إذا أصبحت بلدان مثل مصر وليبيا وسوريا ترمز عند البعض لعدم الاستقرار في المشهد الذي تلا الربيع العربي، فإن تونس تبقى منارة من الأمل النسبي. وفي الواقع، كان هناك سفك دماء في البلد الذي تولى رئاسته طويلا الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، لكن لا شيء بحجم ما يجري في جيرانها.
وبدلا من ذلك، فإن الناشطين في الدولة الأولى التي أطاحت بدكتاتورها في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا في عام 2011، يستمرون في التشبث بمصطلحات مثل "الانتقال الديمقراطي" و"الحوار الوطني" بتفاؤل في موضعه.
وكانت مثل هذه الكلمات دليلاً واضحاً للعيان إلى حد بعيد، عندما أدت عملية الاختيار المطولة إلى تولي مهدي جمعة منصب رئيس وزراء تصريف الأعمال في تونس. والتوقعات هي أن وزير الصناعة السابق البالغ من العمر 52 عاما سوف يترأس حكومة كفاءات قبل الاتفاق على الدستور وإجراء انتخابات جديدة في نهاية العام المقبل.
تكنوقراطي علماني
وجمعة أب لعائلة مستقرة من خمسة أولاد وهو شديد البراغماتية. لا ينتمي لأي من الأحزاب السياسية، ويعرف عنه نهجه الهادئ تجاه الحكومة. ولديه أيضا القدرة على التواصل بكفاءة، ويدرك الحاجة إلى علاقات عامة في الحياة السياسية.
وخلفيته في مجال الهندسة الميكانيكية والعمل مع الشركات الغربية متعددة الجنسيات، بما في ذلك شركة هاتشنسون الفضائية الأميركية، وشركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال، تميزه باعتباره التكنوقراطي العلماني الذي يمكنه القيام بالأعمال التجارية مع أي شخص كان.
وبشكل أكثر صلة بالموضوع، يفترض أن يعمل جمعة كثقل موازن للمتشددين. وخروج بن علي خلال ما يسمى بثورة الياسمين أطلق العنان لأئمة متشددين، أجانب في الغالب، يشنون هجمات ضد الأعداء المتصورين للإسلام.
وقد دعوا، على سبيل المثال، إلى عكس حقوق النساء، واعتبروا العديد من جوانب الثقافة الليبرالية الأخرى بأنها عبارة عن كفر وتجديف.
وحركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس اتهمت، مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بأنها أضعف من أن تقف في وجه المتعصبين. ومع تدهور الحالة الاقتصادية، اندلعت أعمال العنف في كل أنحاء تونس هذه السنة، مع احتجاج الألوف من الناس ضد من هم في السلطة.
وتم الوصول إلى حدود الأزمة مع اغتيال زعيمي المعارضة اليسارية شكري بلعيد في فبراير الماضي، ومن ثم محمد البراهمي في يوليو الماضي.
وتتصاعد البطالة وتكاليف المعيشة. وتعكر الخلافات المريرة صفو "الترويكا" التي حاولت أن تحكم منذ الانتخابات في عام 2011، وهي المؤلفة من حركة النهضة وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية.
وكانت حركة النهضة غير قادرة على التوفيق بين الاختلافات، وهددت بالاستقالة. وهناك تساؤلات حول إمكانية أن تخاطر الحركة بالسير على طريق نظيرها الإسلامي المعتدل في دول أخرى في أنحاء العالم العربي.
تعلم من التجربة
وانتخاب جماعة الإخوان المسلمين في مصر عبر حزب الحرية والعدالة، في أعقاب ثورة الربيع العربي في البلاد، انتهى بفشل ذريع.
والرئيس المصري السابق محمد مرسي يقبع في السجن ويواجه المحاكمة بتهمة التحريض على العنف والقتل، وهو لم يعمل على حل مشكلات رئيسية في البلاد، ووضعت أخيرا احتجاجات جماهيرية نهايته، لكن يبدو أن أحزابا إسلامية معتدلة مثل حركة النهضة في تونس قد تعلمت قدراً كبيرا من مصر.
وبدلا من المخاطرة بثورة ثانية من خلال زيادة سلطاتها، فإن حركة النهضة عكفت في نهاية المطاف على تحقيق حكومة توافقية. والآن، فإن المعارف التي لدى جمعة في جذب الاستثمارات وإدارة الميزانيات هو ما يجري تقديمه في محاولة لإنهاء الأزمة.
وقد أعرب عدد كبير من الناس عن قلقهم من نقص الاهتمام لديه بالصراع السياسي الداخلي، وطبعا قلة خبرته في مجال الأمن. لكن مثل هذه العيوب الواضحة قد تكون ملائمة بالكامل لرجل يعتزم مواصلة الثورة الهادئة في تونس، من خلال اللباقة والنفعية بدلا من العقيدة والعنف.
وجه اقتصادي
يبدو أن أحزابا إسلامية معتدلة مثل حركة النهضة في تونس تعلمت قدرا كبيرا من مصر. وبدلا من المخاطرة بثورة ثانية من خلال زيادة سلطاتها، فإن حركة النهضة عكفت في نهاية المطاف على تحقيق حكومة توافقية. وأشهر من الجمود السياسي في تونس سبقها إصرار من جانب النهضة على أن الشريعة لا ينبغي أن تشكل أساسا للدستور الجديد.
وتونس بدلا من ذلك ستبقى دولة علمانية. والتزاماتها بحقوق الإنسان والحكم المستنير تتجسد في الطبيب الذي انتخب رئيسا في نهاية سنة الربيع العربي في عام 2011، منصف المرزوقي، وهو بذل جهودا كبيرة لتوحيد الدولة.
والآن، فإن المعارف التي لدى رئيس الوزراء الحالي مهدي جمعة في جذب الاستثمارات وإدارة الميزانيات هو ما يجري تقديمه في محاولة لإنهاء الأزمة، وسوف يستخدم جمعة مهاراته كمفاوض للتركيز على الحوار بين المجموعات السياسية المختلفة، بهدف وضع الاقتصاد على المسار الصحيح.
