اتصل بي صديق سوري في وقت مبكر أخيرا، وقال:" إنني أتصل بك لأبلغك بأننا عائدون، فالأمور على ما يرام الآن في منطقة المزة". رحت أتساءل عن مدى صحة هذا التصور، ثم اتصلت بي زميلة لبنانية ،وأبلغتني أن ثلاثة أصدقاء سوريين قد اتصلوا بها لتوها مودعين بحيث أنهم عائدون إلى دمشق مع عائلاتهم بعد أن انحسر القتال هناك.

عاودت المرأة نفسها الاتصال بي هاتفيا، لتبلغني بأنها اتصلت بصديق لها في حلب أخيرا لتطمئن عليه، وقالت :" كان في مطعم مزدحم في وسط المدينة، وكان من الصعب سماع ما يقوله بسبب الضوضاء السائدة في المطعم". اختفى فجأة من الشوارع مشهد صفوف السيارات السورية خارج مطاعم بيروت أخيرا، وهي السيارات التي يملكها مؤيدو النظام السوري الذين يقومون ب"عطلة" قصيرة من سوريا.

تساؤل يكتنفه الغموض

وجهت ضربة عنيفة أخيرا إلى حزب البعث ،بالطبع، ولكن هل يمكن أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد بسبيله إلى الفوز، ولو لفترة قصيرة خلافا لكل التوقعات؟ ليس هناك شك في قدرة الانتفاضة السورية على الصمود، حيث يبرهن تقرير هيئة الإذاعة البريطانية المدهش عن القتال في مدينة حلب على ذلك، ولكن الاتصالات الهاتفية من دمشق تروي قصة محددة تتكرر هي ذاتها، وهي انه لا وجود لإطلاق النار في العديد من المناطق هناك في الآونة الأخيرة بعد قمع المعارضة.

اتصلت هاتفيا بسيدة سورية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة تلقت تعليما جيدا وهربت من دمشق أخيرا، فتتأمل في حديثها حول كيف ان الرئيس السوري بشار الأسد كان يمكن أن يفلت من المأزق لو أنه قد استجاب بصورة جيدة لاندلاع العنف للمرة الأولى في درعا بعد تعذيب صبي في الثالثة عشرة من عمره حتى الموت.

الفرصة الضائعة

وقالت:" أتدري أننا كنا على استعداد لمنحه فرصة، فقبل أن يحدث هذا كله كان شابا في مقتبل العمر مختلفا وربما كان لطيفا، وقال إنه إصلاحي النزعة ، وبدا متصلبا وواثقا من نفسه، ولكنه لم يكن سيئا، ونحن نعتقد أنه في عام 2005 (بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري) كانت هناك مؤامرة ضد سوريا، ثم في خطابه الأول الذي ألقاه بعد درعا في مارس من العام الماضي، وبعد اعتقاد كثير من الناس أن الأمور ربما لا تزال مختلفة، بدأ في الحديث عن مؤامرة ضده ، وأنه لا يمكن دفعه دفعا نحو الإصلاحات، بل وشرع في الضحك ذات مرة ، ولم يكن هناك شيء يشير إلى إحساس بالمسؤولية.

 كان ذلك هو الوقت الذي ضاعت فيه فرصة النظام".

ولكن كان من الخطأ الاعتقاد أن بشار الأسد يدير سوريا ،حسبما قالت لي هذه السيدة، فسوريا تديرها أوليغارشية تعمل وفق مبدأ الجميع للفرد والفرد للجميع.

والأوليغارشية لا تعطي حرية لقائدها ،وأضافت : " لم أتوقع قط أن أرى طائرات الهليوكوبتر الحربية وهي تحلق فوق شرفتي 6 ساعات، وكنا جميعا قد قلنا إن النظام لن يتصرف في دمشق مثل المدن الاخرى، ولكن سقط 20 قتيلا في المنطقة التي أقيم بها، وظهر جندي سوري على شاشة التلفزيون وهو يركل بحذائه رأس رجل قتيل، ولست أدري كيف يمكن لأي نظام أن يستمر بعد هذا".

إلى أي مدى سيصمد الرئيس السوري إذن؟ ردت السيدة السورية : " بشار لن يهرب من دمشق ،هذا هراء تردده الصحف الغربية ". ثم صدر عنها تعبير قاتل ،حيث قالت:" ربما يصمد شهرا أو شهرين".

هناك شكوك حول أن المذبحة السورية الكبرى الأولى التي قطعت فيها الأعناق وأجريت عمليات الإعدام في قرية الحولة السنية في الخامس والعشرين من مايو الماضي ربما كانت انتقاما من محاولة تسميم آصف شوكت ،زوج أخت الرئيس بشار الأسد، والذي تمكن الثوار من القضاء عليه في تفجير دمشق الشهير أخيرا. ويقول آخرون إن محاولة تسميم آصف شوكت كانت أحدث زمنيا، ولكن كل ما حدث ولا يزال يحدث في سوريا يرتبط بعضه ببعض.

 

إحصاءات دالة

 

هناك إحصاءات أخيرة يمكن أن تفسر الثورة في خارج دمشق، حيث تظهر أحدث الأرقام المتوفرة أن 58% من سكان سوريا ممن يقل عمرهم عن 24 عاما يعانون من البطالة ( وهي نسبة أعلى حتى من نظيرتها في مصر).

ومن ناحية أخرى، وفي الإطار نفسه، يعاني من البطالة أيضا 48% ممن تتراوح أعمارهم بين 18-29 عاما ، وهي نسبة لا تفوقها إلا النسبة المناظرة في اليمن.

وهؤلاء الشباب يعرفون الواقع وما يعانون منه، ومعظمهم قد انضم إلى صفوف الثورة السورية بالفعل، وانخرطوا في القتال ضد النظام على امتداد سوريا.