يعد ورود الأخبار من تمبكتو أمراً نادر الحدوث، لكن هناك الكثير منها في هذه الأيام. فالمتشددون يدمرون المقابر القديمة الرائعة التي تعتبر بمثابة رموز ثقافية ذات قيمة رفيعة. والنساء اللواتي اعتدن السير بحرية يخشين الآن من مغادرة منازلهن دون نقاب.
وتم نهب المدارس والعيادات والبنوك وحرقها. والمتشددون ينطلقون الآن بلا رادع في تمبكتو وأجزاء أخرى من مالي، تلك الدولة القديمة غير الساحلية الواقعة في شمال إفريقيا التي كانت يوما ما مقراً لإمبراطورية تجارية. وهم متحالفون مع تنظيم القاعدة.
وهم بالفعل يسيطرون على منطقة محدودة السكان تعد من حيث المساحة أكبر من تكساس. وليس من الصعب أن نتصور أن تصبح هذه المنطقة حاضنة للإرهاب والجريمة العابرة للحدود، أو أن نتصور أن الولايات المتحدة ستقوم بردة فعل عن طريق جعل مالي أحدث جبهة في حربها باستخدام الطائرات الموجّهة عن بُعد الآخذة في الاتساع.
ثمرة مريرة
إن هذه الكارثة لم "تحدث" فحسب. فهي نتيجة مباشرة لواقعة قد تبدو غير ذات صلة في البداية، وهي التدخل الذي قادته الولايات المتحدة في ليبيا في العام الماضي. ونادرا ما كان في الآونة الأخيرة مثالاً أكثر وضوحا بشأن كيف أن مثل هذه التدخلات يمكن أن تسفر عن نتائج غير متوقعة ومدمّرة.
في ظل نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، الذي قتل خلال الحرب الليبية، تشكل جزء من الجيش الليبي من الطوارق. وهم شعب من البدو الرحّل الذين يتركز وطنهم التقليدي في شمال مالي. وبعد خلع القذافي، عادوا إلى وطنهم مسلحين بأسلحة قوية تم جلبها من ليبيا. وسعياً منهم للضغط من أجل قضيتهم لإقامة وطن لهم في مالي، سرعان ما اجتاحوا الجيش المالي المسلح تسليحاً خفيفاً.
وفي هذا الاضطراب برزت جماعة أخرى تتشكل ليس على أساس العرق ولكن من خلال التكريس لشكل متشدد. فقد استقطبت المسلحون من تنظيم القاعدة من العديد من البلدان، بما في ذلك نيجيريا وباكستان والصومال والجزائر. ويسعون لإقامة دولة إسلامية خالصة، وتدمير المساجد والآثار الإسلامية التي يعتقدون أنها تمثل تصوراً غير صحيح للإسلام.
هذه أزمة ناشئة تبرز حالياً ويمكن أن تشغل العالم لعدة سنوات. فقد خرجت منطقة شاسعة عن نطاق سيطرة الحكومة المركزية وسقطت في أيدي المتشددين المتسمين بالعنف. ربما تسبب الموت والمعاناة أكثر بكثير مما فعل القذافي.
دور عصابة الأربعة
وسعى أربعة مسؤولين في واشنطن جاهدين في العام الماضي للتدخل في ليبيا، وتمكنوا من إقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه كان من الضروري تجنب وقوع كارثة إنسانية. وعندما قرر الأربعة، وهم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس واثنان من الأعضاء في مجلس الأمن القومي، وهما سامانتا باور وسميث غايل، حشد التأييد لهذا التدخل، هل درسوا العواقب المحتملة؟
الأمر المثير هو أن نتصور أن الأربعة كانوا يعرفون دور الطوارق في جيش القذافي، وأدركوا أن الطوارق سيعودون إلى مالي إذا تمت الاطاحة بالقذافي، وأدركوا أن هذا من شأنه أن يلقي رقعة من شمال افريقيا في حالة من الفوضى. وهذا أمر ليس من المرجح أيضاً. نادراً ما يدرس الأميركيون العواقب السلبية المحتملة للتدخلات الأجنبية.
من خلال بناء جيش جهادي في أفغانستان، ساعدت الولايات المتحدة في تشكيل قوة عابرة للحدود أغرقت المنطقة كلها في الحرب. غزو واحتلال العراق أطلقا شرارة صراع مدني مدمر. ويمكن أن تضاف مالي الآن إلى لائحة الدول التي تم دفعها نحو حالة عدم الاستقرار التي تقودها الولايات المتحدة بعمل عسكري. التدخل العنيف في السياسة في بلد آخر يشبه إطلاق عجلة من أعلى التلة، دون أن يدري المرء كيف سوف ترتد أو الوجهة التي ستنتهي إليها.
عصابة الأربعة
ربما ليس من المبالغة أن نتوقع أن الهواة من أصحاب النية الحسنة مثل "عصابة الأربعة" الذين دفعوا الولايات المتحدة إلى حرب في ليبيا يعرفون ما يكفي عن هذا البلد لفهم النتائج التي قد تترتب على عملهم. وينبغي أن يكون ممكناً على الأقل أن يحدونا الأمل بأن مخططي السياسة سيدركون جهلهم. يمكن أن تقودهم جرعة من التواضع إلى إدراك أن التدخل العسكري يؤدي دائما إلى نتائج غير متوقعة.
ربما يكون التدخل الذي قادته الولايات المتحدة في ليبيا قد منح تنظيم القاعدة واحداً من أكبر انتصاراته منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وهذا أمر واقعي، خصوصاً أن الولايات المتحدة تفكر في شن هجوم عسكري على سوريا. القوة العسكرية الساحقة تضمن نصراً قصير الأمد في هذه التدخلات. لا يمكن لأي قدر من الأسلحة، مع ذلك، أن يمنع حدوث "نكسة" مدمرة لاحقة في كثير من الأحيان. الناس الذين يعانون في مالي هم آخر من يتعلمون هذا الدرس المأساوي.
