فيضٌ من المرشحين يفتقدون الكاريزما

سباق البيت الأبيض بلا فرس رهانٍ رابح

ت + ت - الحجم الطبيعي

التنافس بين مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي لنيل بطاقة الترشح إلى السباق الرئاسي الأميركي المقرر في 8 نوفمبر المقبل، وهو سباق مفتوح لا يسعى فيه رئيس إلى تجديد ولايته، على أوجّه والمناظرات مشتعلة ولكن مع غياب الكاريزما في المرشحين التمهيديين، وربما هذا ما دفع الرئيس باراك أوباما للحديث عن عدم جدية الاختيار من قِبل الأميركيين في ظل هذا الصراع السياسي.

وقبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية، يبدو من الصعب ترجيح كفة أي من المرشحين كما هو الحال في استحقاقات سابقة، مع غياب مرشح قوي ينجح في حسم الأصوات لصالحه، ما يعني أن المناظرات ستكون حامية والتصفية طويلة، وسط ازدحام وغموض في البيت الجمهوري، فيما يبدو البيت الديمقراطي أقل تعقيداً.

ولا يبدو أن أي من الحزبين، وقبل ثلاثة شهور من الانتخابات التمهيدية في ولايتي أيوا ونيوهامبشر، اللتيّن تعطيان مؤشرات أولية عن المرشحين النهائيين، استقر على جواد رابح، فاستطلاعات الرأي تتأرجح بين عدد من مرشحي الحزبين، فيما تعزز الانقسامات في صفوف الجمهوريين حظوظ منافسيهم الديمقراطيين.

رموز متناقضة

وفي مايو الماضي، أظهر استطلاع للرأي، أجرته جامعة جورج واشنطن، أن الأميركيين غير راضين عن المرشحين الذين أعلنوا دخولهم غمار السباق الرئاسي. وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن أكثر من 50 في المائة من الناخبين لا يفكرون في التصويت لصالح أي من المرشحين.

المثير للاهتمام أن سباق الجمهوريين يجري بين رموز متناقضة في المظهر والجوهر. فحزب لينكولن، كما يحلو لأنصاره تسميته، يعاني حالة وهن وشحّ في شخصيات قيادية يمكنها مقارعة خصمه الديمقراطي، وهي أزمة تتضح في العدد الكبير من مرشحي الحزب الذي يشهد منافسة قد تكون الأبرز في تاريخه بين 15 من أعضائه.

شخصية جدلية

إلا أن الملياردير دونالد ترامب (69 عاماً)، صاحب الشخصية الجدلية، لم يجد صعوبة في تصدر المشهد بشكل واضح، وإن لم يكن له تاريخ سياسي، فهو يجذب الأضواء إلى السباق الجمهوري أينما حل ربما بسبب غرابة أطوار شخصيته ومواقفه الفجة الصريحة جداً، والتي يراها بعض الناخبين واقعية لا تحمل الالتباس المغلف.

ومع أن استطلاعات الرأي تظهر تفوقاً واضحاً لترامب الذي يعني اسمه بالعربية «الورقة الرابحة»، على جميع منافسيه، إلا أن حظوظه بالفوز في الانتخابات التمهيدية محدودة وأقل منها حظوظه بالفوز في الانتخابات الرئاسية، لاسيما بعد مناظراته ولقاءاته التلفزيونية التي يراها البعض مثيرة للفكاهة والسخرية، حيث عادة ما توصف حملته الانتخابية بالسيرك الكبير.

هبوط مفاجئ

شبكة «إن.بي.سي» الأميركية، التي تنظم العديد من استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات، أكدت في تقرير لها أن «التاريخ يعلمنا أن المستحوذين على الأغلبية في استطلاعات الرأي منذ البداية، سريعاً ما يخفت نجمهم».

وأشارت «إن.بي.سي» إلى تصدر حاكم تكساس ريك بيري استطلاعات الرأي منذ أربعة أعوام، قبل أن يسقط بشكل مفاجئ، وأيضاً السيناتور السابق ريك سانتورم، الذي منحته استطلاعات الرأي شعبية كبيرة بدأت في التراجع تدريجياً.

وتقول رئيسة المعهد العربي الأميركي مايا بري، وهو مركز أبحاث مقرّه واشنطن، إن فرص ترامب فـي تأمين ترشيحه عن الحزب الجمهوري ضئيلة على الرغم من شعبيته الواضحة. وتضيف: «وضع ترامب إصبعه على شعور عدم الرضا الذي يكنّه الأميركيون حول التوجه الذي تسير به البلاد، لكنه لن يكون قادراً على الحفاظ على هذا الزخم».

عبء سياسي

المراقبون، ومنذ انطلاق ماراثون الترشيحات، رجحوا فوزاً مضموناً لحاكم ولاية فلوريدا سابقاً الجمهوري جيب بوش نجل وشقيق الرئيسين السابقين، نظراً إلى خلفيته العائلية والسياسية والدعم المالي المتاح له وشبكة العلاقات التحتية والعميقة مع لوبي النفط المكون من شركات عالمية ذات الدور المؤثر في السياسة الخارجية الأميركية.

إلا أن شعبية جيب بوش تراجعت بشكل كبير، بين المركزين الثالث والرابع، ربما لأنه يعلق آمالاً كبيرة على أزمة العراق، دون مقدرة واضحة على استشراف المستقبل، فضلاً عن غياب الكاريزما حيث يوصف بأنه متخبط وغير محنّك سياسياً.

ورغم محاولات «بوش الثالث» أن يراه الناس مستقلاً ومنفرداً، وتجنب حملته استخدام اسم العائلة، ورغم أيضاً محاولاته الخطابية أن يخرج من عباءة والده وشقيقه عبر تسليط الضوء على نهجه السياسي وإنجازاته كحاكم لولاية فلوريدا لعهدتين، إلا أنه ورث عن عائلته حملاً سياسياً ثقيلاً، لاسيما قرار أخيه غزو العراق في 2003 والأزمة المالية التي اندلعت في المراحل الأخيرة من ولايته.

وجه جديد

أما الوجه الجديد الذي ظهر للجمهوريين، فهو جراح المخ والأعصاب الأفريقي الأصل بن كارسون، صاحب المجد الكبير في عالم الطب، الذي صعد إلى مراكز متقدمة في استطلاعات الرأي الأخيرة وأصبح ينافس ترامب.

ويسعى كارسون، البالغ من العمر 63 عاماً، إلى كسب تأييد المحافظين الجمهوريين الأكثر تشدداً بإظهار نفسه صاحب أخلاق رفيعة أساسها اقتناع عميق بالدين المسيحي. إلا أنه رغم تواضع حديثه المغلف بالهدوء واللطف، تعتبره شريحة عريضة من الأميركيين راديكالي التوجه أو يميني النزعة، كما أنه يفتقد أية خبرة تنفيذية في السياسة والاقتصاد.

ولكن المستقبل السياسي لكارسون بات غير واضح مع اتهامه بالكذب حول ماضيه بشأن قبوله في أكاديمية عسكرية عريقة ونزعته إلى العنف عندما كان شاباً. إلا أن الجراح الأسود، الذي تشير بعض استطلاعات الرأي إلى تعادله مع ترامب، ردّ على هذه الهجمات بالتأكيد أنه ضحية لاضطهاد، وأكد كرهه للكذب الذي يعتبره «خطيئة».

إحياء كيندي

وبحسب مراقبين، كان السيناتور الشاب من أصل كوبي عن ولاية فلوريدا مارك روبيو يمكن أن يكون حصان الجمهوريين الرابح، لا سيما أنه يمتلك ناصية الحديث بشكل يجعل منه أمل الأميركيين في رؤية جون كيندي جديد، وما يعزز حظوظه عند الناخبين إبداعه في المناظرات السياسية، وتمتعه بأسلوب جذاب وقصة حياة مؤثرة. إلا أنه، ورغم طلاقة حديثه، لم يتمكن خلال مناظرة الحزب الثانية من تشذيب صورته باتجاه الشخصية القادرة على تولّي منصب الرئاسة.

ويرى مراقبون أن حظوظ روبيو، الذي يحتاج فقط إلى الدعم المالي، أكثر من بوش الذي يعود بالحياة السياسية الأميركية للماضي، ومن ترامب الذي يتحدث كتابياً ودعائياً عن استعادة عظمة أميركا، دون رؤية استراتيجية. إلا أن دوره في حزمة إصلاح قوانين الهجرة كلفه تراجعاً في الدعم.

أداء باهت

افتقاد كثير من المرشحين الجمهوريين للكاريزما اللازمة والحماس ظهر جلياً مع حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي، الذي كان متوقعاً أن يكون أحد فرسان الجمهوريين، إلا أن أداءه الباهت وضعه في مؤخرة القائمة. وكذلك حال السيناتور من ولاية تكساس تيد كروز، الذي حلّ في المركز الخامس خلف بوش.

أيضاً، هناك أسماء أخرى خذلت المراقبين، ومنهم حاكم ولاية لويزيانا الجنوبية الأميركي من أصل هندي بوبي جندل، وحاكم ولاية نيويورك السابق جورج باتاكي، وسيدة الأعمال كارلي فيورينا المستشارة السابقة للسيناتور النافذ جون ماكين.

نكسات متكررة

غياب الزعامة عن الحزب الجمهوري، ليس جديداً، فمنذ رئاسة رونالد ريغان وجورج بوش الأب، لم يعد الحزب قادراً على المراهنة على شخصية تأسر قلوب الأميركيين وتستقطب أصواتهم.

فخلال نحو ربع قرن، كان بوش الابن هو الرئيس الجمهوري الوحيد المنتخب، علماً أنه فاز بانتخابات عام 2000 بقرار من المحكمة العليا نتيجة خلاف على أصوات الناخبين في ولاية فلوريدا، بعد إعلان فوز المرشح الديمقراطي ألبرت غور حسب التصويت الشعبي. ثم فاز بوش الابن في ولاية ثانية، بعد جهد جهيد، على المرشح الديمقراطي الضعيف وزير الخارجية الحالي جون كيري.

مشهد فشل الحزب الجمهوري كان قد تكرر في العام 1996، مع خسارة السيناتور بوب دول، وكان حينها كبيراً في السن نسبياً ويفتقد للكاريزما، أمام الديمقراطي بيل كلينتون في فترة رئاسية ثانية.

أما في العام 2008، فقد خسر السياسي العريق السيناتور جون ماكين أمام الرئيس الحالي باراك أوباما، في انتخابات صعبة. ثم تواصلت النكسات على الحزب الجمهوري بخسارة الحاكم السابق رجل الأعمال الثري ميت رومني في 2012 أمام إعادة انتخاب أوباما.

هبوط شعبية

المشهد داخل الحزب الديمقراطي يبدو أكثر تنظيماً مع وجود ثلاثة مرشحين فقط، ولكنه غير مستقر. فالتأييد الكبير الذي تحظى به المرشحة المحتملة للرئاسة هيلاري كلينتون في صفوف حزبها الديمقراطي بدأ يهتز بعد فضيحة التساهل في وثائق وزارة الخارجية الأميركية المتعلقة ببريدها الإلكتروني، حيث هبطت شعبيتها إلى أدنى مستوياتها منذ 14 عاماً.

وتواجه عضو مجلس الشيوخ سابقاً وزيرة الخارجية السابقة انتقادات بشأن نزاهتها وشفافيتها خاصة في ما يتعلق بموازنة تمويل حملتها الانتخابية، وما يوصف بأنه قصور أدائها في وزارة الخارجية، لاسيما في الملفين العراقي والفلسطيني، وازداد الأمر سوءاً مع حادث قتل السفير الأميركي لدى ليبيا كريستوفر ستيفنس، عطفاً على علاقاتها مع الإخوان المسلمين.

مرشح يساري

أما بيرني ساندرز (74 عاماً)، وهو من المبعدين داخل الحزب الديمقراطي لأنه ينتمي إلى الجناح اليساري فيه رغم أصوله اليهودية، فقد أحدث دخوله حلبة السباق القلق في حملة كلينتون، بما حققه من نجاح في تعبئة الطبقة العاملة وعامة الشعب الأميركي في الولايات التي زارها للترويج لحملته. وهو يسعى إلى إحياء شعبية اليسار الذي غاب عن المشهد السياسي الأميركي منذ الستينيات لجذب أصوات المهضوم حقهم وضحايا العنصرية، من خلال إظهار الظلم واختلال التوازن في الاقتصاد الأميركي.

بعض الشخصيات النافذة في الحزب الديمقراطي وفرت الدعم لساندرز «نكاية بكلينتون»، لكن ذلك لم يؤمن له بعد فرص التقدم عليها بما يضمن فوزه.

انسحاب مرشحين

أما حاكم ولاية رود آيلاند السابق لينكولن تشافي، فأعلن بشكل مفاجئ انسحابه من السباق للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، داعياً الولايات المتحدة إلى الكف عن التورط في حروب في الخارج وهي القضية التي تصدرت حملته الانتخابية.

وقد سبقه بأيام قليلة السيناتور السابق عن فرجينيا جيم ويب، الذي انسحب قائلاً إنه سيبحث إن كان سيخوض السباق للبيت الأبيض مستقلاً. فيما أعلن نائب الرئيس جو بايدن، المنافس الأبرز لكلينتون داخل الحزب، أنه لن يسعى للفوز بمنصب الرئيس بعد شهور عدة من التردد بشأن خوض السباق.

ملفات شائكة

وفيما يتمحور السباق نظرياً اليوم بين ترامب وهيلاري إلى حين حسم صناديق الاقتراع الأمر، يرى منتقدو ترامب من داخل الصف الجمهوري أن الحماس الذي يبديه جزء من الناخبين تجاهه سيختفي مع اقتراب موعد الحسم، لأنهم سيكتشفون أن ترامب بآرائه وتصريحاته الشاذة لن يستطيع التغلب على كلينتون، التي تملك حظوظاً وافرة لتكون ممثلة الديمقراطيين في السباق نحو البيت الأبيض.

وأياً كانت نتيجة التنافس الجمهوري والديمقراطي الداخليين، فإن المرشحيْن النهائيين يواجهان تحديات عدة لإقناع الناخبين خلال الشهور المقبلة بالتصويت لصالحهما، أبرزها الملفات الخارجية، لاسيما بعد تحسن الأوضاع الاقتصادية وانحسار معدل البطالة.

فالتوترات والحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في العراق وسوريا، إلى جانب الملف النووي الإيراني والأزمة الأوكرانية والعلاقة المتوترة مع الصين، تطغى على أجندة أولويات الرئيس الأميركي المقبل.

Email