كانت فلسطين يوماً القضية الموحدة للعالم العربي. والعدالة للفلسطينيين كانت تعتبر شرطا أساسيا مسبقا للاستقرار والسلام الإقليميين. أما اليوم، فقد اختلفت الصورة والقضية الفلسطينية بدأت تسقط من الأجندة السياسية منذ بداية الربيع العربي.

وسيحتاج الفلسطينيون إلى العمل على وجه السرعة كي لا تدفن قضيتهم في نهاية المطاف. وواقع أن الغرب ما زال منشغلا بمحاولة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس سببا للتفاؤل. فهذه المحاولات لا تمثل إحياء لمركزية قضية فلسطين، بل ضغطا لوضع حد للصراع بالشروط الأكثر ملاءمة لإسرائيل.

وما تدفع نحوه تلك الأطراف هو حل الدولتين الذي هيمن على الخطاب السياسي لعقود، ولم يتحقق مطلقا، ولو جزئيا. لكن نظرة على الخريطة تظهر أن مثل هذا الحل غير ممكن.

500 ألف مستوطن

وفي الوقت الراهن، هناك حوالي 500 ألف مستوطن يهودي يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية موزعين في أكثر من 130 مستوطنة متناثرة في أنحاء تلك المناطق. وفي القدس، تسلل عدد كبير من مجموعات المستوطنين إلى المدينة القديمة والحارات العربية التي كانت وما زالت متروكة غير مأهولة من قبل إسرائيل.

ومن المقرر إقامة ألوف أخرى من المنازل للمستوطنين بشكل فوري. وغزة التي تعد جزءا أساسيا من أي دولة فلسطينية في المستقبل، محاصرة ومقطوعة عن الضفة الغربية، ومن المرجح أن تبقى كذلك.

وبما أن الحقائق على الأرض تحول دون حل الدولتين على النحو المتوخى في خطة السلام العربية، فما هو أساس الضغط المتواصل من أجل هذا الحل؟ لا يمكن أن يكون إلا تعديلا يناسب إسرائيل.

وهذا من شأنه أن يسمح لإسرائيل بالحفاظ على المنطقة "سي"، أي ما يمثل 62% من الضفة الغربية، كما دعت إلى ذلك مرارا وزيرة التجارة الإسرائيلية نفتالي بينيت، مما يترك "دولة" فلسطينية من جيوب في الضفة الغربية تفصلها مناطق تسيطر عليها إسرائيل، ويمكن أن يجري ربط غزة بها. وبما أن جيوب الضفة الغربية تلك لا يمكن أن تكون قابلة للحياة، فإن الروابط ستكون مع الأردن ومصر.

وما يخشاه الكثير من الفلسطينيين هو أن قيادتهم غير المنتخبة حاليا، والتي تفتقر إلى التمثيل، والتي يشتبهون أنها لا ترغب إلا في البقاء في السلطة، قد توافق على صيغة مثل هذه الخطة. وفي مثل هذه الظروف، يتعين على الفلسطينيين أن يدركوا أن الوقت ليس لصالحهم وعدم القيام بأي شيء في مواجهة تلك المخططات ليس خيارا بالنسبة لهم. فالوضع الحالي لا يمكن أن يكون أفضل من ذلك لإسرائيل وحلفائها. فماذا يفترض بهم القيام به؟

فصل عنصري

إسرائيل / فلسطين هي اليوم دولة واحدة، لكنها دولة فصل عنصري تميز ضد من هم غير يهود لصالح اليهود. ومهمة الفلسطينيين الآن هي محاربة هذا الفصل العنصري وشن صراع ليس من أجل دولة فلسطينية مستحيلة، لكن من أجل حقوق متساوية تحت الحكم الإسرائيلي.

وسيحتاجون إلى تفكيك السلطة الفلسطينية، التي هي الآن تمثل عائقا يموه الوضع الحقيقي، ومن ثم مواجهة إسرائيل الحاكم الفعلي مباشرة. وكما يكون حال شعب دون جنسية تحت الاحتلال العسكري، يجب أن يطالبوا بحقوق مدنية وسياسية على قدم المساواة مع المواطنين الإسرائيليين، ويعملوا على التقدم بطلب للحصول على الجنسية الإسرائيلية إذا اقتضى الأمر، وهذا يضع العبء على إسرائيل للرد، إما بتجاهل خمسة ملايين فلسطيني تحكمهم، أو إخلاء أرضهم، أو إعطائهم حقوقا متساوية.

 

لعبة قاتلة

ترفض إسرائيل مشروع دولة ثنائية القومية مع الفلسطينيين، لكن بصرف النظر عما تفعله، فإنه سيكون مناقضا لمصلحتها، والفلسطينيون بضربة واحدة يكونون قد كسروا القبضة المهيمنة لها على الخطاب السياسي، وغيروا قواعد اللعبة القاتلة التي تلعب ضدهم. ومن خلال تبني هذه الخطة، لن يخسر الفلسطينيون شيئا إلا أوهامهم، وعند هذا المنعطف الخطير في التاريخ الفلسطيني، فإنها قد تكون الوسيلة الوحيدة لتجنب إبادة قضيتهم.