يبدو أن سوريا قد بدأت تتمزق أوصالها ،ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى أن الهياكل السياسية القائمة منذ ربع قرن من الزمان لم تشهد تغييراً حقيقياً. فالرئيس السوري بشار الأسد، الذي ورث السلطة عن والده قبل 12 عاما، أراد تحديث النظام فحسب، وليس إصلاحه على الإطلاق.

 فلا يزال أمن النظام هو الأولوية القصوى، حيث تتركز السلطة في يد رئيس الجمهورية و حاشيته، و تتم ممارستها في شكل محدد من أشكال الاستبداد التي تعتمد على العلاقات الطائفية و الإدراج الانتقائي من خلال المحسوبية والفساد والقمع الشديد للمعارضة.

وبدلا من بناء مجتمع يقوم على المواطنة ويقر التنوع الثري بالهويات الاجتماعية والدينية والعرقية والإقليمية والسياسية في سوريا، فرض النظام على امتداد عقود قيوداً على الساحة السياسية، من خلال الحد من النقاش السياسي بحيث يقتصر على المجالين الخاص و السري، و تغذية العداوات الطائفية.

قرار بالمواجهة

من خلال اتخاذ قرار بمواجهة الانتفاضة السلمية في الأصل بالقوة الوحشية، أي الحل العسكري أو "الأمني" بلغة النظام، فإن الرئيس الأسد نفسه جلب على البلاد خطراً حقيقياً يتمثل في اندلاع حرب طائفية و إجراءات محتملة للانتقام الطائفي ضد طائفة العلويين إذا سقط النظام وعندما يسقط.

لقد اقتنعت قيادة النظام السوري بأنها قادرة على تحقيق النصر عسكريا، وبالتالي لم تقدم شيئاً لتنفيذ خطة مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سوريا كوفي عنان. و لم تسحب الأسلحة الثقيلة، ولم يتم الإفراج عن معظم السجناء، و تتواصل عملية قصف المناطق السكنية. وفي الوقت نفسه، فقد أصبحت الاحتجاجات انتفاضة استنزاف حقيقية، تتخذ طابعاً عسكرياً بشكل متزايد، و من غير المرجح أن تفوز عسكرياً، لكنها قوية بما يكفي لكي تنتشر.

لدى مراقبي الأمم المتحدة تفويض بالمراقبة فقط، وليس للتدخل و الحماية، لكنهم لم يكونوا قادرين على القيام بمهمتهم المحدودة بسبب العنف و العراقيل.

ليس لدى الأمم المتحدة ولا الجامعة العربية و لا الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي "خطة احتياطية"، ولكن حدوث مجزرة جديدة يثير دعوات جديدة إلى شكل من أشكال التدخل العسكري.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الغضب الأخلاقي لا يقدم الإرشاد الاستراتيجي. يتعين أن يكون الهدف الرئيسي الآن هو وقف العنف، و بالتالي فتح المجال أمام الوساطة للتحول السياسي، وهي في جوهر ما كانت تنص عليه خطة عنان.

ينبغي لأي طرف يصر بحق على أنه ما من خيار يجب استبعاده أن يقيّم الخيار بعناية فائقة. القيام بعمل عسكري محدود، مثل شنّ سلسلة من الغارات الجوية على المطارات العسكرية أو طوابير الدبابات، من شأنه أن يحقق على الأرجح بعض التوازن في الحرب الأهلية، دون أن يضع حداً لها. وفرض منطقة حماية على الحدود التركية أو الأردنية سوف يحمي من هم بداخلها فقط.

إن القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق، مثل الحملة التي تم من خلالها قصف ليبيا أو الغزو الذي تم بقيادة حلف "ناتو"، من شـأنه أن يجبر قوات التحالف على التدخل لتحمل المسؤولية عن مستقبل البلاد، أن تعليق الأمل على أن تتخذ الأمم المتحدة بطريقة أو بأخرى إجراءها للاهتمام بالسلم المدني والمصالحة وإعادة البناء السياسي، سيكون أمراً غير مسؤول بالمرة. وبالطبع، لن تكون هناك أي شرعية إقليمية أو دولية للتدخل من هذا القبيل ما لم يتم استنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية.

يجب أن تستمر الأطراف الفاعلة الدولية المعنية وفقاً لذلك بالمحاولة لإيجاد حل سياسي. وأفضل سيناريو معقول ينطوي على نقل مؤقت للسلطة إلى نائب الرئيس و نفي الأسد و بطانته حتى يتسنى إجراء حوار وطني حقيقي بوساطة الأمم المتحدة والجامعة العربية حول المستقبل السياسي لسوريا.

النموذج اليمني

تبني هذا الحل على غرار النموذج اليمني يترك المجال للكثير من الآمال، خصوصا أنه يمنح الحصانة للأسد. لكنه من الممكن أن يوقف إراقة الدماء.

لا توجد ضمانات بأنه من الممكن تحقيق مثل هذه النتيجة. ولكي يكون ذلك ممكناً، يتعين على الأسد وزمرته أن يدركوا أنه لا يمكنهم تحقيق النصر عسكرياً، و أن حرباً أهلية طويلة الأمد يمكن أن تهدد المجتمع في المستقبل. لكنه يحتاج هو وعائلته وكبار مساعديه أيضاً إلى معرفة أن هناك وسيلة آمنة لخروجهم، أي وسيلة بديلة عن مواصلة القتال حتى النهاية.

وعلى ذلك، فليس من الخطأ بناء تهديد عسكري. بل لعله أكثر أهمية لفرض حظر اقتصادي صارم في البلاد، وزيادة العزلة السياسية للنظام. وهذا لا يعني نهاية لجميع أشكال الاتصالات مع النظام، حتى "الحل اليمني" الأصلي كان لا بد من التفاوض بشأنه مع المرشح للرئاسة. يتعين أن يكون هناك شخص يفعل الشيء نفسه مع الأسد.

تحظى روسيا بمكانة محورية في هذ المقام، ليس بسبب حق الفيتو في مجلس الأمن. فلا يزال المبعوثون الروس يتم الإنصات إليهم في دمشق، و في حال سماع الأسد من موسكو أن اللعبة قد انتهت سوف يشعر حقاً بالعزلة.

يمكن لروسيا أن تعطي أيضاً ضمانات لعائلة الأسد، بما في ذلك عرض بالإقامة الآمنة في سوتشي. المحللون في موسكو لا يعتقدون أن نظام الأسد سوف يستمر، ولكن هناك قلقاً من أن سقوطه سيصبح خسارة استراتيجية لروسيا.

و لا يلزم أن يكون الأمر على هذا النحو في حال حصول روسيا على دور قيادي في الجهود الدولية المبذولة لإنقاذ سوريا. وانعقاد مؤتمر دولي في موسكو يركز على إنهاء إراقة الدماء و على آليات الانتقال ودعم دولي لحفظ السلام ربما يكون بعد ذلك أفضل خيار متاح.

 

بدائل النظام

 

إن انقاذ سوريا بطبيعة الحال لا يتعلق في المقام الأول بمصالح الأطراف الخارجية. يجب علينا ألا نتجاهل أن حوالي 20% أو أكثر من السكان النشطين هم أنصار حقيقيون للنظام، فضلاً عن جزء أكبر إلى حد ما يشعرون بالخوف من بدائل لنظام الأسد ومن الفوضى بعد نهاية النظام، أو من تقسيم البلاد.

إذا كانت الأقليات والفئات الأخرى التي اعتمد عليها النظام على مدى عقود تشعر بالاطمئنان من أنها أيضاً سوف يكون لها مستقبل في سوريا ما بعد الأسد، في هذه الحالة وحدها سوف يكون من الممكن تجنب نشوب حرب أهلية بعد سقوط النظام، وهي التي يمكن أن تمتد لفترة أطول و تكون أكثر دموية من تلك الجارية الآن.