كل المؤشرات تشير إلى حرب أهلية طائفية تلوح في الأفق العراقي. ومن الممكن تفادي هذه الحرب الأهلية، لكن حتى الآن، فإن قادة البلاد يبدون على غير استعداد للوصول إلى حل وسط، والأطراف الخارجية تظهر اهتماما محدودا بإيقافها.
ويتعين إيلاء اهتمام أكبر للوضع: فإذا لم يجر حل التأزم، فإن حرباً أهلية دموية في العراق سوف تشعل الصراع المتصاعد بين الطوائف على امتداد منطقة الشرق الأوسط، مع احتمال انتشارها إلى بلدان أخرى، وسوف تشكل دعوة للمتطرفين للاستفادة من الحريق.
كوامن العنف
وكان الاحتلال الأميركي للعراق الذي دام تسع سنوات قد اطلق هذا التوتر بين السنة والشيعة، وهو الجحيم الذي يكوي العراقيين بناره، ويجعلهم يستمرون في قتل بعضهم بعضاً. واستناداً إلى مشروع "تعداد الجثث في العراق"، فإن 4505 عراقيين قتلوا نتيجة للعنف في عام 2012، منهم 409 في شهر رمضان وحده.
وسيقول كثيرون إن الحرب الأهلية قائمة بالفعل، لاسيما مع قيام مجموعات عدة بشن عمليات انتحارية وتفجيرات واغتيالات على أساس يومي.
ولا أحد يعلم بشكل مؤكد من المسؤول عن هذا العنف في معظم الأحيان، لكن تنظيم القاعدة، والمسلحين السنة، والبعثيين الثابتين في مواقعهم، والمقاتلين الطائفيين، والقوميين المتمردين على الحكم، هم الملامون بشكل دائم.
وسياسياً، فإن الأمر عبارة عن فوضى. والرئيس العراقي جلال طالباني في حالة صحية سيئة. وطالباني الكردي المعتدل كان شخصية موحدة في علاقة الأكراد بالسلطة المركزية في العراق. وفصائل سياسية عدة تستعد لمعركة الرئاسة، وسط توترات جدية بين الشمال شبه المستقل وبغداد.
وفي أثناء ذلك، فإن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يصطاد خصومه، بمن في ذلك نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، الذي اتهمه بالإرهاب في عام 2011. وفي سبتمبر 2012 حكم عليه بالإعدام غيابياً من قبل محكمة عراقية، ويقيم حاليا في تركيا حيث قيل إنه في مأمن من عملية تسليمه إلى السلطات العراقية.
بالإضافة إلى ذلك، أغارت قوات الأمن التابعة للمالكي على منزل ومكاتب وزير المالية السني رافع العيساوي، واعتقلت عشرة من حراسه بتهم الإرهاب.
ومنذ وصوله إلى السلطة، فرض المالكي سيطرة كاملة على القوى الأمنية في البلاد بواسطة مراسيم تنفيذية. وهذه السيطرة كانت وسيلة للبقاء له ولحكومته، لكن نظامه اتهم بتعذيب السجناء، وغيرها من الانتهاكات التي كانت للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. وهذه الممارسات ولدت معارضة ضده على استعداد الآن للقيام بأي شيء لإسقاطه، بما في ذلك ممارسة الإرهاب، مما يشعل المزيد من العنف الطائفي وعدم الاستقرار.
مخلفات الاحتلال
وكثير من بذور هذا الصراع جرى غرسه في الدستور الذي أعدته أميركا والقوانين العراقية الجديدة التي يعمل في ظلها المالكي. على سبيل المثال، يضفي الدستور طابعا مؤسسيا على انفصال الأكراد والشيعة والسنة من خلال "الأقلمة" وتقسيم إيرادات النفط.
بالإضافة إلى ذلك، ساعدت أميركا في تشكيل جهاز الاستخبارات الوطني، الذي كان يقدم تقاريره مباشرة إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تحت الاحتلال، وأصبح حاليا يقدمها رسميا إلى المالكي.
وفي هذه الأثناء، ينتظر رئيس القائمة العراقية إياد علاوي دوره. وهو يسعى إلى تشكيل حكومته، حيث تحظى القائمة العراقية بدعم واسع باعتبارها التكتل الذي فاز بالنسبة الأكبر من الأصوات في الانتخابات البرلمانية عام 2010.
والأكراد أيضا يستفيدون من وجود حكومة ضعيفة وغير مستقرة لتصعيد مطالبهم من اجل الاستقلال الذاتي، بما في ذلك إمكانية الوصول والسيطرة على كل الإيرادات النفطية في المناطق الكردية. وأخيرا، انطلقت تظاهرات واسعة ومتكررة من المناطق السنية في بغداد وغيرها.
والمالكي كانت لديه فرصة تاريخية لتوحيد العراق والتقدم به اقتصاديا. وقد يكون أمامه وقت لتحقيق ذلك، لكن يتعين عليه أن يبدأ بإنهاء العنف وتغيير سياساته، بما في ذلك وقف استخدام الوسائل الاستبدادية وغير الديمقراطية في الحكم. فالعراقيون قد عانوا الأمرين.
لكن رجلاً واحداً لا يمكنه تحويل المشهد العراقي بالكامل. أولاً يحتاج علاوي إلى وقف تلك الرغبة الحارقة في أن يصبح رئيسا للوزراء. وقادة الأكراد والسنة والشيعة، مثل مقتدى الصدر، يحتاجون للتعاون بحماس مع الحكومة في سبيل الوحدة الوطنية. وسيحتاج الأمر إلى جهود خارقة لمنع انزلاق العراق إلى حرب أهلية.
