تشهد سوريا حاليا التعجيل بمسيرة التاريخ، ولكن في أي اتجاه؟ لقد كان اغتيال قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية أخيرا نكسة خطيرة بالنسبة للنظام السوري، وقد جاء في لحظة بالغة الأهمية، حيث كانت عناصر من الجيش السوري الحر تناضل لفرض ضغوط مكثفة على النظام السوري في معقله في دمشق.
وقد ارتفعت المعنويات عاليا في المعسكر المضاد للنظام وغيره من المجموعات الأخرى التي انخرطت في المعركة، والتي حررت مدنا مختلفة ومعابر حدودية متعددة في تطور لا يمكن التقليل من شأنه بحال.
لكن الجيش السوري النظامي لا يزال قويا، وكذلك الحال بالنسبة للميليشيات المعروفة باسم الشبيحة التي تلتزم بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وعلى الرغم من ذلك فإن أسئلة تثور الآن حول المصير النهائي لهذا الصراع، حتى وإن كانت الأدلة على الأرض توضح أن جانبي الصراع يرغبان في القتال حتى النهاية.
هل سيواصل الجيش اتباع بشار الأسد وأخيه ماهر وقريبيه حافظ ورامي مخلوف؟ وهم الأشخاص الحقيقيون الذين يتولون قيادة عمليات القتال، وليس أولئك الذين لقوا مصرعهم في الانفجار الذي تعرض له مقر قيادة المخابرات؟ أم أنه يمكن التوصل عن طريق وسطاء إلى وقف لإطلاق النار بمساعدة قوة المراقبين الدوليين أو بغيرها بين الجيش النظامي والجيش الحر؟
إن ما يجعل مثل وقف إطلاق النار هذا أمرا صعبا يتمثل في الشبيحة الذين تمت الاستعانة بهم على المستويين القبلي والجمعي، وكذلك عناصر المعارضة التي تدفعها الرغبة في الانتقام، أو الإيديولوجيا التي صاغها تنظيم القاعدة وتدعمها قوى إقليمية .
وقد بدأ هؤلاء في إرسال عائلاتهم بعيدا عن المدن الكبرى إلى قراهم ومعاقلهم المحلية، أما الفريق الثاني فيستفيد من مزايا الفوضى العامة ليقوم بالقتل على أساس طائفي.
وهاتان المجموعتان يمكن أن تقودا سوريا إلى عنف متصاعد مع أعداد من القتلى تتجاوز كل تلك التي شهدتها سوريا على امتداد الشهور السبعة عشرة الماضية. ونحو تقسيم للبلاد يقوم على أساس السيطرة المحلية.
وفي هذا السياق فإن موقف الأكراد في شمال شرقي سوريا جدير بالاعتبار، فبينما كان العنف هناك أقل احتداما بكثير فإنه يجري حاليا تشكيل ميليشيات كردية، والدعوات إلى تقرير المصير سيكون من الصعب إدماجها في دعوة كل جماعات المعارضة إلى سوريا مستقبلية تكفل مواطن متساوية للجميع.
تأتي هذه التطورات الحديثة في فترة من الأنشطة الدبلوماسية المكثفة، وكان ينبغي لاتفاق جنيف حول التحول في سوريا أن يخفف حدة احتدام "الصراع على سوريا" بين القوى العظمى، ويضغط بدلا من ذلك على القوى الإقليمية لضمان تحول سلس، ولكن من المندهش أن الولايات المتحدة اختارت التصعيد، وقامت بعد يوم واحد من الانفجار في دمشق الذي أودى بالقادة العسكريين والأمنيين بالضغط على مجلس الأمن لفرض عقوبات وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على النظام السوري المتداعي بالفعل، حتى لو كان هذا التوجه ليست أمامه فرصة كبيرة لتبنيه.
ومارست روسيا والصين في نهاية المطاف حق الفيتو في مواجهته.
يمكن بالطبع فهم الموقف الروسي، باعتباره يعني أن الروس يفضلون خسارة سوريا كحليف لهم على أن ينظر إليهم على أنهم قد تخلوا عنها، ولكنه أيضا يمكن أن يعني أنهم يعتبرون أن هذا الوضع يسمح لهم بالقيام بدور مهم في قوة حفظ سلام دولية قد تمس الحاجة اليها لتجنب حرب أهلية شاملة عقب الانهيار الشامل لمؤسسات الدولة.
والروس يعرفون، شأن الأميركيين وغيرهم، أن النظام السوري قد سقط بالفعل وأن الأسد يتعين عليه أن يغادر سوريا. وأجمعت كل عناصر المعارضة السورية السياسية على ذلك في مؤتمرها الذي عقدته في القاهرة أخيرا، وما هو معرض للخطر الآن هو ما ستشهده المرحلة المقبلة.
والآن هل سيكون رحيل الأسد عن سوريا كافيا للقوى الإقليمية البارزة، وكذلك للحزب الحاكم في تركيا؟ أنم أنها تريد المزيد؟ . هل يمكن ان تقبل بصورة جوهرية سوريا موحدة لا يمكن إلا أن تحافظ على أساس دولة علمانية ذات مواطنة متساوية؟ هل ستقبل مثل هذه الدولة الديمقراطية القوية والحرة حتى بعد تحول طويل؟ يظل هذا ملتفا بالغموض.
السؤال الحقيقي
السؤال الحقيقي الآن هو ما إذا كانت الولايات المتحدة تريد سوريا مستقرة وموحدة حتى بعد فترة تحول طويلة، هل لديها السبل للتأثير على مثل هذه النتيجة من خلال القوى الإقليمية البارزة، ومن بينها تركيا وغيرها؟ لقد حدثت قطيعة كاملة مع النظام الحالي بالفعل داخل قطاع كبير من السكان السوريين، بل أنه يمكن تصور قيام البعض منهم بدعوة تركيا أو الولايات المتحدة إلى قصف سوريا لمجرد التخلص من الأسد والحاشية المحيطة به، بينما تحولت القوى المتحالفة التقليدية في ذهن الشعب السوري إلى حلفاء استراتيجيين للعدو.
