برزت مؤشرات ترحيب، أخيراً، حيال كفّ كل من واشنطن ولندن عن اتباع سياسة إشاحة النظر عن فظائع الحرب الأهلية في سوريا، علماً أن هذا الاهتمام أتى متأخراً كثيراً على خلفية تورط نظام الرئيس السوري بشار الأسد حتى اليوم في مقتل أكثر من مئة ألف شخص من الرجال والنساء والأطفال، وتهجير الملايين.

ولأن شيئاً لم يحصل، قبل أربع سنوات، عندما اندلعت التظاهرات السلمية، فلن يجدي الدبلوماسية أو التحرك العسكري المحدود نفعاً في الحدّ من غرق سوريا في المزيد من الفوضى.

شهدت الفترة الأخيرة تدهوراً خطيراً في موقع الأسد، وأشارت التقارير إلى أن قوات أمن النظام السوري تعرضت لعدد من الهزائم على ساحات الاقتتال، في حين سحبت الأقلية الدرزية دعمها للحكومة، وبدأت جهداً مجتمعياً واسع النطاق لمجابهة مسألة التجنيد الإجباري.

وتنبثق الضغوط الآيلة لمهاجمة «داعش» من جهات متعددة، أحدها حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون التي تبحث في سبل الانضمام لعمليات التحالف في سوريا. والأهم أن تركيا قد قررت الانضمام للقتال أيضاً. لقد أدرك مسؤولون من 20 عضواً في التحالف منذ زمن أنه طالما يستطيع «داعش» استخدام سوريا كملاذ له، فإنه سيبقى .

إلا أن الخبر الأبرز يتمثل في نقطة التحول التركية، حيث إن القوات التركية لم تعد مستعدةً للمواجهة مع «داعش» على طول حدودها مع سوريا، بل ستسمح أنقرة للطائرات الأميركية بتنفيذ مهمات قتالية انطلاقاً من قاعدة إنجرليك العسكرية.

ويأتي تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المؤكد في اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بمثابة تذكير مؤلم بأن تركيا كانت في طليعة الدول المستعدة للتدخل ضد نظام الأسد، حين اندلعت الأزمة.

فلنتخيل ما كان يمكن أن يحصل لو عملت أميركا مع تركيا لمساعدة مئات آلاف المحتجين المتمردين طوال تلك السنوات. لو أنشأ حلف «ناتو» منطقة حظر جوي فوق سوريا، ونشرت تركيا قواتها على الأرض لإنشاء منطقة آمنة. كان مسار الحرب سيكون مختلفاً جداً، ونجم «داعش» أقل بروزاً بكثير.

لكن على الرغم من عدم اعتماد ذاك السيناريو المتفائل، كان هناك أمر وحيد مؤكد. كان التدخل العسكري المحدود سيكون أفضل من أربع سنوات من القتل والفوضى. وكانت قوات الأسد، بالحد الأدنى، ستكون أكثر ضعفاً دون طيرانها، والمعارضة أقوى بفعل المساعدة والتدريب في المناطق الآمنة، كما أن «داعش» ما كان ليتمكن من بناء معاقله الحصينة في البلاد.

إلا أن ذاك المسار لم يتبع، ونتذكر جيداً طوال تلك السنوات كيف قال معارضو إقامة المنطقة الآمنة، أو تسليح المعارضة، إن ذلك سيسهم في إطالة الحرب الأهلية، أو يزيد تفاقمها. لكن الحرب استمرت، وفاقت وحشيتها كل تصوراتنا، ومن دون تدخل الغرب. ودخل «داعش» على خط المعادلة والمقايضة في سوريا كذلك، في مشهد عام يثبت أن عدم التحرك كان ثمنه باهظاً.

وفي حالة سوريا، ونتيجة الإفراط في الحذر وفقدان ثقة عدد من الجهات الغربية، ستتواصل الحرب الأهلية إلى حدّ إنهاك أحد الأطراف، أو حصول تدخل يضع حداً نهائياً لها. فمن المؤكد أن الأسد غير ذاهب إلى أي مكان، تماماً كما المعارضة السورية الساخطة.