يشير استهداف عدد من الشخصيات العسكرية والأمنية السورية المهمة، بمن في ذلك أعضاء من الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس السوري بشار الأسد، إلى نقطة تحول في الانتفاضة التي مضى عليها 17 شهرا. ولا زال الغموض يحيط بهوية القائمين بهذه العملية ضد مقر الأمن القومي.

ووفقا لبعض التقارير، فقد تم تنفيذها من قبل الجيش السوري الحر بالتعاون مع مؤيدين له داخل القوات العسكرية. وهناك تقارير أخرى تشير إلى أنها نتاج صراع داخلي على السلطة بين قوى النظام.

وفي كلتا الحالتين، فان المضمون المباشر لهذه العملية هو أن أسس النظام، أساسا القوات العسكرية والأمنية، قد تم هزها بشدة، وتظهر علامات دالة على الانكسار والضعف، وإنه لم يعد بالإمكان أن يؤخذ كأمر مفروغ منه شدة إخلاص مجموعات وحدات النخبة لنظام الأسد.

وسيناريو الصراع الداخلي يفتح المجال أمام بروز متنافسين طامحين للسلطة من داخل النظام. لكن الأمر الأكثر ترجيحا هو وجود لاعبين داخل الحكومة والجيش يعملون مع الانتفاضة. والجيش السوري الحر وغيره من الناطقين باسم المعارضة يؤكدون باستمرار خلال مقابلاتهم الإعلامية وجود مؤيدين لهم داخل المؤسسات الرئيسية في الدولة، لا سيما الجيش.

انهيار بوتيرة أسرع

ويبدو أن النظام ينهار على وتيرة اسرع مع بروز تقارير تفيد بتصاعد الانشقاقات داخل المؤسسة العسكرية عبر البلاد، في إدلب وحلب وحمص ودمشق. ومن المتوقع أن يلي ذلك مزيد من الانشقاقات في الدوائر الدبلوماسية والسياسية.

ومن غير الواضح بعد كيف ستنتهي المعركة في دمشق. والجيش السوري الحر والميلشيات المرتبطة به ليست لديها قدرات عسكرية متناسبة مع الجيش النظامي، ومن دون انشقاقات كبيرة، فإن الحرب ستستمر في شكل حرب عصابات بين ميليشيا الثوار والجنود المخلصين في أحياء المدينة وضواحيها المختلفة، مع خطر التحول إلى صراع طائفي. ومع التفكك الظاهر في النظام، يصبح السؤال المطروح هو من هي القوى التي سوف تحل مكانه.

والانتفاضة السورية لها عدة أوجه: إنها انتفاضة شعبية تشمل احتجاجات سلمية وأشكالا من العصيان المدني جنبا إلى جنب مع صراع مسلح تقوم به مجموعات من الميليشيات تتألف من منشقين عن الجيش ومدنيين امتطوا السلاح دفاعا عن النفس، وجميعهم تحت مظلة الجيش السوري الحر، لكنهم ليسوا بالضرورة يعملون ضمن هيكلية موحدة أو تحت قيادة موحدة.

وجناح مدني للانتفاضة بقيادة لجان تنسيق محلية التي على الرغم من فاعليتها في تعبئة الاحتجاجات الشعبية، يتعين عليها مع ذلك أن تتقدم ببرنامج سياسي، كما أنه ليس لديها قادة يمكن التعرف عليهم بشكل واضح.

وفي غضون ذلك، أظهرت المعارضة السياسية التقليدية أنها منقسمة على نفسها، حيث ينافس المجلس الوطني السوري الذي يضم تيارات مختلفة مجموعات أخرى مثل المنبر الديمقراطي السوري. وفي هذا السياق، يواجه السوريون مشكلتين: القيادة السياسية وكيفية العمل على شروط الانتقال السياسي.

صراع يزداد تعقيداً

ويزيد من تعقيد الصراع السوري الألاعيب الجيوسياسية للقوى الإقليمية والدولية. وقد قوض لاعبون أنداد إقليميون ودوليون لديهم أجندات ومصالح متنافسة إمكانية استنباط وسائل لحماية المدنيين من عنف النظام والحيلولة دون وقوعهم في مرمى تبادل النيران ما أن بدأت عسكرة الانتفاضة.

ومع ميل ميزان القوى بعيدا عن نظام الأسد، يبدو أن هؤلاء اللاعبين الدوليين والإقليميين في صراع على النفوذ داخل الأمم المتحدة لفرض شروط لحل النزاع. ويبدو محفز القوى الغربية التي تضغط لتبني قرار في مجلس الأمن ضد النظام السوري يتضمن بنودا لتدخل عسكري تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، رغبتها في وضع مسار الانتقال النهائي تحت سيطرتها في الأساس. وبدورها، تصر روسيا على أن تفويض بعثة مراقبي الأمم المتحدة يجب أن يصاغ بطريقة تبقي نظام الأسد في مكانه.

وإذا كان التدخل العسكري الأجنبي خطيرا عندما كان النظام يحتفظ بجبهة موحدة ويمسك بقبضة قوية على أجهزة السلطة، فأنه أصبح اكثر خطورة الآن مع تراخي قبضة الأسد على السلطة. ومثل هذا التدخل سوف يساهم في تصعيد العنف ليس إلا، ويؤدي إلى المزيد من الشرذمة بين التيارات المختلفة ويهدد استقلالية البلاد وسلامة أراضيها.

 

تسوية سياسية

 

لقد أضعف النظام السوري بشكل واضح خلال الأحداث الأخيرة، إلا أن الصراع السوري يبقى أمام طريق مسدود. من جهة، يستمر النظام في السعي إلى مقاربة عسكرية أمنية بهدف سحق الانتفاضة الشعبية بكل الأثمان. ومن جهة أخرى، فقد أصبحت بعض مجموعات الثوار على الأرض والمعارضة المنظمة في المنفى متمسكين بالأغلب بالخيار العسكري كوسيلة لإسقاط النظام. وفي سبيل تجاوز هذا الطريق المسدود القائم حاليا، فإنه يتعين على السوريين من كل قطاعات المجتمع أن يتفقوا فيما بينهم على أن حلاً عبر الوسائل العسكرية لا يمكن التوصل إليه، بل يجب أن يفاوضوا على تسوية سياسية تقيم حكومة في سوريا لمرحلة ما بعد الأسد وتضع برنامجاً لمصالحة وطنية.