عاد فلاديمير بوتين إلى رئاسة روسيا في شهر مايو الماضي، ولم يستغرق الأمر أكثر من 60 يوماً لقلب بعض الخطوات الإيجابية الخجولة فيما يتعلق بالحرية المدنية والسياسية التي جرت أثناء الفترة الفاصلة للرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف.
ويقوم الحزب الحاكم في روسيا بحشد مجموعة من القوانين من خلال البرلمان الروسي، من خلال سنّ قيود جديدة على المنظمات غير الحكومية وحرية التعبير والتظاهرات العامة.
قوانين غريبة
ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو القانون الذي اعتمده البرلمان الروسي، أخيراً، الذي يطلب من المنظمات، مثل مجموعات المجتمع المدني، التي تقبل أي تمويل أجنبي بالتسجيل لدى السلطات الروسية تحت صفة "وكلاء أجانب". سنتحمل أعباء تدقيق و متطلبات إبلاغ إضافية، مع عقوبات مدنية وجنائية متصلبة عن الانتهاكات.
وهذا يتناقض مع الخطوات التي اتخذها الرئيس السابق ميدفيديف في عام 2009، عندما خفف قليلاً من السيطرة المشددة للحكومة الروسية على الجماعات غير الحكومية. يقول القائمون على صوغ القانون إن هذا الاجراء يهدف إلى "ضمان الشفافية". لكن مصطلح "وكيل أجنبي" في روسيا له معنى سلبي للغاية، ذلك أنه أقرب إلى "جاسوس أجنبي". والنتيجة هي تشويه صورة الجماعات الممولة من الخارج التي تسعى لتشجيع التغيير في روسيا.
في غضون ذلك، كان ميدفيديف قد روّج في وقت من الأوقات للإنترنت على أنها ذات أهمية جوهرية بالنسبة للتنمية الاقتصادية لروسيا. ولكن في ظل مشروع قانون تم تقديمه في الآونة الأخيرة، فإن السلطات الروسية لديها القدرة على وضع قائمة من محتوى الويب التي تراها ضارة للأطفال أو أن أي محكمة قضت بكونها "متطرفة".
وأي موقع على الانترنت يتبين أن مثل هذا المحتوى يتطلب 24 ساعة لإخطار مالك الموقع، والذي بدوره ستكون أمامه 24 ساعة لإزالة المحتوى. فإذا لم يفعل المالك ذلك، يحق للشركة المستضيفة على الشبكة أن تحظر الموقع بأكمله. وهذا من شأنه أن يواصل الجهود التي كانت جارية على المستوى الإقليمي لبعض الوقت.
قوانين مقيدة
ومن غير الواضح أي وكالة أو مكتب سيعدّ قائمة المحتوى الذي يعتبر ضارا للأطفال. يتعين على كل حكومة حماية الأطفال من الضرر. لكن من المعروف عن السلطات الروسية أنها تستخدم القوانين الأخرى المقيدة للتعبير، ولا سيما التي تعتبر ضمن نطاق "التطرف"، لاتخاذ إجراءات صارمة ضد المعارضة، ويمكنها استخدام مشروع قانون لإغلاق مواقع مجموعات الاحتجاجات على الانترنت.
أمل باستعادة الحرية
وفي أواخر رئاسة ميدفيديف، خففت موسكو أيضاً حظرها بحكم الأمر الواقع على احتجاجات عامة قامت بها المعارضة السياسية. وقادت الاحتجاجات السلمية الكبيرة التي أعقبت الانتخابات البرلمانية في روسيا في ديسمبر الماضي الكثيرين إلى الأمل في إمكانية استعادة الحرية الكاملة للتجمع.
لكن في يونيو الماضي، اعتمد الرئيس الروسي بوتين التعديلات الجديدة في القانون والتي تزيد بشكل كبير من الغرامات المفروضة على مخالفة القواعد فيما يتعلق بإقامة فعاليات عامة وفرض قيود أخرى مختلفة تزيد الأمر صعوبة و تكلفة بالنسبة لمن يعارضون سياسات الحكومة في الانخراط في الاحتجاجات العامة. وزادت بعض الغرامات بمقدار 300 ضعف، إلى مبالغ طائلة بالمقارنة مع دخل المواطن الروسي العادي.
في الآونة الأخيرة، اعتمد مجلس الدوما مشروع قانون يجدد تجريم أنواع معينة من السب والقذف. وقبل ذلك بسبعة أشهر فقط، لم يكن التشريع الذي أطلقه الكرملين في عهد الرئيس الروسي السابق ميدفيديف يجرّم التشهير، وقد جلب لموسكو التقدير من مجلس أوروبا لجعل القانون الروسي متفقاً مع المعايير الأوروبية.
تبريرات واهية
تم اعتماد قانون تقييد التظاهرات العامة في روسيا بسرعة غير عادية، و بالسرعة نفسها فقد تم تمرير قوانين المنظمات غير الحكومية والتشهير من خلال البرلمان الروسي، ويتوقع أن يتم التصديق عليها من قبل "مجلس الاتحاد"، وهو بمثابة مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي.
لقد برر المسؤولون هذه القيود الجديدة بالادعاء أنها لا تختلف عن الأنظمة والممارسات الغربية. في حالة قانون المنظمات غير الحكومية، فإن هذا الادعاء غير صحيح بالمرة. فلا يزال التشهير الجنائي مطبقاً في بعض دول مجلس أوروبا، ولكنه يكاد يكون غير مطبق على الإطلاق (إلا في بلدان مثل أذربيجان).
حتى أن بعض الدول أعادت تجريمه مجدداً. أما بالنسبة للقوانين الروسية المتعلقة بتنظيم المظاهرات، فهي أكثر صرامة بكثير من تلك الموجودة في ألمانيا و بريطانيا. على الرغم من القانون الفرنسي لا يسمح بفرض عقوبات مشددة لانتهاك قواعد التظاهر العام، فإن السلطات الفرنسية لم تبدأ معاقبة الناس على القيام بمسيرات سلمية دون حسيب أو رقيب.
