كالعادة، داهم جيش غربي مدرب جيداً بسهولة كبيرة قوة من المسلحين الأفارقة، تتمتع بمظهر شرس لكنها عمليا غير مدربة على القتال. فمنذ فترة قصيرة، كان النصف الشمالي من مالي تحت سيطرة مسلحين متشددين، يستعدون للتقدم نحو جنوب مالي أيضا، عندما قررت فرنسا في غضون مهلة قصيرة جدا إرسال جنود وطائرات حربية إلى مستعمرتها السابقة في غرب إفريقيا.
اليوم، أصبحت كل مدن شمال مالي تحت السيطرة الفرنسية، لكن معظم المتشددين نجوا، وتمكنوا من الفرار إلى الصحراء.
والجزء السهل من التدخل قد انتهى الآن.
مهام ثلاث
وليس مستغربا أن يكون التدخل العسكري الفرنسي عبارة عن نجاح فوري.
فالمتشددون، مثل كل الميلشيات الإفريقية شبه العسكرية، لم يكونوا على معرفة بالتدريبات القتالية الأساسية التي يمارسها كل رجال مشاة الجيوش الغربيين، إلى حد أنها تصبح طبيعة ثانية لهم. لكن تأتي الآن ثلاث مهام أصعب بكثير.
- الأولى هي نشر قوة عسكرية مدعومة من الاتحاد الإفريقي، مؤلفة من وحدات من جيوش أخرى في غرب إفريقيا، لتحل محل الفرنسيين.
ولا يمكن تسليم المدن التي استعيدت السيطرة عليها إلى الجيش المالي، الفاقد للكفاءة والفاسد الذي قام بمذابح ضد العرب والطوارق عقب هزيمتهم، حيث إنه سيخسر تلك المدن للمسلحين على الفور. والقوة التي سيطلق عليها اسم "مهمة الدعم الدولي لمالي" تحظى بمباركة إجماعية من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. ولقد التقى المانحون الدوليون في أثيوبيا، أخيرا، وتعهدوا بدفع مبلغ 456 مليون دولار لهذه القوة. كما حدد جيران مالي الكثر، حيث إن للبلاد صحراء مفتوحة مع سبع دول أخرى من غرب إفريقيا، الوحدات التي سيقومون بإرسالها.
لكن ستمر أسابيع، أو ربما شهور، قبل أن تصل الوحدات الإفريقية فعلا، لأن عددا كبيرا من هذه الوحدات غير مدرب جيدا. وفي غضون ذلك، سيكون شمال مالي كليا تحت الحكم العسكري الفرنسي. لكن الجنود الفرنسيين هم أجانب بالكامل. وهم ليسوا مسلمين في بلاد يشكل المسلمون فيها نسبة تسعة أعشار السكان. ولقد تم الترحيب بهم كمحررين عندما دخلوا إلى المدن الشمالية، لكن إذا بقوا لفترة طويلة جدا، فإنهم سيفقدون الشعبية أولا ومن ثم يصبحون مكروهين. وهكذا تجري الأمور في العادة.
- وما أن يحل الجنود الأفارقة محل الجنود الفرنسيين، فإن المهمة التالية تتمثل في إعادة بناء الحكومة الديمقراطية في مالي، التي جرى تدميرها بانقلاب عسكري في مارس الماضي. والرئيس المالي المؤقت، ديونكوندا تراوري، يقول إنه يريد عقد انتخابات في يوليو المقبل، لكن ما وراء الكواليس، ما زال الضباط الشباب الجشعون الذين قاموا بالانقلاب ممسكين بمقاليد الحكم فعليا. ويتعين إعادتهم إلى ثكناتهم قبل إجراء الانتخابات، وهذا الأمر لن يكون سهلا.
حرب منخفضة الحدة
- والمهمة الثالثة تتمثل في الفوز بنوع مختلف من الحروب التي تبدأ في مالي الآن. إعادة الاستيلاء على المدن المحتلة كان أمرا سهلا.
أما الآن، ومع تبعثر المسلحين في صحراء شمال مالي مترامية الأطراف، فإنهم سيطلقون نوعا آخر من الحروب، "حرب الظلال" التي تجري بالغارات والهجوم بالقنابل والاغتيالات. ويمكن أن تعيش البلاد لعقود في هذا النوع من الحروب منخفضة الحدة، لكن الطريقة الوحيدة لتقليصها إلى مستوى يمكن إدارته هي بعقد صفقة سياسية. وهذا الأمر ليس مستحيلا في مالي ،لأن المتطرفين في الواقع خطفوا الثورة من حلفائهم السابقين، الانفصاليين الطوارق.
لكن حكمهم المتسم بالقسوة كان مكروها من قبل معظم السكان، بالتالي يفترض أن يكون عزل المتشددين أمرا ممكنا ،إذا كانت الحكومة المالية على استعداد لعقد صفقة تجلب الانفصاليين الطوارق إلى جانبها. لن يحصلوا على الاستقلال، لكن ربما يمكنهم أن يكتفوا بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي. وسيكون من الصعب الحصول على حكومة مالية جديدة منتخبة بشكل شبه كامل من قبل الجنوبيين لإجراء مثل هذا التنازل، لكن البديل عن ذلك حرب عصابات واستنزاف طويلة في الشمال. هل كان التدخل العسكري الفرنسي في مالي ضروريا؟ نعم من وجهة نظر الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومعظم الماليين. لكن هل كان ناجحا؟ يبقى هذا الأمر غير مؤكد حتى الآن.
صفقة سياسية
معظم السكان في شمال مالي من الطوارق، وهم شعب يقطن في الصحراء من سلالة البربر بتراث بدوي يختلف عرقيا وثقافيا ولغويا عن الأغلبية من السود الافارقة في جنوب مالي. وكثير منهم يدعم الحركة الانفصالية التي كانت تريد إيجاد دولة مستقلة للطوارق في شمال مالي، لكن قليلاً منهم يشارك فعلا وجهات نظر المسلحين المتشددين.
والمجموعتان عقدتا تحالفاً لدحر الجيش المالي خارج الشمال، لكن المتشددين انقلبوا بعد ذلك على حلفائهم، واستولوا على السلطة المطلقة لأنفسهم. لكن حكمهم المتسم بالقسوة كان مكروها من قبل معظم السكان، بالتالي يفترض أن يكون عزل المتشددين أمرا ممكنا إذا كانت الحكومة المالية على استعداد لعقد صفقة تجلب الانفصاليين الطوارق إلى جانبها. لن يحصلوا على الاستقلال، لكن ربما يمكنهم أن يكتفوا بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي. والبديل عن ذلك حرب عصابات واستنزاف طويلة في الشمال.
