تعد دعوة الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي مجلس الشعب إلى إعادة الانعقاد بعد قرار المحكمة الدستورية العليا بحلّه بمثابة خطوة أولى ضمن خطوات صدامية أخرى مع المؤسسة العسكرية المصرية، وذلك على الرغم من تراجعه لاحقاً عن هذا القرار.

ففي ضوء مرحلة التحول التي تشهدها مصر من الاستبدادية إلى الديمقراطية، فإن الجدل بشأن شرعية مجلس الشعب مفعم بمسائل قانونية. فقد تم حلّ المجلس، الذي يهيمن عليه الإسلاميون، من قبل المجلس العسكري الأعلى الذي أصرّ على أن ثلث أعضائه تم انتخابهم بشكل غير قانوني. وأيدت المحكمة حكمها السابق، أخيراً، بحلّ المجلس ووصفته بأنه ملزم و نهائي.

موقفان متضاربان

وفي إطار إعلان الرئيس المصري لموقفين متضاربين في هذا الشأن شدد على أنه لا ينتقص من قرار المحكمة لكن قراره يلغي الإجراءات التنفيذية التي اتخذها المجلس العسكري في حال عدم وجود رئيس مدني. وفي الواقع، فإن القضية الرئيسية في هذا النزاع تتعلق بما إذا كانت المؤسسة العسكرية على استعداد لتسليم السلطة إلى ممثلين منتخبين من الشعب المصري.

وفي هذا الشأن تختلط الأدلة. قبل المجلس العسكري بانتخاب مرسي، وهو مرشح جماعة الاخوان المسلمين الذي هزم منافسه الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأخير في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

لكنه أقال البرلمان وأصر على الاحتفاظ بسلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بالميزانية والاعتراض على اتخاذ رئيس الجمهورية قرار الحرب. كذلك احتفظ بحقه في الاعتراض على الدستور الجديد بوصفه يتعارض مع "هدف الثورة ومبادئها الرئيسية". أخيراً، رداً على قرار مرسي بإعادة انعقاد مجلس الشعب أصدر المجلس العسكري بياناً أعرب فيه عن ثقته بأن "جميع مؤسسات الدولة" ستحترم الدستور والقانون، في تحذير غير مباشر موجّه إلى مرسي وأعضاء البرلمان.

وشأن المؤسسة العسكرية في تركيا، فإن القوات المسلحة المصرية تعتبر نفسها حصناً ضد التطرف الاسلامي. كما أنهم مصممون على الاحتفاظ بدورهم الموسع ليس في الدفاع عن الطابع الوطني لمصر فحسب، ولكن أيضا في مجموعة من الأنشطة الحكومية والاقتصادية.

إلى حد ما، ربما استمالت السلطة العسكرية، جنباً إلى جنب مع حقائق اقتصادية، مرسي و جماعة الاخوان المسلمين باتجاه مسار أكثر تعددية و اعتدالاً. ولكن إذا كان قادة المجلس العسكري في مصر يبالغون في تأكيد سيطرتهم، فإنه يفقدون الدعم الشعبي و يستعدون حلفاء مصر، بما فيهم الولايات المتحدة التي توفر معونة عسكرية بقيمة. 1.3 مليار دولار في السنة.

وحذر كل من الكونغرس وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قادة المجلس من أنهم يخاطرون بفقدان هذه الأموال إذا تم إحباط عملية الانتقال إلى الديمقراطية. سوف تفسر محاولة حلّ البرلمان المستأنف داخل مصر وخارجها باعتبارها مجرد عرقلة من هذا القبيل.

يبدو أن هدم المؤسسة العسكرية المصرية لعملية التحول الديمقراطي للربيع العربي في هذا البلد تصل إلى مرحلة تنذر بالخطر.

موقف مشين

ونتيجة لدعم الولايات المتحدة المستمر للجيش المصري، الذي تتجاوز قيمته أكثر من مليار دولار سنويا، تضع أميركا نفسها بشكل مباشر في موقف مشين أمام أبناء الشعب المصري في غمار غضبهم إزاء ما يقوم به الجيش.

لقد ظنوا أنهم قد أطاحوا بالنظام الدكتاتوري لحسني مبارك، في أعقاب إطاحة التونسيين برئيسهم السابق في بداية عام 2011. و أطاحت مظاهرات ميدان التحرير بمبارك وبنظامه نظرياً. ولم تقاوم المؤسسة العسكرية التي تتولى السلطة في مصر منذ عام 1952.

وعلى هذا الأساس فإن سيطرتها، التي جاءت من حيث المبدأ للحفاظ على السلام إلى أن يتم الانتقال السياسي إلى الديمقراطية، قد قوبلت بترحاب بشكل عام من قبل المصريين وبقية أنحاء العالم، انطلاقاً من الشعور بالقلق إزاء حدوث اضطراب محتمل في بلد يصل تعداد سكانه نحو 81 مليون نسمة.

وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات البرلمانية وكتابة دستور جديد وانتخاب رئيس جديد، كل ذلك بوسائل ديمقراطية لم يسبق لها مثيل. و أجريت الانتخابات البرلمانية، وفاز الاخوان المسلمين بالأغلبية، كما كان متوقعاً. والآن، فإن المحاكم، التي يشغلها قضاة عينهم الرئيس السابق مبارك، قد ألغت نتائج تلك الانتخابات. و أشارت المؤسسة العسكرية أنها ستكون بمثابة هيئة تشريعية انتظاراً لنتائج انتخابات برلمانية جديدة، لم يتم تحديد موعدها حتى الآن.

 

الاستقرار و السلام

 

لا بد أن هناك شكوكاً قوية بأن المحكمة الدستورية العليا في مصر قد تصرفت في كل الأحكام التي أصدرتها بتشجيع من المجلس العسكري، الذي سعى هو نفسه إلى تحجيم صلاحيات الرئيس الجديد و الحفاظ على هيمنة الجيش في السياسة. وبالقدر نفسه من الأهمية، يمكن أن يكون الرئيس الجديد سعى لتحدي القادة العسكريين.

وبالتأكيد، فإن مواجهة الند بالند ليست هي الحل. يشعر كثير من المصريين، وليس مؤيدي جماعة الاخوان المسلمين وحدهم، بالغضب إزاء عدم تغير الكثير من النظام القديم الذي ساد في عهد الرئيس المصري السابق مبارك. وهناك العديد من الذين يعتقدون أنه من خلال دعم مرسي وجدول الأعمال الأوسع من أجل التغيير، فإن الاحتجاج سوف يجبر الجيش على الخضوع.

ويكاد يكون هذا في إطار التفكير بالتمني، والذي يمكن أن يؤدي إلى إراقة الدماء في الشوارع و إلى الفوضى، في الوقت الذي يحتمل أن يحدث انقسام في الجيش ويبدأ في التقاتل داخلياً.