كشف نائب رئيس الوزراء المصري الأسبق يحيى الجمل في حوار خص به «البيان» ان جهات عديدة وصفها بأنها «ذات وزن» ضغطت عليه لترشيح نفسه في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، لكنه رفض بداعي«السن»، مشيرا الى ان هناك أربعة أو خمسة مرشحين فقط جادين في خوض هذا السباق ولديهم مشروع ورؤية للنهوض بالبلاد.
مؤكدا ان هناك أيضا مرشحين للرئاسة لن يحصلوا على«أصوات أمهاتهم»، وانهم قرروا خوض هذا السباق من أجل الـ«شو الإعلامي»، على حد وصفه، فيما استبعد انجاز الدستور قبل انتخاب الرئيس، مشيرا الى ان هناك ميراثا دستوريا ومبادئ عامة وكذلك الاعلان الدستوري الذي يمكن ان يحدد صلاحيات الرئيس الجديد، حال يتم وضع الدستور الدائم للبلاد، مؤكدا ان مصر تمربمرحلة دقيقة للغاية نظرا لان ثورتها لم تكتمل. وتاليا نص الحوار:
تم تحديد موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية في 23 مايو المقبل، فهل تعتقد ان هذه الفترة كافية لانجاز الدستور الجديد؟
لا أعتقد انه من الممكن انجاز الدستور المقبل في هذه الفترة القصيرة وبالتحديد قبل انتخاب الرئيس الجديد. وهذا الارتباك الدستوري الذي نحن فيه الأن نشأ منذ البداية، حيث كان من المفترض ان نبدأ بالسلطة المؤسسة، اي بموضوع الدستور أولا ثم نستفتي عليه الشعب وهذا هو الطبيعي في العالم كله، لكن ما تم عندنا كان العكس،وذلك الأمر يرجع في الأساس الى اللجنة التي وضعت التعديلات الدستورية في البداية،والتي كان يرأسها طارق البشري.
ويوجد في مصر ميراث دستوري كبير، وقمنا في السابق بعمل مؤتمر الحوار القومي بتكليف من المجلس العسكري وهو بالمناسبة عمل ضخم ومدون،اتمنى على الذين سيضعون مشروع الدستور المقبل الإستعانة بهذا العمل ويسترشدوا به،ولايجب ان نخترع العجلة من البداية، وعلينا الاستفادة مما تم قبل ذلك وهو كثير.
مبادئ عامة
إذن كيف سيحكم الرئيس المقبل طالما لم يتم وضع دستور جديد؟
الرئيس المقبل سيتعامل مع برلمان منتخب انتخابا حرا وممثلا للشعب رضيت أم لم ترض عن بعض اعضائه ثم ان هناك الإعلان الدستوري، اضافة الى المبادئ الدستورية العامة مثل الحق في الحياة والحق في الدفاع عن النفس. هذه المبادئ حتى وان لم ترد في نصوص وضعية، فهي مسلمات للبشرية منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا.
واعتقد ان لجنة المئة التي سيعهد اليها كتابة الدستور الجديد، ستضم بين جنباتها اساتذة القانون الدستوري،وسيكون أمامها كل هذه الاعمال وكل هذا التراث،ولن تبدأ من فراغ، وبالتالي لن يستغرق وضع الدستور شهورا عديدة،لكنني أرى انه قبل الاستفتاء على هذا الدستور، يجب ان يتم طرحه على النقاش العام لمعرفة اتجاهاته، وارادة الشعب هى التي ستعطيه قوة النفاذ.
كيف ترى وضع الجيش في الدستور المقبل؟
لايوجد للجيش اي وضع متميز في دستور دولة مدنية ولابد من انشاء مجلس أمن قومي للموضوعات المتعلقة بالحرب والسلم والحدود والجيش في نهاية الأمر جزء من سلطة الدولة، لايجوز ان يتميز عن مؤسسات وسلطات الدولة الاخرى،لانه يأخذ مرتباته ونفقاته من أموال دافعي الضرائب. وطالما كان الحال كذلك، فلابد ان يكون دافعو الضرائب لديهم رقابة على هذا المال،وأقصد هنا البرلمان المنتخب.
انفلات الألفاظ
هل الانتقادات التي توجه الى المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد تؤرقك؟
الانفلات في الألفاظ لا أرضى عنه..يمكن ان نختلف مع الجيش أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة،لكن بأدب وألفاظ منتقاه،لانهم أناس وضعوا أرواحهم على المحك، وحموا الثورة منذ انطلاقها بالفعل ، وأول بيان أصدروه قالوا فيه انهم «ليسوا بديلا عن شرعية الشعب»، ولديهم الرغبة فعلا في انهاء المهمة وتسليم السلطة الى المدنيين لكنهم لايستطيعوا ان يفعلوا ذلك الا بشكل منظم ولسلطات منتخبة حتى لاتغرق البلد..انني لا أمنع حق النقد أو الاختلاف، لكنني لست مع الاسفاف في الألفاظ.
كيف تنظر الى الجدل الذي ثار بشأن وثيقة علي السلمي والتي تضمنت بندين يجعلان من الجيش «دولة داخل دولة»؟
السلمي ظلم في هذا الجدل،لان هذين النصين يقينا ليسا من ابتداعه، وعندما قامت عاصفة ضدهما تم سحب الموضوع .
هل تعتقد ان مصر فعلا على حافة الخطر؟
مصر في وضع دقيق للغاية،وهو وضع ثورة لم تكتمل. ثورة أطاحت برأس النظام لكن جذوره لاتزال باقية. ثورة صنعها الشباب ولم لاصلة لهم بالحكم الأن. اذن نحن في مرحلة دقيقة وخطيرة لم تمر بها البلاد منذ ايام محمد علي، لكن أعتقد ان مصر ستعبر هذه المرحلة الخطرة.
رأي الشعب
طرح في الفترة الأخيرة فكرة«الرئيس التوافقي»..كيف تنظر الى هذا الأمر؟
ليس هناك ما يسمى بـ«الرئيس التوافقي». ولابد ان يكون الرئيس باختيار موافقة الشعب، ولايصح اذن استباق رأي الشعب.واعتقد ان الذين طرحوا فكرة «الرئيس التوافقي» لم يقصدوا اهانة الشعب، وانما يجب ان يأتي هذا الرئيس بتوافق واختيار الجمع الأكبر من الشعب.
هناك مرشحون لرئاسة الجمهورية ظهروا في الفترة الأخيرة، لن يحصلوا على أصوات «أمهاتهم»، ويجب ان ندرك ان بعضهم دخلوا الى هذا السباق من أجل الـ«شو الإعلامي»، كما ان البعض الآخر يشعر بذاته بشكل مرتفع أكثر من الحقيقة، لكن هناك أربعة أو خمسة أشخاص جادين مثل عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح وأحمد شفيق وسليم العوا وحمدين صباحي .
وأنا شخصيا ضغط علي من جهات عديدة ذات وزن من أجل الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، لكنني رفضت وقلت ان هذا المنصب يحتاج الى رجل ما بين 60 و70 عاما، وأنا أطرق ابواب الثمانينات، كما الرئيس المقبل يجب ان يكون له خبرة في ادارة هذا البلد.
وان يكون مطلعا على التجارب العالمية، وان يعرف معنى الدستور والقانون ولديه رؤية للمستقبل، وقادرعلى التعامل مع المستجدات والتحديات، ولديه الرغبة في الوصول بمصر الى مكانة أفضل، ومن ثم فانني لم اجد نفسي وفق متطلبات هذا المنصب على الاقل من حيث العمر.
مرشحو الرئاسة
من تعتقد انه الأكثر حظا في الفوز بمنصب رئيس الجمهورية المقبل؟
جميع المرشحين البارزين أصدقاء لي، ولكن عبد المنعم أبو الفتوح أقرب المرشحين الى قلب وعقل الشعب المصري، وقد أكون مخطئا في هذا، لكن بمعرفتي لطبيعة المجتمع المصري وثقافته، فانني أرى ان التيار الديني هو الغالب في هذا البلد، وأبو الفتوح رجل متدين حقيقة ويؤمن بالدولة الديمقراطية المدنية، وبالتالي فهو يجمع بين قدرته على كسب التيار الديني الغالب في الشارع، وايضا انني سمعت ان المسيحيين يرضون عنه .
لكن جماعة «الإخوان المسلمين» لديها «فيتو» على أبو الفتوح؟
لاأظن انه «فيتو». فالإخوان لن يقولوا لجماهيرهم انتخبوا هذا الرجل وليس عبد المنعم أبو الفتوح فهذا سيصدم الشباب.
هناك تيارات سياسية تنظر انه لو تم انتخاب الفريق أحمد شفيق فان ذلك يعني عدم نجاح الثورة؟
الفريق شفيق رجل وطني مخلص، وله انجازات عظيمة عندما كان وزيرا للطيران، وهو مدير ومنظم ودقيق جدا، لكن ككل المرشحين له انصاره وله من لايريده. واعتقد انه مثل غيره من المرشحين الآخرين البارزين قادر على ان ينقل مصر الى الافضل،وليس عيبا ان يكون جزءا من النظام السابق، فهناك كثيرون مثله.
وماذا عن عمرو موسى؟
يقينا عمرو موسى هو أكثر المرشحين دراية بالمجال الدولي، لكن ليس بالمجال الدولي فقط تحكم الأمور. أقول هذا الكلام رغم ان موسى من الأصدقاء، وأنا من أول الناس الذين طلبت منه ان يرشح نفسه للرئاسة.
شرف مخلص
كنت عضوا بارزا في حكومة عصام شرف، فما هو تقييمك له؟
عصام شرف من أكثر الناس اخلاصا ورغبة في تحقيق شئ لهذا البلد، لكنه ظلم ظلما شديدا، لان طبيعة المرحلة التي ترأس فيها الحكومة، كانت تحتاج الى شخص أكثر حسما منه..شرف في الظروف العادية، ليس هناك من هو أفضل منه، لكن في الظروف غير الطبيعية، فانك تحتاج لرجل استثنائي.
كذلك فان شرف لم يكن يمتلك كافة الصلاحيات التي كانت بلاشك في حوزة المجلس العسكري، كما ان شرف نفسه لم يضغط لكي يحصل عليها، ولم يدخل ابدا في جدال مع المجلس. ولااعتقد انه ضيع فرصة تاريخية، لان المرحلة كانت صعبة للغاية، ومليئة بالاضطرابات السياسية والدستورية والاقتصادية وكثيرا ما تحدثت معه ومع المجلس العسكري، من أجل المصلحة العامة، وهذا من طبيعتي حيث لا يمكن ان أكتم رأيي.
العلم وسيادة القانون طريقا مصر للتقدم
قال د. يحيى الجمل في رده على سؤال، بشأن كيف ننظر للمستقبل الآن مع قرب اكتمال ملامح النظام الجديد في مصر إنه «يجب ان تقوم النهضة على عنصرين مهمين، الأول العلم والثاني سيادة القانون، وبغير هذين العنصرين لن يحدث تقدم أو نهضة في البلاد».
وتابع: «لذا فإنني أنصح أي نظام قادم في مصر بالتركيز على العلم والبحث العلمي ورفع مستوى المواطن المصري من الناحية العلمية وكذلك رفع حجم الإنفاق على البحث العلمي الذي هو مستوى متدن للغاية، ومن دونه لن يحدث التقدم الذي يتطلع إليه المواطنون المصريون بعد ثورة 25 يناير والتي فتحت لهم أبواب الرغبة في تحقيق مكانة لائقة لبلادهم».
وأضاف: «كذلك على أي نظام مقبل ان يهتم بسيادة القانون والقضاء على الانفلات الأمني الموجود حالياً في الشارع، ويعيد الانضباط إلى كل المواقع الإنتاجية في الدولة، حتى يشعر الناس بالتغيير بعد الثورة. كما ان عليه ان يلتزم بتداول السلطة ودولة القانون التي لا يظلم فيها أي فرد، حيث يعرف الجميع واجباتهم وحقوقهم بشكل واضح، من أجل خلق حالة من التوافق تعبر بنا إلى وضع أفضل حالًا مما سبق».
الأقباط بحاجة إلى رسالة طمأنة على المستقبل
نفى نائب رئيس الوزراء المصري الأسبق يحيى الجمل ان يكون المسيحيون في مصر يشعرون بالقلق على المستقبل، خاصة بعد التطورات السياسية الأخيرة، والتي أدت إلى استحواذ التيار الديني على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات التي جرت قبل شهر ونصف.
وقال انه عضو في بيت العائلة المصري وقريب الصلة جداً بالبابا شنودة، وكذلك لديه صلات قوية مع جميع الكنائس المصرية، ويستطيع القول ان المسيحيين مثلهم مثل بعض المسلمين، لديهم مخاوف لكنها لاتصل إلى حد القلق، من صعود بعض التيارات الدينية المتشددة. وتابع الجمل انه يجب على الجميع إرسال رسالة طمأنة للإخوة المسيحيين الذين يشاركوننا في هذا الوطن، مشيراً إلى ان الشعب المصري بطبيعته شعب وسطي لا يقبل التطرف أو التشدد أو الغلو في الدين أو من أي تيار سياسي.
وأكد ان أبرز مميزات ثورة 25 يناير 2011، أنها كسرت حاجز الخوف لدى جموع المصريين، ووضعت أقدام الشعب على بداية طريق الديمقراطية، والديمقراطية هي النظام الذي يستطيع ان يصحح نفسه بنفسه من داخله، مشيراً إلى انه غير قلق على مصر، التي ستعترض طريقها هذه التحديات والمشكلات التي نواجهها كل يوم، لمدة عامين أو ثلاثة على الأكثر، حتى تسترد عافيتها من جديد وتعود أفضل مما كانت.
هجوم السلفيين لم يغضبني.. وكثير من الإسلاميين يقدرونني
يحيى الجمل رداً على سؤال بشأن تعرضه شخصياً للهجوم من التيارات الدينية إبان توليه منصبه وجهوده في مؤتمر الحوار القومي، إن الهجوم الذي تعرض له ليس من مجمل التيار الديني، فلديه الكثير من الأصدقاء والزملاء في هذا التيار والذين يقدرونه ويقدرهم. لكنه الهجوم - وفقاً للجمل - جاء من بعض الاتجاهات الدينية التي يقال لها «سلفية» وان كانت كلمة السلفية ظلمت، و«هذه التيارات غير العقلانية هاجمتني ولم أغضب فأنا مجرد بشر عادي أصيب وأخطئ وقابل للهجوم وقابل للدفاع».
وتابع: «هذا الهجوم ليس له علاقة ببقائي في الوزارة، فأنا تقدمت بأربع استقالات، الأخيرة منها أرفقت معها شهادة طبية تثبت ان صحتي بحاجة إلى الراحة، ولا أخفيك سراً إذا قلت لك انه طلب مني أبعد من منصب نائب رئيس وزراء».
وكان الجمل تعرض لهجوم من جانب التيارات الإسلامية جراء رعايته لمؤتمر الوفاق القومي الذي عقد في أواخر مايو الماضي، وطالب المشاركون فيه بإعداد ووضع دستور جديد لمصر قبل إجراء الانتخابات التشريعية. وحضره عدد من رجال القانون وممثلين عن مختلف فئات المجتمع باستثناء بعض القوى السياسية التي قاطعت المؤتمر وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.
