الذكور والإناث حتى لايتم تكفير النظام، وعندما اعد الحبيب بورقيبة قبره أواخر السبعينيات اختار أن يكتب على شاهده: «باني تونس الحديثة و محرر المرأة».

أما زين العابدين بن علي، الذي ألاحكم تونس من ‬7 نوفمبر ‬1987 إلى ‬14 يناير ‬2011، فسيذكر له التاريخ انه كان نصيرا للنساء وضحية لهن.. فأقربهن إلى قلبه وهي زوجته ليلى الطرابلسي ألادفعت به إلى الهاوية، وتعتبر السبب الرئيس في اتساع دائرة الفساد والاستبداد في عهده ما أثار موجة الغضبألاالشعبي التي سرّعت بإسقاط نظامه. وإذا كان بن علي حفظ ارث بورقيبة في دعم حقوق المرأة و زاد عليه الكثير ورفع شعار من المساواة إلى الشراكة الكاملة بين المرأة و الرجل،فإن ذلك لم يشفع له عند سيدات تونسيات عارضنه بقوة ووقفن في وجهه، وساهمن بقسط كبير في تأليب الرأي العام الداخلي و الخارجي ضده، ومن أبرزهن: رئيسة جمعية مناهضة التعذيب المحامية راضية النصراوي، ورئيسة المجلس الأعلى للحريات سهام بن سدرين، والأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي مية الجريبي، ورئيسة الفيدرالية العالمية لمنظمات حقوق الإنسان سهير بلحسن، والإعلاميةألاوالمناضلة الحقوقية نزيهة رجيبة (أم زياد)، إضافة إلى ألاجمعية النساء الديمقراطيات أهم جمعية نسائية تونسية اختارت الوقوف وبقوة إلى يسار للنظام.

 

Email